غورو منشىء “لبنان الكبير”: ها قد عُدنا يا صلاح الدين!
Map of Syria and Cilicia, during the French Mandate of Syria and Lebanon, Portrait of General Henri Gouraud (top right), French High Commissioner in Syria, and his house in Beyrouth (bottom right), Frontpage of French newspaper Le petit journal, January 11, 1920, Private Collection (Photo by Leemage/Universal Images Group via Getty Images)

سيحمل بعض اللبنانيين حتما صورا للجنرال الفرنسي هنري غورو (١٨٦٧-١٩٤٦)، وسيلوّحون بها احتفالا بقدوم الرئيس ايمانويل ماكرون للاحتفال بمرور ١٠٠ عام على قيام دولة "لبنان الكبير"، لكن قليلا جدا منهم، وبينهم سياسيوهم، يعرفون من هو ذاك الجنرال ولماذا قرر "تكبير" لبنان على حساب سوريا.

عُيّن الجنرال الذي قاتل لترسيخ الاستعمار في افريقيا والمغرب، مفوّضا أعلى على سوريا ولبنان وقائداً لقوات المشرق في ٨ تشرين الأول/أكتوبر ١٩١٩، أي في فترة مشاريع التقسيم المتصلة بالحرب العالمية الأولى. وتقول المجلة العلمية الفرنسية العريقة Persée  :”الدعم الذي قدّمه البريطانيون للملك فيصل، ورغبتهم بإعادة النظر باتفاقيات سايكس بيكو، اثارت القلق من قيام سوريا عربية يتم اقصاء الفرنسيين منها، وحين وصل غورو ومساعده المدني روبير دو كي الى بيروت في تشرين الثاني/نوفمبر ١٩١٩، لم يوافقا على فكرة دولة وحدوية عربية بقيادة فيصل والسوريين” . قررا ضربها وتفتيتها. وتضيف المجلة العريقة:”استنادا الى التقليد الفرنسي لدعم مسيحيي الشرق، فان غورو ومساعده آثرا وفضّلا بشكل كبير اعتمادَ سياسةٍ تستند الى التجزئة المناطقية والدينية بضمانة فرنسية، مع تفضيل واضح وعلني لمسيحيي لبنان. وعلى معهود عادته، فان الجنرال بدأ سلسلة من الجولات على سوريا، ناسجاً علاقات مع شخصيات مهمة في المنطقة، وكانت زيارته الرمزية الأولى، الى الجبل (جبل العرب). لكن العلاقات مع فيصل تدهورت سريعاً ووصلت الى نقطة اللاعودة. وبعد انذار تم توجيهه الى ملك سوريا، تواجه الجيشان في خان ميسلون في ٢٤ تموز/ يوليو عام ١٩٢٠. هُزم فيصل وقواته ودخل الفرنسيون الى دمشق في ٢٥ تموز/ يوليو ١٩٢٠ فدُفن نهائيا مشروع سوريا الكبرى والقومية العربية التي جسدها فيصل. وصار بإمكان غورو الاستجابة لمطالب مسيحيي لبنان”.

 تشرح المجلة ان غورو “استقبل من ميللران ـ رئيس الحكومة آنذاك ـ خطة شاملة لتنظيم الانتداب على سوريا ولبنان، فطوّر رؤية فدرالية لسوريا الممزّقة والمقسمة على سيادات محلية. وخطط الجنرال في المرحلة الأولى لإنشاء لبنان الكبير بأغلبية مسيحية ودولتين مسلمتين في دمشق وحلب. وفي الأول من أيلول/سبتمبر من العام ١٩٢٠، اعلن الجنرال في قصر الصنوبر، وامام جمهور غفير، ولادة لبنان الكبير ورسم حدوده من النهر الكبير عند حدود فلسطين الى البحر والجبل، ولم يبق له سوى الذهاب حتى النهاية في مشروع تقسيم سوريا. وهكذا ولدت دولتا دمشق وحلب في أيلول/ سبتمبر عام ١٩٢٠، وجبل الدروز في آذار/مارس ١٩٢٢، والأراضي العلوية في تموز/يوليو ١٩٢٢”.

كان غورو متعصّبا دينيا، ومزهوا بالاستعمار، ومقاتلا شرسا، ويُروى انه حين دخل الى دمشق ذهب الى المسجد الأموي، وشهر سيفه قائلا على مقربة من ضريح صلاح الدين الايوبي قائلاً :”ها قد عُدنا يا صلاح الدين”.

وفي العام الماضي، زار حفيده جان لوي غورو جبل العرب في سوريا حيث رسم التاريخ صورا باهرة للمقاوم الأول للانتداب الفرنسي سلطان باشا الأطرش، وقدّم جان لوي الاعتذار لما فعله جده غورو في سوريا والمنطقة.

 قد يقول المسيحي المشرقي ان الجنرال غورو كان منصفا للمسيحيين، ولا بأس انه سلخ اقساما من دولة واعطاها للأخرى، لكن لا بد من الاعتراف ان مسيحيين كثيرين تضرروا من ذلك، حيث انسلخوا عن إخوانهم في لبنان، كما ان ما اسسه غورو واكملته فرنسا بالدستور هو الذي ما زلنا نعاني منه حتى اليوم حروبا طائفيا ومحاصصة طائفية وفسادا وقهرا أفادا كثيرا من الطائفية.

في لبنان كثير من الشوارع ما تزال تحمل أسماء فرنسية. لو دققنا في بعضها لوجدنا انها في أساس مآسي لبنان وسوريا، لكن الذاكرة قصيرة والتعصّب كبير، وغالبا ما نحتفل بمن أساء الى أوطاننا، لا بل ويذهب البعض الى حد المطالبة بإعادة الانتداب، إما يأسا من الذين حكموا بعد الانتداب، او لأنهم يستسيغون الاستعمار مهما كان شكله ولونه.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  دروس كورونا لبنانياً: لامركزية، لا خصخصة، لا بديل للدولة
سامي كليب

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  خطوط الترسيم تتعدد: لبنان يقاتل خلف خطوط العدو