“انها سابقة في العلاقات الفرنسية – اللبنانية ان تتوجه باريس بدون قفازات ديبلوماسية وبلغة صريحة وبعبارات قاسية في توصيف الوضع اللبناني”، وما يعطي هذا الكلام أهميته انه “صدر بلسان ارفع مسؤول في الجمهورية الفرنسية وقالها مباشرة وعلانية الى الشعب اللبناني”… هذا هو التعليق الأولي لديبلوماسي متمرس وخبير في السياسة الخارجية الفرنسية الشرق الأوسطية على مضمون ما جاء في المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الاليزيه، مساء أمس (الأحد)
وقد سجلت اوساط متابعة للملف اللبناني في العاصمة الفرنسية الملاحظات الاتية:
في الشكل:
أولا، ليس عاديا ان يعقد الرئيس الفرنسي وعلى عجل مؤتمرا صحافيا مسائيا في نهاية عطلة الاسبوع وقبل ساعات من اجتماع استثنائي لجلسة لمجلس الوزراء الاسبوعية (عادة يعقد يوم الأربعاء) وعشية توجهه في زيارة رسمية خارج الاراضي الفرنسية الى ليتوانيا.
ثانيا، انها المرة الاولى التي تتم فيها مشاركة صحافيين من خارج الاراضي الفرنسية في طرحهم لاسئلة مباشرة الى الرئيس ماكرون من مقر السفير الفرنسي في قصر الصنوبر في بيروت.
ثالثا، الملاحظ ان المقصود كانت مخاطبة الرأي العام اللبناني مباشرة عبر وسائل الاعلام اللبنانية في الوقت الذي اقتصر بث المؤتمر في فرنسا على وسائل التواصل الاجتماعي.
في المضمون:
أولا، استعمل ماكرون مفردات وعبارات قلما استعملها رئيس من قبله بهذه “الصراحة والقساوة” بحديثه عن “الشعب اللبناني المخطوف من قبل طبقة سياسية تفضل مصالحها الشخصية والعائلية والحزبية على المصلحة الوطنية العامة”، وباتهامه الفرقاء السياسيين اللبنانيين الذين التقاهم في قصر الصنوبر بـ”الخيانة الجماعية للالتزامات التي قطعوها امامه”.. وصولا الى الاشارة المباشرة الى ما سمّاه “نظام الرعب والترهيب” الذي يُمارس على اللبنانيين.
ثانيا، ادانة ماكرون لتصرفات الفرقاء السياسيين واتهامهم بالعرقلة توزعت بين:
– “ادانة شديدة اللهجة” لحزب الله والرئيس نبيه بري مع اشارته الى ان تشدد الاخير كان بضغط من الحزب الذي “لم يشأ القيام بأي تنازل” مع التوجه مباشرة الى الحزب بقوله :”ليس باستطاعته ان يكون جيشا يحارب اسرائيل وميليشيا في سوريا، وان يكون في الوقت ذاته حزباً محترماً في لبنان، وهو اظهر العكس، وعليه ان يفهم انه يخسر لبنان بأسره”.
– “العتب الكبير” على الرئيس سعد الحريري بفعل “الخطأ” الذي ارتكبه مع مجموعة رؤساء الحكومة السابقين من خلال تطييف احدى الحقائب الوزارية واضعاف مسار تشكيل الحكومة ( ويبدو حسب المصادر ان الرئيس ماكرون استاء من مضمون البيان الذي اصدره الحريري ورافق موقفه حول المداورة في حقيبة وزارة المال).
– تحميل ماكرون الرئيس ميشال عون مسؤولية اعادة اطلاق المشاورات سريعا من اجل تأليف الحكومة الجديدة.
ثالثا، عدم اقرار ماكرون بـ”الفشل” وتحميله الى الفرقاء السياسيين اللبنانيين والتأكيد بأنه قام بكل ما في وسعه مع الالنزام بالوعد بانه لن يترك الشعب اللبناني في معاناته لوحده.
رابعا، اراد ماكرون حصر مسؤولية التعطيل بالداخل اللبناني والتأكيد على ان اتصالاته مع الجهات الخارجية الاقليمية (السعودية وايران) والدولية (الولايات المتحدة) كانت بهدف “الطلب منها تحييد مبادرته من اي تاثير سلبي ومن دون الطلب اليها ممارسة اي فعل ايجابي”.
خامسا، اقرار فرنسي واضح بحاجة لبنان الى صيغة عقد او ميثاق وطني جديد ولكن مع الاعتراف بان “الوضع الداخلي غير ملائم الان لان هناك اولويات ملحة اقتصادية ومالية واجتماعية اضافة الى ان الظرف الاقليمي غير مهيأ بعد لمرافقة اعادة صياغة هذا العقد من اجل تحصين التوازن الوطني”، من هنا ضرورة الابقاء حاليا على اتفاق الطائف بصيغته الحالية.
سادسا، فصل المسار الانساني عن المسار السياسي بحيث ان الجهود الفرنسية مستمرة لتأمين المساعدات الانسانية الغذائية والصحية والتربوية الملحة للشعب اللبناني على ان ترسل مباشرة له عبر الجمعيات الاهلية وغير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني باشراف مباشر من الأمم المتحدة (الدعوة الى مؤتمر دعم قبل نهاية تشرين الاول /اكتوبر).
سابعا، وضع ماكرون الاصبع على الجرح المالي والمصرفي النازف واعلانه بشكل صريح وصارم سقوط النظام المالي والمصرفي اللبناني نظرا لفقدان الثقة فيه، كما رسم علامات الاستفهام على سلوكية القائمين على القطاع المصرفي العام والخاص من هنا الحاجة الملحة لاصلاحه وتغيير من يشرف على ادارته.
ثامنا، التمسك بالمبادرة الفرنسية مع وضع الفرقاء السياسيين امام خياريين لا ثالث لهما: اما المضي في تنفيذ خارطة الطربق الاصلاجية التي تشكل الفرصة الاخيرة، على حد قوله، والمهلة المتاحة لهم هي بين اربعة وستة اسابيع، او شبح عودة الحرب الاهلية مع الانهيار الشامل.
تاسعا، موقف ماكرون من فرض العقوبات جاء حازما “لا استبعد اي شيء، ولكن ليس في الوقت الحالي لان لا فائدة منها الان، وعندما يتفرر ذلك سيتم بالتشاور (مع الاوروبيين)”.
عاشرا، حرص الرئيس ماكرون على انهاء مداخلته بتعليق عاطفي تضمنها اطلاق صرخة “أخجل” للدلالة عن خيبة كبيرة من الطبقة السياسية اللبنانية، ومقرونة بغصة مرة (تناول كوبا من الماء بعدها) مؤكدا لـ”اللبنانيات واللبنانيين” بانه لن يتركهم!