أثر إعتذار مصطفى أديب على مسار تشكيل الحكومات
سياسة من امام مجلس النواب ( عباس سلمان )

لم يعتمد الدستور اللبناني نظام الترشيح للرئاسات الثلاث (الجمهورية، مجلس النواب، الحكومة) وبالتالي لا يوجد مرشحون لهذه المراكز يتقدمون بترشيحاتهم ومن ثمّ ينحصر التنافس في ما بينهم، بل إن اختيار هؤلاء الرؤساء منوط بمجلس النواب الذي ينتخب رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ويسمى من يجده النواب أهلاً لتولي رئاسة الحكومة.

وفق النص الدستوري، ليس هناك ما يبرر التفاوض مسبقاً مع المرشحين لرئاسة الحكومة حول شكل الحكومة ومهمتها وتوزيع الوزارات بين الأحزاب، ليصار بعدها إلى دعوة النواب إلى استشارات تسمية الرئيس المكلّف، ففي ظل عدم وجود مرشحين، يصبح من غير المنطقي التفاوض مع أسماء مجهولة مع ما يستغرقه هذا التفاوض من مدد طويلة للوصول إلى شخصية ترضى بالشروط المسبقة، ثمّ يدعى النواب للبصم على اسم الشخصية المقترحة لتولي رئاسة الحكومة، علماً أن لهذا البصم مفاعيل سيئة، ذلك أن من يؤتى به ليس من يرتضيه النواب فعلاً وليس على شاكلتهم ولا منهم، ولا يعبّر عن تطلعاتهم في كيفية تولي السلطة السلطة التنفيذية وإدارتها.

في حالة د. مصطفى أديب (نموذجاً وليس إسماً بذاته)، تحوّل التوافق السياسي المسبق على إسمه رئيساً مرشحاً لتأليف الحكومة، إلى إلزام مسبق للنواب باختيار ليس من يمثل إرادتهم فعلاً وإنما من أملي عليهم إسمه وقبلوا به من دون أن يكون لهم أي معرفة حقيقية بتوجهاته، وهذا الأمر يشكل مخالفة للمادة 53 من الدستور اللبناني التي منحت صلاحية تسمية الرئيس المكلف إلى النواب، حيث حدّدت هذه المادة في فقرتها الثانية صلاحية رئيس الجمهورية بتسمية رئيس الحكومة المكلف “بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادا الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميا على نتائجها”.

ولهذا ظنّ د. مصطفى أديب أن قبول النواب به وتسميته لتولي رئاسة الحكومة سوف يعني استجابتهم لشروطه والسماح له باختيار الوزراء بذاته وكان صريحاً منذ البداية أنه في حال عدم الموافقة سوف يعتذر، إلا أن الكتل النيابية لم تقبل بشروطه وتمسكت بالمادة 64 من الدستور التي فرضت عليه إجراء الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، وهذه الاستشارات التي ينصّ عليها الدستور ليست شكلية وإنما تترتب عليها مفاعيل قانونية لكون المادة ذاتها من الدستور التي تتحدث عن الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة (أي المادة 64) قد ربطت ممارسة الحكومة صلاحياتها بنيل ثقة مجلس النواب بصورة مسبقة، ومن دون هذه الثقة لا تستطيع أن تمارس شؤون الحكم والإدارة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، بعد صدور مراسيم تأليفها.

على النواب اختيار رئيس مكلّف تشكيل الحكومة، يكون منسجماً ومتوافقاً مع توجهات وقناعات الأغلبية النيابية، وإلا وفي حال الإصرار على خلاف ذلك، فإن المكلّف سوف يعتذر تماشياً والقاعدة التي أرساها د. مصطفى أديب والتي لاقت تأييداً من غالبية رؤساء الحكومة السابقين

ولما لم يحصل قبول من الكتل النيابية بشروط د. مصطفى أديب التي أعلنها من اللحظة الأولى لاختياره، فإنه قرر الاعتذار واضعاً بذلك قواعد جديدة في اختيار رؤساء الحكومات وتشكيل الوزارات، وبمقتضاها:

  • لم يعد مقبولاً التفاوض المسبق على تأليف الحكومة قبل تكليف الشخصية المنوط بها رئاسة الحكومة.
  • لم يعد جائزاً جمع المعارضة والموالاة في حكومة واحدة، فعندما يختار النواب شخصية غير مؤيدة لخيارات أكثريتهم النيابية، عليهم تحمّل مسؤولية هذا الاختيار والسماح للأقلية المعارضة تشكيل الحكومة المنسجمة مع قناعاتها والقادرة على تحقيق استراتجيتها في الإدارة. وإلا أصبح رئيس الحكومة أداة تنفيذية بيد الأغلبية المسيطرة في الحكومة ويفقد صفته الفعلية كرئيس للحكومة ويصبح رئيساً مجرّداً من الصلاحيات.
  • على النواب اختيار رئيس مكلّف تشكيل الحكومة، يكون منسجماً ومتوافقاً مع توجهات وقناعات الأغلبية النيابية، وإلا وفي حال الإصرار على خلاف ذلك، فإن المكلّف سوف يعتذر تماشياً والقاعدة التي أرساها د. مصطفى أديب والتي لاقت تأييداً من غالبية رؤساء الحكومة السابقين.

إن هذه القواعد تشكّل تطبيقاً أميناً للنص الدستوري وأكثر ملائمة للواقع السياسي بحيث تحقق لاحقاً إما التعاون والانسجام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في تسيير شؤون الإدارة والحكم في حال كانت الحكومة منبثقة عن مجلس النواب، أو تحقق الفصل والتوازن بينهما في حال ارتضى النواب أن تكون الحكومة منبثقة عن  الأقلية النيابية.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  جين بينغ في مئوية الشيوعي الصيني.. تجديد شبابية النموذج
عصام نعمة إسماعيل

أستاذ مادة القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  هوكستاين في بيروت: "إغراءات" وخط بحري جديد.. متعرج؟