“جهاد قره باخ”.. بين سنة “طالبان” وشيعة “الهزارة”!

الشائعات بشأن المرتزقة الذين استقدمتهم تركيا من سوريا وليبيا للقتال على جبهة ناغورنو قره باخ باتت شبه يقين. ولكن ثمة مرتزقة آخرين يتم تحضيرهم من قبل رجب طيب أردوغان في باكستان وأفغانستان للذهاب إلى الجبهة نفسها. هم  ليسوا بغرباء عن "الجهاد" العابر للحدود، لا بل أن أسلافهم، أو ربما بعضاً منهم، قاتل بالفعل في الإقليم المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان. فمن هؤلاء؟ وما المخاطر المترتبة على عودتهم إلى القوقاز؟ في تقرير نشرته في عددها الأخير، تتساءل مجلة "اغونيوك" الروسية: من أين تهب الرياح "الجهادية" في القوقاز؟

بعيداً عن سوريا وليبيا، ثمة مرتزقة يجري تدريبهم في المناطق الشمالية الغربية في باكستان، والتي يسكنها البشتون بشكل أساسي، وحيث تتواجد مراكز التجنيد التابعة لفصائل رديفة أو متفرعة من “الجماعة الإسلامية”، التي ترسل سنوياً آلاف المسلحين لـ”الجهاد” في أفغانستان وكشمير.

ليس الأمر سراً بالنسبة إلى الخبراء الأمنيين حول العالم، فقد تمكنت “الجماعة الإسلامية” سواء مباشرة، أو عبر افرعتها، من تطوير “صناعة جهادية” حقيقية، معتمدة على شبكة تجنيد غير مسبوقة، وبنية تحتية فعالة، تضم بضعة معسكرات تدريب.

بالطبع، لم يكن من الممكن تنفيذ مشروع “جهادي” بهذا الحجم لولا الدعم السري – والصريح أحياناً – الذي توفره الوكالات الحكومية، وبخاصة الاستخبارات الباكستانية، التي تستخدم تنظيمات “جهادية” لشن حرب هجينة ضد كابول ونيودلهي.

من وجهة الباكستانيين، فإنّ هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها: يعود الفضل إلى حد كبير لجهود “الجماعة الإسلامية” والتنظيمات المتشددة المتحالفة معها في الحرب في أفغانستان أو في اقليم كشمير.

اليوم، يبدو أن ثمة تطوراً في نشاط هذه التنظيمات “الجهادية” متصل بالنزاع الأذري-الأرميني: مصادر مجلة “أوغونيوك” في بيشاور، عاصمة باشتونستان الباكستانية، تؤكد أن وجهة “جهادية” جديدة بدأت تظهر على قوائم مراكز التجنيد”: ناغورنو قره باخ.

ليسوا غرباء..

لا يمكن اعتبار مسلحي “الجماعة الإسلامية” وافدين جدداً على الفضاء ما بعد السوفياتي: في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كانوا ينشطون بالفعل في طاجيكستان، حيث كانت الحرب الأهلية مستعرة. كذلك كان الحال في جنوب روسيا، فمع اندلاع الحرب الشيشانية الأولى، أرسلت “الجماعة الإسلامية”، عشرات إلى بضعة مئات من المسلحين إلى شمال القوقاز للجهاد ضد القوات الروسية من أجل استقلال الشيشان.

هؤلاء كانوا من مواطني باكستان وأفغانستان، وقد تدربوا في المدارس الدينية الباكستانية ومعسكرات “الجماعة الإسلامية” والتنظيمات التابعة لها، على غرار “جيش محمد” وجماعة “البد”، وذلك تحت إشراف الاستخبارات الباكستانية.

في تلك الفترة، كان للمسلحين الأفغان والباكستانيين توقيعهم الخاص: قسوة ووحشية وكفاءة عالية في المعارك. كانوا يقطعون رؤوس الجنود الروس الأسرى بلا رحمة، ولم يدخروا أنفسهم في المعارك ضد القوات الفدرالية الروسية.

علاوة على ما سبق، فقد شارك هؤلاء المقاتلون بالفعل، وبشكل نشط، في نزاع ناغورنو قره باخ في مطلع التسعينيات إلى جانب أذربيجان، ومع ذلك، فقد كانوا مجرد “جهاديين هواة”، إذا جاز التعبير، ويفتقدون إلى الدعم الخارجي.

في الوقت الراهن، يبدو الأمر مختلفاً، فعلى سبيل المثال تنقل “أوغونيوك” عن أحد المصادر قوله إن أيديولوجية “الجماعة الإسلامية” تتمثل في اعادة صياغة إقليمية لمشروع جماعة “الإخوان المسلمين”، التي غالباً ما لقيت دعماً من قبل النخب العسكرية في باكستان، ولا سيما في عهد الرئيس العسكري الجنرال ضياء الحق (1978-1988). وأما في أفغانستان، فإنّ أبرز من يمثّل هذا الاتجاه هو زعيم “الحزب الإسلامي” قلب الدين حكمتيار.

من المعروف أن قادة “الجماعة الإسلامية” في باكستان و”الحزب الإسلامي” في افغانستان حافظوا على علاقات وثيقة مع جماعة “الإخوان المسلمين” التركية عموماً، وممثلها السياسي الأبرز رجب طيب أردوغان بشكل خاص.

الاتفاق بين السلطات التركية وزعيم “الحزب الإسلامي” الأفغاني قلب الدين حكمتيار بشأن احتمال نقل المسلحين الأفغان إلى ناغورنو قره باخ ليس مجرد فرضية، فالصراع الأذري-الأرمني يُنظر إليه في أوساط مؤيدي جماعة “الإخوان المسلمين” من منظور المصالح التركية، وبالتالي فإن هؤلاء يرون أن المشاركة في هذا النزاع ليست مشاركة في حرب دينية لنصرة الإسلام فحسب، بل هي واجب لحماية المصالح الجيوسياسية التركية، ضمن تحالف إقليمي يضم تركيا وأذربيجان وباكستان والحزب الإسلامي الأفغاني.

بناء على ما سبق، ثمة كثير من الأسباب للثقة في تصريح السكرتير الصحافي لرئيس جمهورية آرتساخ (ناغورنو قره باخ) فهرام بوغوسيان، الذي كشف في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عن التوصل إلى اتفاق بين السلطات التركية وزعيم الحزب الإسلامي الأفغاني حول نقل وشيك للمسلحين الأفغان إلى قره باخ.

علاوة على ذلك، ووفقًا لمصادر “أوغونيوك” في باكستان، فإنّه في سياق العلاقات التحالفية مع أنقرة، وافقت إسلام أباد بالفعل على إرسال شحنات كبيرة من الأسلحة والذخائر إلى أذربيجان، ما يعني أنه “من المفترض في الوقت ذاته أن يكون قد تم إرسال مقاتلين من الجماعات الجهادية المرتبطة بالجماعة الإسلامية إلى جبهة قره باخ، أو أن ذلك سيحدث المستقبل القريب”.

هجرة الجهاديين”

يبدو ظهور المقاتلين الأفغان والباكستانيين على جبهة قره باخ أمراً حتمياً وسريعاً إلى حد ما. في هذا الصدد، يبرز التساؤل عن نتائج هذه “الهجرة القتالية” للجهاديين، الذين تقترب أيديولوجيتهم ليس فقط من جماعة “الإخوان المسلمين”، وإنما أيضاً من حركة “طالبان”.

للأسف، كما تظهر التجربة، ثمة ما يدعو للقلق: من السهل جداً جلب المقاتلين الجهاديين والملالي الذين يغذونهم روحياً إلى أية منطقة غير مستقرة في العالم، ولكن من الصعب للغاية إخراجهم من هناك.

إقرأ على موقع 180  إنتخابات تصفية الحسابات.. هزيمة مُذلة لإردوغان!

في حالة “جهاد قره باخ”، يعني ما سبق أن جيباً جهادياً يضم ما لا يقل عن مئات المقاتلين المتمرسين بدافع من عقيدة دينية متشددة وبدعم من الدول الكبرى في المنطقة، قد يتشكل على بعد نحو ألفي كيلومتر من موسكو، ومن المؤكد أن جيباً جهادياً كهذا سيكون له تأثير ملحوظ جداً على الشباب المسلمين، ليس فقط في أذربيجان وجورجيا، بل أيضاً على سكان داغستان والشيشان وانغوشيا وجمهوريات شمال القوقاز الأخرى.

في الواقع، نحن نتحدث عن هجرة مؤيدي الجماعات الموالية لحركة “طالبان” أو الذين يتشاركونها أيديولوجيتها، باعتبارها الشكل الأكثر فعالية لـ”الجهاد المنتصر”، والذي تحدث عنه مناصرو “القاعدة” و”طالبان” الناطقون بالروسية كثيراً خلال العام الماضي، لا سيما في كلامهم عن هزيمة الولايات المتحدة في الحرب الأفغانية التي استمرت قرابة 20 عاماً.

سينفي ذلك حتماً السياسيون والدبلوماسيون والخبراء الروس الذين يحاججون بأن “طالبان” الأفغانية ليست لديها اية خطط توسعية ولن تهدد أمن الفضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك في آسيا الوسطى،  لكن ما تظهره الأحداث الأخيرة في قره باخ هو أن “عامل طالبان” يمكن أن ينشأ في بقعة لم تكن متوقعة – جنوب القوقاز. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل أن موسكو وعواصم إقليمية أخرى مستعدة لمثل هذا التطور؟

قد تصبح جبهة ناغورنو قره باخ ساحة حرب بين “جهادَين”: شيعي لدعم أرمينيا وسني لدعم أذربيجان وتركيا.

عامل شيعي

عند الحديث عن آفاق “الجهاد” في صراع قره باخ بسبب مشاركة مسلحين أفغان وباكستانيين من المنظمات السنية الموالية لـ”طالبان” فيه، ينبغي التذكير بعامل آخر: المقاتلون الأفغان الشيعة الذين شاركوا بنشاط في الأعمال العدائية إلى جانب أذربيجان، حيث يشكل الشيعة حوالي 85 في المئة من السكان.

خلال السنوات الماضية، تم تنظيم نقل مسلحي الهزارة إلى قره باخ من قبل كريم خليلي، وهو سياسي أفغاني شيعي مؤثر تولى منصب نائب رئيس البلاد في عهد حميد قرضاي، وبالتالي يمكن الافتراض هنا أن “سنة” حكمتيار ليسوا وحدهم من سيذهب الى قره باخ للدفاع عن مصالح اذربيجان، بل أيضاً “شيعة” الهزارة.

إلا أنه  في حالة المسلحين الشيعة، قد يكون الوضع أكثر تعقيداً، فمع تفاقم الصراع في قره باخ، يمكن افتراض أن إيران الشيعية تتخذ موقفاً ودياً إلى حد ما تجاه أرمينيا، وعلى أي حال، لن تساعد بالتأكيد التحالف الأذربيجاني التركي الباكستاني، فإذا قررت هذه “الترويكا” استخدام العامل السني الراديكالي بكامل طاقتها من خلال السماح بالرحيل الجماعي لمؤيدي “طالبان” و”القاعدة” و”الإخوان المسلمين” إلى “جهاد قره باخ” ، فقد ترد طهران بتعبئة مقاتلين شيعة، سواء من سوريا أو من أفغانستان وباكستان ولكن هذه المرة لدعم أرمينيا.

فلنتذكر أن الاستخبارات الإيرانية تمكنت من تشكيل فرقة “فاطميون” خلال الحرب السورية، وهي مؤلفة بالكامل من الهزارة الشيعة الأفغان، وعددهم يصل إلى 25 ألف عنصر، وقاموا بمحاربة الجهاديين السنة، ولا سيما أولئك الذين وفدوا من أفغانستان وباكستان. هذا السيناريو قد يكون مدمراً للغاية، فالجهاد الشيعي، كما تظهر الأحداث الأخيرة في العراق وسوريا لا يقل عنفاً عن الجهاد السني.

نتيجة لذلك، قد تصبح جبهة ناغورنو قره باخ ساحة حرب بين “جهادَين”: شيعي لدعم أرمينيا وسني لدعم أذربيجان وتركيا.

على أي حال، فإن احتمالية ظهور “الجهاد” في أقدم صراع مسلح في الفضاء ما بعد السوفياتي، أي في منطقة المصالح الاستراتيجية الروسية، يمثل تحدياً خطيراً للغاية لموسكو.

يبدو أنه من المنطقي الآن أن يقوم السياسيون الروس بتفعيل الدبلوماسية المكوكية قدر الإمكان من أجل الحصول على ضمانات من إسلام أباد وكابول والدوحة بأن “طالبان” و”الحزب الإسلامي” و”الجماعة الإسلامية” و”جيش محمد” وجماعة “البدر” وغيرهما من الجماعات الإرهابية لن تظهر بالقرب من حدود روسيا، لأنه سيكون من الصعب للغاية إخراجها من هناك لاحقاً.

Print Friendly, PDF & Email
وسام متى

صحافي لبناني متخصص في الشؤون الدولية

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إطفاء فتيل التوتر في البحر الأحمر.. بإنهاء حرب غزة