لماذا التحقيق مع خلية قصر الأليزيه الديبلوماسية؟

Avatarخاص 18029/10/2020
ثمة مراجعة في قصر الرئاسة الفرنسية تشمل العديد من الملفات وتتمحور بالدرجة الأولى حول "الخلية الديبلوماسية" في الأليزيه.

ما كشفته مجلة “بوليتيكو” الأميركية، من أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عيَّن مستشارين خارجيين؛ للتحقيق في عمل “الخلية الديبلوماسية” بالأليزيه، في ظل اتهامات بهيمنة بيئة عمل عدوانية ومختلة وظيفياً، يتقاطع مع ما يتم تداوله من معلومات في العاصمة اللبنانية عن الأمر نفسه، والسبب لا يقتصر على فشل المبادرة الفرنسية في لبنان، بل يطال العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي يطرح علامات إستفهام حول طريقة إختيار فريق العمل الرئاسي ومعايير العمل والمحاسبة والمراقبة، وكيف تتداخل الإعتبارات المهنية بالشخصية، وهو أمر موجود في معظم دول العالم.

وفق التقرير الذي نُشر في “بوليتيكو”، أمس، الأربعاء،  وتضمن مقابلات مع مسؤولين وديبلوماسيين فرنسيين، جرى حديث “عن حالات إنهاك وعقلية حصار داخل الخلية”. كما إدعى من تمت مقابلتهم أيضاً أنّ الخلية الديبلوماسية “قوّضت السياسة الخارجية للرئيس إيمانويل ماكرون أحياناً، نتيجة ضعف التنسيق مع – أو الموقف العدائي تجاه – قطاعات أخرى في الإدارة الفرنسية، والحكومات الأجنبية، والمجتمع الديبلوماسي في باريس”.

ومثلما جرى في الملف اللبناني، تتحدث “بوليتيكو” عن تمحور المزاعم حول مستشار ماكرون الديبلوماسي إيمانويل بون، ونائبته أليس روفو، وتتراوح بين “إساءات لفظية”، و”وابل من رسائل البريد الإلكتروني العدوانية”، و”طعنات في الظهر”، و”إقصاء للآخرين داخل مكتب الرئيس”.

تنسب المجلة الأميركية إلى مسؤولين في الأليزيه نفيهم كل تلك الإتهامات، بينما أمر قصر الإليزيه بإجراء تحقيقٍ خارجي بعد وضع المستشار الثاني  تيموراز غورجيستاني، المسؤول عن ملف أميركا وآسيا، إجازة مرَضية “إلى أجلٍ غير مسمى”، في نهاية الصيف الماضي.

ثنائي بون وروفو

يُعدُّ التحقيق – الذي وصفه القصر الرئاسي الفرنسي بـ”التدقيق” في عمل الخلية – خطوةً غير معتادة إطلاقاً في الحكومة الفرنسية، مما يُشير إلى أنّ المشكلات تتجاوز نطاق القيل والقال والمنافسة الشائعة بين أروقة السلطة حول العالم.

لكن أحد مسؤولي الإليزيه أشار إلى أن “الثنائي” (إيمانويل بون وأليس روفو) يشعر بأنه محميٌّ نظرياً؛ لعلاقته المقربة مع الرئيس ماكرون. إذ قال المسؤول نفسه: “يشعر بون وأليس بأنّ لديهما رخصةً للتنمر والمضايقة مع شعورٍ بالإفلات التام من العقاب”.

ووفق تقرير المجلة الأميركية “اشتكى سفراء أجانب وديبلوماسيون آخرون في باريس من معاملة بون وأليس “الوقحة” و”المتعالية”، وصعوبة حثهما على الرد على المكالمات والرسائل النصية وترتيب الاجتماعات. (لكن بون يُنكر أنه رفض على الإطلاق مقابلة أيّ سفير من دول مجموعة العشرين، وفقاً لمسؤولٍ في القصر). وقال سفير إحدى دول مجموعة العشرين: “لقد فاض الكيل بالسفراء من قصر الإليزيه ووقاحته، ولن يُقدّموا أيّ خدمات لماكرون في عواصمهم”. وقد دعم سفراءٌ آخرون وجهة النظر تلك.

كما تحدَّث السفير نفسه عن واقعةٍ شهدت سفر مسؤولٍ بارز من وزارة خارجيته على متن رحلةٍ طويلة إلى باريس؛ لزيارة الإليزيه ولقاء بون في اجتماعٍ مقررٍ قبل شهرين. لكن مكتب بون أبلغ مكتب السفير قبلها بأقل من 24 ساعة، أن الاجتماع “يجب أن يُؤجّل”!.

وفي رسالةٍ نصية مقتضبة اطلعت عليها “بوليتيكو”، قال بون لممثل إحدى دول مجموعة العشرين إنه يخدم الرئيس الفرنسي الذي طلب وجوده في وقت الاجتماع المُقرّر. وقد تفاقم الإحباط من الخلية داخل الشبكة الديبلوماسية الفرنسية أيضاً.

ثنائي فوشيه وإيمييه أيضاً

هنا تشير المعلومات أن عدداً من السفراء الفرنسيين، وبينهم سفير فرنسا السابق في بيروت برونو فوشيه، الذي غادر بيروت في شهر أيلول/سبتمبر الماضي وحلت محله السفيرة آنّ غريّو، كانوا يشكون بأن برقياتهم التي يوجهونها إلى وزارة الخارجية الفرنسية، وبعضها يتوجه في الوقت نفسه إلى الخلية الديبلوماسية في قصر الأليزيه، لم تكن تؤخذ على محمل الجد أو لا يُعرض مضمونها على الرئيس الفرنسي، وهو الأمر الذي أظهرته تجربة تعامل الرئيس الفرنسي مع لبنان، خلال الزيارتين المتتاليتين في أعقاب إنفجار مرفأ بيروت.. وصولاً إلى فشل المبادرة الفرنسية ومن ثم الرهان على إعادة تعويمها إذا نجح سعد الحريري بتشكيل حكومة جديدة.

الإجازة التي أعطيت إلى عدد من أعضاء الخلية الديبلوماسية تزامنت مع تقدم دور الموظف الفرنسي باتريك دوريل مسؤول ملف شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الخلية الديبلوماسية في الأليزيه

ووفق المعلومات نفسها، فإن الإجازة التي أعطيت إلى عدد من أعضاء الخلية الديبلوماسية تزامنت مع تقدم دور الموظف الفرنسي باتريك دوريل مسؤول ملف شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الخلية الديبلوماسية في الأليزيه. ما يسري على إيمانويل بون، ينطبق أيضاُ على تعامل مدير وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية، برنارد إيمييه، السفير السابق في لبنان، والمعروف بحماسته لفريق 14 آذار/مارس، بينما يُؤخذ على السفير السابق برونو فوشيه إنفتاحه على حزب الله وحماسته للتفاهم مع الإيرانيين وعدم الخروج من الإتفاق النووي مع إيران!

ومن يدقّق حالياً بالتقارير الديبلوماسية، يستطيع أن يستنتج وجود مناخين فرنسيين في التعامل مع الملف السياسي ـ الإقتصادي اللبناني، بعد تكليف سعد الحريري برئاسة الحكومة. الأول، يشي بالحماسة للحريري وإعادة تعويم الطبقة السياسية نفسها، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى، والثاني، غير متحمس للحريري ولا للسياسات الإقتصادية التي كان يتبعها أو سيعيد إتباعها. وهذا الفريق على رأسه السفير بيار دوكان الذي يتأثر كثيراً بصداقاته اللبنانية ولا سيما مع فريق من الخبراء الإقتصاديين اللبنانيين أو الفرنسيين من أصل لبناني، ومن أبرز هؤلاء: آلان بيفاني، هنري شاوول، مجموعة “كلنا إرادة”، بالإضافة إلى تأثير آخرين مثل فرنسوا خياط الذي يشرف على فريق شركة “لازارد” الذي يتولى مهمة إعادة هيكلة ديون الدولة اللبنانية، والمصرفي سمير عساف الذي كان يرشحه الفرنسيون لتولي حاكمية مصرف لبنان محل رياض سلامة، بالإضافة إلى رجال أعمال أبرزهم جاك سعادة رئيس مجلس إدارة مجموعة “سي إم أيه – سي جي إم”، وهي شركة فرنسية لنقل الحاويات والشحن، وتعتبر ثالث أكبر شركة في العالم وتطمح لأن تفوز بإمتياز إدارة مرفأ بيروت الذي دمره إنفجار الرابع من آب/أغسطس 2020.

إقرأ على موقع 180  ما هكذا يُحتوى غضب الشعوب.. يا جنرال!

كلير ثوديت وتيموراز جورجيستاني

وكانت قد انتشرت منذ شهور، أحاديث عن فوضى ومشاكل تشهدها الخلية الديبلوماسية للإليزيه، وتصاعدت بعد وضع المستشارة كلير ثوديت في إجازةٍ مرَضية، مطلع العام الحالي. وكانت كلير تخدم في منصب مستشار الشؤون العالمية، المنوط بها الإشراف على قضايا المناخ والصحة. وقد تركت الخلية رسمياً في 4 آذار/مارس 2020 بالتزامن مع بروز جائحة فيروس كورونا على الساحة الدولية. وظل المنصب شاغراً مع انتشار الجائحة حول العالم، حتى تم العثور على بديلٍ لها في آب/أغسطس الماضي، بينما باتت تخدم كلير حالياً في منصب مديرة المعهد الفرنسي بإيطاليا.

وبعد وضع مستشارٍ آخر، هو تيموراز جورجيستاني المسؤول عن شؤون أميركا وآسيا، في إجازةٍ مرَضية بواسطة طبيبه؛ صدرت الأوامر بفتح تحقيقٍ خارجي أواخر شهر آب/أغسطس 2020.

ويُعَدُّ بون وأليس غريبَين نوعاً ما عن مجموعة المرشحين المعتادين لمناصبهم. لكن كليهما خدم في مناصب دنيا داخل الخلية الديبلوماسية للرئيس السابق فرانسوا هولاند، وقابلا ماكرون آنذاك حين كان نائب الأمين العام لقصر الإليزيه

وحسب “بوليتيكو”، قال المسؤولون الذين يعرفون كلير وجورجيستاني إن زميليهما “تعرضا لصدمةٍ نفسية”، إذ يميل أسلوب الإدارة الفرنسي إلى أن يكون أقسى من نظيره في دولٍ أخرى مثل الولايات المتحدة. إذ ينشأ عديد من الفرنسيين وسط نظامٍ من الحب القاسي، مع التركيز أكثر على الجزء “القاسي”ـ حيث يُعتقد أن النقد اللاذع ضروريٌّ من أجل تحفيز الطلاب والموظفين على التميّز. كما يُوصف ماكرون نفسه عادةً من المسؤولين الذين عملوا على مقربةٍ منه، بأنه “دارويني” النزعة، أي يتبنّى نهج البقاء للأقوى بين أفراد فريقه. وليست حالات الإنهاك مصطلحاً جديداً في مناصب السياسة الخارجية الفرنسية، وحتى داخل وزارة الخارجية نفسها. لكن المسؤولين الذين يعرفون كلير وجورجيستاني قالوا إنهما لمعا في المناصب السابقة تحت الضغط الشديد.

الموت الدماغي

وتحدَّث مسؤولون حاليون وسابقون في الإليزيه لـ”بوليتيكو”، أنهم شهدوا حالات انهيار بالخلية، وأشاروا إلى وقائع جعلت أليس روفو تفقد أعصابها وتصرخ في زملائها وتستخفَّ بهم وتقلّل من شأنهم، لأنهم لم يُنفّذوا المهام كما تصوَّرتها. لكن أليس أنكرت ذلك، وفقاً لمسؤولين في القصر.

كما وصف المسؤولون أيضاً بيئةً تشهد صراخ بون وأليس في مرؤوسيهما لدرجةٍ تدفعهم إلى البكاء، وأوامر للفريق بإعادة العمل مراراً وتكراراً، مع تغيير التعليمات والفشل في توفير المعلومات اللازمة.

علاوةً على اندلاع الشقاق بين بون وأليس، وفقاً لعددٍ من المسؤولين. إذ قال ثلاثةٌ منهم، إن أليس أخبرت زملاءها بأن بون يجب استبداله. لكن الرئاسة رفضت التعليق على هذه المعلومات.

واشتكى بعض المسؤولين الفرنسيين من أن الخلية فشلت في إعداد الديبلوماسيين للتعامل مع التداعيات الدولية الهائلة لوصف ماكرون حلف الناتو، العام الماضي، بأنه يعاني من “الموت الدماغي”. فقبل أسبوعين أو ثلاثة من نشر تعليقات ماكرون في “الإيكونوميست” البريطانية، كانت الخلية تمتلك نص المقابلة، وفقاً لمسؤولين مطلعين على المعلومات. وطوال تلك الفترة، لم يعطِ بون أو أليس أي تعليمات لمرؤوسيهما حول كيفية التعامل مع التداعيات، وفقاً للمسؤولين.

لكن الافتقار إلى التنبيهات قبلها بوقتٍ كافٍ أثار غضب المسؤولين والديبلوماسيين الفرنسيين، الذين تُرِكوا في منتصف الأزمة يتدافعون من أجل الحصول على نقاطٍ للحوار وهم غير مجهَّزين بالمرَّة للدفاع عن ماكرون أمام الحلفاء الحائرين.

ويُعَدُّ بون وأليس غريبَين نوعاً ما عن مجموعة المرشحين المعتادين لمناصبهم. لكن كليهما خدم في مناصب دنيا داخل الخلية الديبلوماسية للرئيس السابق فرانسوا هولاند، وقابلا ماكرون آنذاك حين كان نائب الأمين العام لقصر الإليزيه.

ومنذ فتح التحقيق في الخلية الديبلوماسية، دافع مسؤولون مقربون من الوضع بالرئاسة باستماتةٍ متزايدة عن تلك الادعاءات. وأشاروا إلى الدور القيادي الذي أدَّته فرنسا على المسرح العالمي في ظل حكم ماكرون، مع رفض الشكاوى باعتبارها تصفية حسابات داخلية.

وبرغم أن فرنسا ورئيسها قدّما أعلى مستويات الأداء على الساحة الدولية منذ عقود، فإن المسؤولين الفرنسيين يقولون إن الديبلوماسيين يرفضون تولّي المناصب المرغوبة بشدة عادةً – والتي صارت شاغرة – داخل الخلية الديبلوماسية، وقال أحد مسؤولي الرئاسة: “أجد الأمر غير عادل حين أقرأ أن هذا الفريق يُعاني مشكلات في التوظيف. فالفريق يُؤدي عمله على أكمل وجه. وليس من الجيد لمن يعملون به أن يسمعوا أن لديهم مشكلات في التوظيف”.

مع ذلك ما يزال هناك منصبان شاغران: منصب المستشار الأوروبي، ومنصب مستشار الشؤون الاستراتيجية. ومن المتوقع أن يتقدم أليكساندر آدم، المستشار الفني للشؤون الأوروبية، لشغل منصب المستشار الأوروبي الذي كان يشغله فعلياً بالإنابة، في حين من المتوقع أن تتولّى أليس نفسها منصب مستشار الشؤون الاستراتيجية وفقاً للمسؤولين، في خطوةٍ ستمنحها نفوذاً رسمياً أكبر داخل الخلية. ولا يُخطِّط بون أو أليس للاستقالة، وفقاً للمسؤولين. الفرنسيين أنفسهم. (المصدر: “بوليتيكو” وخاص 180)

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  سنتان على الحرب: روسيا لا تُهزَم.. ووجهُ أوروبا يتغير