الإنسحاب الأميركي من العراق يرفع منسوب المخاوف العسكرية!
Senator Joseph Biden (D-Delaware) displays pictures of Iraqi prisoners at Abu Ghraib prison while questioning Attorney General John Ashcroft on counter-terrorism issues during a Senate Judiciary Committee oversight hearing on Capitol Hill. (Photo by Brooks Kraft LLC/Corbis via Getty Images)

يمر العراق، اليوم، في مرحلة دقيقة وحساسة، ستمتد حتى استلام الرئيس المنتخب جو بايدن مهامه الرئاسية وتنحي دونالد ترامب عن مشهد البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/يناير المقبل.

الساحة العراقية، بما هي ساحة جلية للصراع الأميركي الإيراني، تتأثر وتؤثر في فصول هذا الصراع. لذلك مثلاً شهدنا في الآونة الأخيرة عزوفاً شبه كلي للمجموعات المحسوبة على إيران عن استهداف المصالح الأميركية في العراق، وذلك على أثر التهديد بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد، وهو تهديد ينطوي على كثير من المخاطر لو نُفّذ، علماً أن معلومات سُربت تفيد أن الولايات المتحدة قد جمعت قائمة من 80 موقعاً في العراق مرتبطة بجماعات مدعومة من إيران تخطط لمهاجمتها إذا تم إغلاق سفارتها. وتشمل هذه المنشآت مقرات سرية وملاجئ تستخدمها “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، ومنظمة بدر، فضلاً عن مرافق مرتبطة بجماعة كتائب حزب الله ـ العراق.

وبعد سلسلة الإجراءات التي قام بها ترامب في الأيام التي تلت إعلان النتائج غير الرسمية للإنتخابات الأميركية، ولا سيما عزل وزير الدفاع مارك إسبر، فإن معظم المراقبين يتخوفون من تنفيذ التهديدات الأميركية ضد إيران، بدءا من الساحة العراقية نفسها، وهي الساحة التي نفذت فيها ادارة ترامب اغتيال رجل إيران الأول في المنطقة الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس قبل أقل من سنة. لكن آخرين يرون أن وزير الدفاع الأمريكي بالنيابة كريستوفر ميللر الذي عيّنه الرئيس ترامب بعد عزل اسبر، والذي بدأ تنفيذ تعليمات رئيسه بتخفيض سريع للقوات الامريكية من الشرق الأوسط بما في ذلك العراق، يحتاج الى الكشف عن عملية اغتيال الرجل الثاني في تنظيم “القاعدة” أبو محمد المصري في العاصمة الإيرانية، لتبرير هذا الانسحاب من منطلق ازالة خطر تنظيم “القاعدة”، وما يعنيه ذلك من أن وقت عودة القوات الاميركية قد حان الآن.

يمكن أن تخفف إدارة بايدن منسوب التوترات بينها وبين إيران، لكنها، في المقابل، قد تطلب تقديم بعض التنازلات، ومنها أن تقلّص إيران نفوذها في العراق

عراقياً، يبدو أن الجميع في حالة توجّس لهذا الوقت الفاصل، بين إدارة أميركية تمضي وإدارة أميركية ستأتي، وعلى رأسها الديموقراطي جو بايدن الذي يتوقع أن يكون أكثر دبلوماسية وأقل راديكالية من سلفه. مع العلم أن بايدن لم يتناول العراق بصورة ملموسة في حملته الانتخابية وفي مناظرتيه مع ترامب، وذلك على عكس الحملات الانتخابية لرؤساء أميركا السابقين بعد العام 1990، حيث كان الملف العراقي مفتاحاً أساسياً في حملاتهم، إلا أن استشراف الخطوط العريضة لسياسته الخارجية في العراق تحديداً أمرٌ ليس بهذه الصعوبة، وقد تكفي تصريحاته حيال ايران لتكهنها. فهو اعتبر أن ترامب في عزله لإيران إنما عزل الولايات المتحدة نفسها، فيما استطاعت إيران التحايل على الحصار من خلال استثمار الساحات المجاورة، بما فيها الساحة العراقية، كما انتقد اغتيال سليماني، وأقر بأنه سيلجأ إلى الأطر الدبلوماسية في حل المشاكل مع ايران، بالتعاون مع شركائه في المجتمع الدولي، وسيستخدم سياسة “أكثر ذكاء” كما صرح.

على هذا الأساس، يمكن أن تخفف إدارة بايدن منسوب التوترات بينها وبين إيران، لكنها، في المقابل، قد تطلب تقديم بعض التنازلات، ومنها أن تقلّص إيران نفوذها في العراق. هذا المسعى الأميركي تبدو حظوظه شبه معدومة، وفق تقديرات الفصائل العراقية المدعومة من ايران. ومن المتوقع أن يحث بايدن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على المضي في حملته ضد السلاح المتفلت، وذلك في الاطار نفسه، كما السعي في سبيل الانسحاب الاميركي من العراق، وهو خيار يجاهر به الديموقراطيون، ويمكن توقعه من بايدن، ولو بشكل غير كامل، لا سيما أن الأخير قال في الصيف الماضي ردا على سؤال بشأن الانسحاب من أفغانستان: “نحن في حاجة إلى أن نكون واضحين بشأن مصالحنا الأمنية المحدودة الدائمة في المنطقة: لا يمكننا السماح لبقايا القاعدة في أفغانستان وباكستان بإعادة التشكيل، ويجب علينا تدمير وجود الدولة الإسلامية في المنطقة. الأميركيون سئموا حقاً من حربنا الأطول. وأنا كذلك. لكن يجب أن ننهي الحرب بمسؤولية، وبطريقة تضمن لنا ابعاد التهديدات عن وطننا وعدم الاضطرار إلى العودة أبدًا”.

وكشفت صحيفة التايمز البريطانية ان “التغيير الذي اجراه ترامب مؤخرا على رأس قيادة البنتاغون يعتقد بانه قد يكون جزءا من خطة للتعجيل بسحب القوات الاميركية (من العراق وسوريا وأفغانستان) للإيفاء بتعهد قطعه على نفسه منذ زمن طويل بسحب جميع القوات واعادتها الى الوطن ووقف التدخل الاميركي في (حروب لا نهاية لها) حسب زعمه”. وفي السياق نفسه، أوردت شبكة “سي إن إن” أنه من المحتمل أن يصدر ترامب قريباً أمراً بتقليص حجم قوات بلاده المنتشرة في أفغانستان والعراق قبيل مغادرته منصبه، وأشارت إلى أن القادة العسكريين الأميركيين “يستعدون لمثل هذا الأمر الذي قد يخفض عدد الجنود إلى 2500 في كل دولة، نزولا من 4500 في أفغانستان و3000 في العراق حالياً”.

يرى البعض من المحللين العراقيين أن من أولويات الكاظمي في المرحلة المقبلة ايجاد حلول ناجعة لكل الملفات المهمة ذات الاولوية مع الولايات المتحدة الاميركية، والتي جسد قسم منها في اطار مذكرات تفاهم لم تترجم بعد على أرض الواقع

 إلا أن البعض يعتبر أن كلا من ترامب وبايدن نفذا وسينفذان سياسة خارجية لأميركا ترسمها وتخطط لها وتنفذها “الدولة القوية” في الإدارة الأميريكية، وبالتالي فإن بايدن سيكمل ما بدأه ترامب، وسنشهد أن الاختلاف لا يتعدى أسلوب التنفيذ، وهذا الأسلوب نفسه يختلف باختلاف المرحلة، على اعتبار أن المصالح الأميركية تتعدل وتتطور وفقاً لتطورات المنطقة. ومن هذا المنطلق، يؤكد عدد من المحللين أن بايدن لن يعود للمشروع الذي كان قد طرحه هو بنفسه حول تقسيم العراق (ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية) عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما الذي كلفه بمتابعة ملف العراق وتنظيم مسار الانسحاب العسكري منه، على اعتبار أن الظرف تغير والمصالح تغيرت. ويُذكر هنا أن بايدن زار العراق أكثر من 27 مرة، وهو على علاقة وثيقة بالكثير من السياسيين فيه. ويري البعض أن الاوضاع المتردية في العراق ما كانت لتكون كذلك لولا دعم بايدن لمحاولة نوري المالكي الاحتفاظ بالسلطة بدلاً من دعم النتائج الديمقراطية للانتخابات، خلافاً لرؤية السفير روبرت فورد آنذاك غير الداعم للمالكي.

إقرأ على موقع 180  تايوان مملكة الرقائق الدقيقة.. ماذا إذا دمّرتها الصين؟

وإذا كان بايدن سيسعى لتقليص نفوذ ايران في العراق، يمكن القول أن ترامب نجح نوعاً، ولا سيما بعد اغتيال سليماني، في قلب موازين القوى في العراق، وفي تقليص استفادة ايران من السوق العراقية، ودعم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تأمين بدائل عربية. فبعد ما قيل عن مشروع الشام الجديدة، اتجهت الحكومة العراقية خلال الأسابيع الماضية إلى ابرام عدد من التفاهمات ذات الصلة بمجالات اقتصادية وتجارية واستثمارية مع السعودية ومصر والأردن، في وقت تستعدّ للتوجه صوب الكويت وتركيا، للتقيع على مذكرات تفاهم مماثلة، وذلك بعد عدة زيارات قام بها الكاظمي أيضا خلال الشهر المنصرم إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

أما ما كان الكاظمي قد بدأه في اطار اتفاقية التعاون الاستراتيجي مع أميركا، فلا بد أنه سيصار إلى استكماله. ويرى البعض من المحللين العراقيين أن من أولويات الكاظمي في المرحلة المقبلة ايجاد حلول ناجعة لكل الملفات المهمة ذات الاولوية مع الولايات المتحدة الاميركية، والتي جسد قسم منها في اطار مذكرات تفاهم لم تترجم بعد على أرض الواقع.

وأيا كانت السياسة الأميركية الراهنة او المتوقعة حيال العراق، فإن ما يبقى ثابتاً هو أن العراق ينتطر تغييرات تمس جوهر البنية السياسية العراقية، في ظل الأزمات الخانقة التي يعاني منها على صعد متعددة، والتي تنبئ بانهيار شامل للدولة اذا ما بقي الوضع على ما هو عليه، ولن يتأثر وحده العراق بالتغييرات المقبلة، فموقعه ودوره سيجعلانه مؤثرا على المنطقة ككل، ولا سيما سوريا ولبنان.

Print Friendly, PDF & Email
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  هل يستفيد لبنان من العودة السعودية إلى المشرق العربي؟