مشروع قانون الحل المبكر للكنيست المؤلف من 120 مقعداً نال يوم أمس الغالبية المطلوبة، إذ صوّت لصالحه 61 نائباً في مقابل 54، وغياب خمسة نواب.
تم اعتماد الوثيقة في قراءة أولية، وهي لا تزال في حاجة إلى إجراء مناقشات إضافية، وطرحها للتصويت ثلاث مرات، قبل أن تعتمد بشكل نهائي.
في الأصل، تعود فكرة مشروع القانون إلى المعارضة الإسرائيلية، ولكن عشية المناقشة البرلمانية، قرر رئيس الوزراء بالتناوب بيني غانتس، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، ويقود كتلة “كاحول – لافان” (“أزرق-أبيض”)، تأييد حل الكنيست، وبالتالي اسقاط الحكومة الحالية، ما يعني أن الانتخابات المبكرة قد تكون مسألة وقت ليس أكثر.
لكن تمرير مشروع القانون ليس وحده السيناريو الذي من شأنه أن يقود إسرائيل إلى الانتخابات المبكرة. في مطلق الأحوال، إذا لم تتم الموافقة على الموازنة العامة بحلول 23 كانون الأول/ديسمبر، فسيتم حل الكنيست تلقائياً، وبالتالي سيذهب الإسرائيليون مجدداً إلى صناديق التصويت في آذار/مارس العام 2021.
الجدير بالذكر أنه عند تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي، اتفقت أطرافه على اعتماد ميزانيتين في وقت واحد، للعامين 2020 و2021. كان من المفترض أن يتم التصويت على الميزانيتين في آب/أغسطس الماضي، ولكن بحلول هذا الوقت، لم يكن ممكناً تحقيق التوافق. ونتيجة للتعديلات المعتمدة، تم تأجيل الموعد النهائي لغاية 23 كانون الأول/ديسمبر.
على هذا الأساس، يلخّص يوفال كارني في مقال نشرته صحيفة “يديعوت احرونوت” المشهد الحالي على النحو التالي: “من جهة غانتس، توجد امكانيتان فقط: إما تمرير ميزانية 2021 في اقرب وقت ممكن، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة. أما نتنياهو فليس مستعداً لأن يقر ميزانية العام 2021، لأن ذلك يغلق أمامه امكانية التملص من التناوب (على رئاسة الحكومة).. وبالتالي فان دولة اسرائيل ستسير نحو الانتخابات”.
لا يزال بيني غانتس يصر على التصويت على ميزانيتين في وقت واحد، تجنّباً لحل الكنيست، بحيث يتمكن من تولي منصب رئيس الوزراء، وفق الاتفاق الذي أبرمه مع بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة الحالية.
ووفق ما أعلنه زعيم “ازرق-أبيض”، فإنه في حال وافق نتنياهو على المصادقة على الميزانية، فإن كتلته ستتراجع عن تأييد حل الكنيست والتوجه لانتخابات جديدة، موضحاً أن “أي شيء يمنع انتخابات (مبكرة) مرحب به. والحل الأفضل هو تمرير هذه الميزانية وأن تستمر هذه الحكومة بالعمل. وعلى الليكود أن يقرر أنه سيمرر الميزانية، وعلى نتنياهو أن يضع الميزانية على رأس أولوياته، وعندها سينتظم كل شيء”.
وبرغم إصراره على مطلبه هذا، لا يستبعد غانتس التوصل إلى حل وسط، وقد تم بالفعل تحديد موعد للمفاوضات بين “ازرق ابيض” و”الليكود” بشأن الميزانية.
بصرف النظر عن احتمال حدوث التوافق أم لا، من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية الحالية باتت تشكل ثقلاً على الجميع. فقد تم تشكيل هذه الحكومة، التي وصفت بأنها ائتلاف طوارئ، أملاً في مواجهة التحديات المرتبطة بالصحة العامة والأزمة الاقتصادية التي تسببت بها جائحة كورونا. ولكن بدلاً من ذلك، اتسم عملها بالشلل إلى حد كبير، في ظل الصراعات المحتدمة بين مكوّناتها، لا سيما حول الموازنة العامة والتعيينات في المناصب الرئيسية الشاغرة في القطاع العام.
كذلك، فقد برزت نزعة واضحة لدى بنيامين نتنياهو للتفرد في العمل الحكومي، إذ لم يضع في الحسبان كلاً من بيني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكينازي، وهو أيضاً عضو في “ازرق – ابيض”، عند اتخاذ قرارات تاريخية بشأن السياسة الخارجية والأمن، وفي المقام الأول القرارات المتعلقة بالتطبيع مع الدول العربية وآخرها زيارته إلى السعودية الشهر الماضي.
في المقابل، عمد “أرزق-أبيض” إلى تعطيل عدد من التشريعات التي اقترحها نتنياهو، لا بل عمل خلف الكواليس لاقناع الأميركيين بمعارضة خطة ضم الضفة الغربية، وفق ما تردد في وسائل إعلام إسرائيلة واميركية مؤخراً. لهذا السبب، أشار يائير لابيد، زعيم المعارضة، في خطاب قدم فيه مشروع قانون حل الكنيست، إلى أن “الأشهر الماضية كانت صعبة”، موضحاً “لم تكن صعبة بسبب الأزمة الصحية أو الكارثة الاقتصادية فحسب، بل كانت صعبة بسبب الفشل العميق لهذه الحكومة”.
لا بد من التذكير بأن الحكومة الحالية تشكلت قبل ستة أشهر، بعد انتهاء ثلاث انتخابات غير حاسمة من دون أن يتمكن أي مرشح واحد من حشد أغلبية برلمانية.
وفي النهاية، أقنع بنيامين نتنياهو منافسه الرئيسي بيني غانتس، قائد الجيش السابق، بالانضمام إليه في حكومة وحدة وطنية، في إطار صفقة مدّتها ثلاث سنوات، يتناوب خلالها الرجلان على المنصب، بمعدل سنة ونص السنة لكل منهما، بجانب التناوب بين “الليكود” و”أزرق-أبيض” على الحقائب الوزارية.
غير أن تجربة الأشهر الستة الماضية عززت الشكوك في أن يكون نتنياهو غير راغب في التنازل عن منصب رئيس الوزراء لشريكه المنافس، وقد أعلن نواب “الليكود” صراحة أن غانتس لم يعد يحظى بدعم شعبي كاف ليخدم كرئيس للوزراء.
والواقع أن غانتس، الذي حنث بوعده الانتخابي من خلال الانضمام إلى حكومة يرأسها نتنياهو، فقد الكثير من شعبيته، وهو أمرٌ يمكن ان يستثمره نتنياهو انتخابياً، برغم كونه يواجه ثلاث قضايا فساد، واحتجاجات الأسبوعية تطالب باستقالته، على خلفية الفشل في المجالين الصحي والاقتصادي.
وعليه، ربما تكون الطريقة الأضمن لدى بنيامين نتنياهو لمنع بيني غانتس من تولي منصب رئيس الوزراء هي حل الكنيست بسبب ميزانية الدولة المرفوضة، وبالتالي إجراء انتخابات مبكرة جديدة، ما يجعل رئيس الوزراء الاسرائيلي نفسه مستفيداً من هذا مشروع القانون الذي التقى عنده “أزرق – أبيض” والمعارضة الاسرائيلية.
في حديثه إلى الصحافيين على هامش التصويت، اعتبر بيني غانتس إن نتنياهو هو الذي قرر تدمير الحكومة و”خدع مواطني إسرائيل”، مضيفاً “ملايين المواطنين في حزن، وحياتهم دمرت، والعائلات تكافح من أجل البقاء، ودولة إسرائيل ليست لديها ميزانية”.
تجربة الأشهر الستة الماضية عززت الشكوك في أن يكون نتنياهو غير راغب في التنازل عن منصب رئيس الوزراء لشريكه المنافس، وقد أعلن نواب “الليكود” صراحة أن غانتس لم يعد يحظى بدعم شعبي كاف ليخدم كرئيس للوزراء.
السؤال الذي يفرض نفسه في حال ذهبت الأمور نحو حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، طالما الكل بات يجد مصلحة ذاتية في ذلك، هو: ماذا بعد؟
في مقال نشرته صحيفة “يديعوت احرونوت” يشير درور يميني إلى أنه “توجد امكانيتان معقولتان، بحسب استطلاعات الرأي في هذه الايام. الاولى – سيكون هناك تعادل مجدداً، ومرة اخرى ستكون هناك حاجة إلى حكومة موسعة، ولكنها لن تكون حكومة وحدة؛ الثانية – هي ان تعكس الاستطلاعات الوضع بشكل صحيح، بحيث تقيم كتلة اليمين برئاسة نتنياهو ائتلافاً مستقرا. هذه بالفعل ستكون حكومة تغيير. اليمين سينجح على ما يبدو في سن سلسلة من القوانين غير الديموقراطية، وستمنح في اغلب الظن الحصانة لرئيس الوزراء. والازمة الدستورية والسلطوية ستزداد والصرخات عن (نهاية الديموقراطية) ستنتقل الى مستوى أعلى بكثير. هذه المرة عن حق اكثر بقليل”.
أما أنشل بابر فكتب في “هآرتس” أنه “في افضل الحالات، ستبقي نتائج الانتخابات مرة اخرى التعادل في النظام السياسي. وفي اسوأ الحالات، سينجح بنيامين نتنياهو في الحصول على غالبية من اجل قوانين الحصانة التي ستهربه من المحاكمة”. ويرى بابر أنه “حتى اذا تم التوصل الى حل وسط مؤقت لمسألة الميزانية، فستبقى الحكومة على حالها: زومبية غير قادرة على أداء مهامها الاساسية”.
ومع ذلك، يرى بابر أن “ثمة مخرجاً واحداً، قانونياً وديمقراطياً، للخروج من الورطة الانتخابية التي ترتبت على تمسك نتنياهو بالكرسي، ومن الانقسام الذي يخلفه في المجتمع الاسرائيلي: بني غانتس فشل في محاولته لاستبدال نتنياهو. ويبدو أنه لن يستطيع مرة اخرى أن يكون مرشح لرئاسة الحكومة. ولكن حتى الآن يمكنه أن يقدم خدمة كبيرة لدولة اسرائيل اذا قاد عملية لتشكيل حكومة من وزراء يتم استدعاؤهم لخدمة الاحتياط في زمن الطوارئ، ويعودون الى بيوتهم بعد انتهائه. هذه عملية دستورية وديموقراطية تماماً، وترتكز الى تفويض واضح من الجمهور”، ليخلص إلى أن “الذهاب إلى انتخابات اخرى واستمرار الشلل السياسي ليسا قدراً محتماً”.