بسبب الوباء، عقد المنتدى المتوسطي، الذي تستضيفه روما منذ عام 2015، على الإنترنت للمرة الأولى. في هذا الوضع، حُرم المتحدثون رفيعو المستوى من فرصة مناقشة القضايا الملحة على هامش المنتدى، وفي بعض الأحيان لم يستمعوا ببساطة إلى المنظمين بسبب مشاكل الاتصال. في ظل هذه الظروف، حاول كثيرون في خطاباتهم إظهار أفضل جانب لهم بشكل تصريحي قدر الإمكان، معلنين أنهم يؤيدون الحوار، على عكس الآخرين.
على سبيل المثال، أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى التداعيات السلبية لنشاط الولايات المتحدة وشركائها الغربيين، فيما قدّم مشاركون آخرون رفيعو المستوى وصفاتهم الخاصة لحل الأزمات، بما يشمل مراعاة التغيير الوشيك في السلطة في الولايات المتحدة.
كانت القضية الأكثر إلحاحاً عند وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو هي توزيع الموارد في شرق البحر الأبيض المتوسط. قال جاويش أوغلو في مداخلته إنه “عندما تم اكتشاف احتياطيات النفط والغاز في شرق المتوسط، اعتقد الكثيرون أنها كانت فرصة للتعاون والازدهار للجميع. لكن بعض الدول فعلت العكس”، متهماً اليونان بتصعيد المواجهة في المنطقة. وبينما دعت قبرص واليونان مرة أخرى الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات أكثر صرامة على تركيا، أكد جاويش أوغلو أن أنقرة منفتحة على الحوار، مشيراً إلى أن “هناك مخرجاً”، واستذكر إقتراح أنقرة بعقد مؤتمر في شرق البحر المتوسط لمعالجة القضايا الخلافية. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى الكف عن تجاهل حقوق تركيا والقبارصة الأتراك، فضلاً عن تهديد أنقرة بفرض عقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب الوزير التركي عن أمله في إجراء حوار مع الإدارة الأميركية الجديدة، لا سيما بشأن شراء أزمة شراء بلاده منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية من طراز “أس-400”.
وقال الوزير التركي إنه “في وقت تنتقد تركيا بسبب منظومة (أس-400) لا أحد يذكر الولايات المتحدة وحلفاء آخرين. لماذا لم يبيعوا أنظمة دفاع جوي (لتركيا) لمدة عشر سنوات؟ ولماذا سحبوا أنظمة (باتريوت) عندما كانت تركيا بحاجة إليها بشكل خاص”.
يذكر أنه بعد بدء تسليم أنظمة الدفاع الجوي الروسية إلى تركيا، استبعدت واشنطن أنقرة من برنامج إنتاج طائرات “أف-35″، وهُددت بفرض عقوبات عليها.
لا أمل لتركيا في حل هذه المشكلة في عهد الرئيس جو بايدن، لأن الأخير وصف خلال حملته الانتخابية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه مستبد، ووعد بدعم المعارضة التركية “لهزيمة أردوغان ليس من خلال الانقلاب، ولكن من خلال العملية الانتخابية”.
طُرِح السؤال حول كيفية تغيّر موازين القوى في المنطقة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة على جميع المشاركين في “حوارات البحر المتوسط”. قال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بصفته مضيف النقاش: “يرغب الكثيرون في أوروبا والعالم في معرفة السياسة الدولية للإدارة الجديدة”، مضيفاً “لا أعتقد أن العودة إلى الماضي ممكنة، وعلى الأرجح قد فات الوقت عندما كان من الممكن التكهن بالتدخل اللامحدود للولايات المتحدة وتفويض الصلاحيات للدول لحل جميع قضايا الأزمات المتعلقة بمنطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط”.
كان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكثر قلقاً مقارنة بغيره من المشاركين إزاء نوايا جو بايدن في ما يتصل بإعادة الولايات المتحدة إلى “الاتفاق النووي” – خطة العمل الشاملة المشتركة.
كما بات معلوماً، فقد انسحب دونالد ترامب في العام 2018 من الاتفاقية التي وقعها خمسة من أعضاء مجلس الأمن الدولي وألمانيا مع إيران في العام 2015. رداً على ذلك، خفضت طهران من تنفيذ بعض التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
تطرق ظريف الى هذه المسألة، معتبراً أن الاتفاقيات الدولية لا ينبغي أن تخضع للأهواء: “لا يمكنك الدخول فيها، والاستفادة منها، ثم تقرر المغادرة فجأة”، مشيراً الى أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية تسبب في إلحاق ضرر بالشعب الإيراني يقدر بنحو 250 مليار دولار”. وأضاف “أولاً، يجب على الولايات المتحدة تعويض الضرر ورفع العقوبات عن إيران، ويجب على الاتحاد الأوروبي استئناف التعاون مع طهران بالكامل، وبعد ذلك سيعود الإيرانيون إلى التزاماتهم”.
كما رفض الوزير الإيراني أي احتمال لمراجعة خطة العمل الشاملة المشتركة، معتبراً أن القوى الغربية يجب أن تعيد النظر في سلوكها قبل انتقاد إيران.
ذكّر ظريف بأن بالغرب باع خلال العام الماضي أسلحة إلى دول الخليج أكثر مما باعه إلى أي جزء آخر من العالم، مقدراً قيمة الصفقات بأكثر من مئة مليار دولار، ومتسائلاً: “هل الغرب مستعد لوقف هذا السلوك الخبيث؟”.
لم ينس ظريف الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية من أبرز مشتري الأسلحة في المنطقة.
واختتم وزير الخارجية الإيراني خطابه قائلاً: “إما أن نعيش جميعاً معاً، أو نموت جميعًا معاً”.
كما تحدث جاراه في الخليج العربي وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان ووزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن التعاون والشراكة، وبخطاب بدا متوافقاً مع مقترحات روسية لضمان الامن الاقليمي، بما يشمل إجراء حوار بين إيران والدول الخليجية.
عانت قطر بشدة منذ أن قاطعتها السعودية والبحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة قبل ثلاث سنوات. تبذل الولايات المتحدة والكويت الآن جهوداً لتصحيح الوضع، وكما أشار محمد بن عبد الرحمن، هناك سبب للتفاؤل.
وفي الآونة الأخيرة، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد اجتماع عبر الإنترنت لرؤساء الدول – الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك ألمانيا وإيران – لتعزيز تشكيل نظام الأمن الجماعي في خليج فارس”.
في خطابه أمام المنتدى المتوسطي، أورد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جميع النقاط الرئيسية المتصلة بالأمن الاقليمي، بالإضافة إلى مخاوف روسيا ومبادراتها. وقال “لا يزال جنوب المتوسط يعاني من مشاكل عديدة: التهديد الإرهابي، وتفشي الجريمة المنظمة، والوضع الإنساني الصعب، وانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان للأقليات القومية، مما أدى إلى نزوح جماعي للاجئين والمهاجرين”، محذراً من أن “محنة المسيحيين المضطهدين والمضطهدين في الشرق الأوسط مقلقة للغاية”.
بتفصيل أكثر، تطرق الوزير لافروف إلى الأزمات في سوريا وليبيا والصراع العربي الإسرائيلي والوضع في شرق البحر الأبيض المتوسط. في الوقت نفسه، لم يفوت الفرصة للتذكير بأن الولايات المتحدة والدول الغربية متورطة في هذه المشاكل، متهماً اياها باستخدام معايير مزدوجة وسياسة “الخناق الاقتصادي” لسوريا وتشجيع النزعات الانفصالية.
هو سلوك، بحسب لافروف، مناقض لسلوك روسيا التي ما زالت “مستعدة لمواصلة تقديم المساعدة الكاملة” حتى “لا يكون البحر الأبيض المتوسط مكاناً للمواجهة، بل جسراً يربط بين الشمال والجنوب، وحتى تتمتع شعوب هذه المنطقة بفوائد السلام والازدهار”.