ثنائي بايدن ـ فرنسيس والحوار مع إيران.. متى وكيف؟
Pope Francis, accompanied by US President Joe Biden, waves to the crowd after addressing the US Congress in Washington, DC, on September 24, 2015. Pope Francis praised the "courage and daring" required for adversaries to resume dialogue in a speech to the US Congress Thursday, in a nod to recent overtures between Washington and its longtime foes, Cuba and Iran. AFP PHOTO/ ANDREW CABALLERO-REYNOLDS (Photo credit should read Andrew Caballero-Reynolds/AFP via Getty Images)

انفتاح الادارة الاميركية الجديدة برئاسة جو بايدن على اوروبا عموماً والفاتيكان خصوصاً، امر في غاية الاهمية. معه يصبح من الممكن فتح مسارات الحوار والتفاوض بعيدا عن لغة الحروب والسلاح الفتّاك المتمثل بالعقوبات والحصار. هذا هو الإنطباع الحالي في عاصمة الكثلكة في العالم.

تبدو حماسة الفاتيكان للتغيير الذي حصل في الولايات المتحدة غير معلنة، لكن اهمية انفتاح الإدارة الاميركية الجديدة على الفاتيكان والعالم، يمكن إدراجها في سياقات عديدة أبرزها الآتي:

– صحيح ان البابا فرنسيس من اميركا اللاتينية ولكن ينظر اليه على انه اول حبر اعظم من القارة الاميركية.

– جو بايدن هو ثاني رئيس اميركي كاثوليكي بعد جون كيندي، وهو، منذ كان نائبا للرئيس باراك اوباما، كان على علاقة قوية مع الفاتيكان وتحديدا مع البابا بنديكتوس السادس عشر، وأيضاً مع البابا فرنسيس قبل انتخابه في السدة البطرسية، فالأخير لعب الدور الابرز في التحضير لزيارة بنديكتوس الى الولايات المتحدة، حيث رافقه بايدن حينذاك في معظم محطاته. كما ساهم البابا فرنسيس في وضع الخطوط العريضة للخطابين اللذين القاهما البابا بنديكتوس في الامم المتحدة وفي الكونغرس، حيث كان أول حبر أعظم يتحدث أمام هذه المؤسسة الأميركية العريقة.

– فور اعلان فوز بايدن، كان البابا فرنسيس اول من اتصل به مهنئا، ولم ينتظر لا النتائج الرسمية ولا حفل التنصيب، كما فعل زعماء دول انتظروا إما النتائج أو التنصيب، لتقديم التهنئة.

– لم يكتف البابا فرنسيس بذلك، انما اتبع الاتصال برسالة خطية بعد تنصيب بايدن وهذه سابقة تبعاً لأعراف وبروتوكولات البابوية، حيث يوجه الحبر الأعظم التهنئة مرة واحدة، وفي هذه الرسالة، تمنى البابا على بايدن إعادة ترتيب العلاقات الدولية التي اضطربت كثيرا ابان ولاية سلفه دونالد ترامب.

ثمة تقديرات أن الفاتيكان سيكون مبادراً ومشاركاً في مسألة الإنفتاح الغربي، ولا سيما الأميركي، على ايران، سواء تمت زيارة فرنسيس الى العراق أو أُرجئت بسبب الوضع الامني حصراً، و”هذا الوضع الامني لا يربط بالخطر على حياة البابا، انما على حياة المواطنين العراقيين الذي سيشاركون في القداديس التي سيقيمها، ولكن إلى حينه، فإن الزيارة قائمة والترتيبات مستمرة لاتمامها في موعدها”، تقول شخصيات مطلعة على موقف الفاتيكان.

المبادرة الفاتيكانية للحوار، بدأ البابا فرنسيس بالتحضير لها من خلال امرين:

أولاً: “وثيقة الاخوة الانسانية” التي وقّعها مع شيخ الازهر احمد الطيب والتي اعلنت الانفتاح والتقارب الكبيرين بين الفاتيكان والعالم الاسلامي بشكل عام، “بحيث اعيد استنهاض مرجعية الازهر بعد طغيان الفكر الظلامي، ولا مشكلة لدى المرجعيات الشيعية لان الفاتيكان بدأ يدرك تفسير الفقه الشيعي للاسلام لوجود اوجه تقارب عديدة، ومن هنا برزت حماسة فاتيكانية لتوقيع الوثيقة ذاتها مع المرجعية الشيعية في النجف الاشرف (السيد علي السيستاني) ولاحقا مع مرجعية قم على ان تحدد ايران من الذي سيوقّع من قبلها، وسيكون ذلك تتويجاً للدور الفاتيكاني في عودة ايران الى الحوار مع الغرب وعودة الغرب للحوار مع ايران”، على حد تعبير الشخصيات إياها.

ثانياً: الرسالة العامة وهي تحتوي على قمة تعاليم رأس الكنيسة الكاثوليكية، وكل حبر اعظم هو من يحدد موضوع الرسالة العامة وتوقيتها. على سبيل المثال، في حبرية البابا يوحنا بولس الثاني، كانت هناك خمس عشرة رسالة عامة مهمة جدا، وهذه الرسائل توجه الى الكنيسة الجامعة، وما حضّر له البابا فرنسيس في اثناء جائحة كورونا لرسالة عامة تاريخية حملت عنوان “كلنا اخوة”، ووقعها قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، وكانت الخطوة الثانية بعد “وثيقة الاخوة الانسانية” التي من خلالها سينطلق البابا في فتح الابواب لاعادة العلاقات الطبيعية مع ايران.

امام هذه المعطيات، يبقى ان تتجاوب ايران، خصوصا وان البابا في الرسالة العامة قال صراحة ان سياسة العقوبات وقهر الشعوب ليست بمجدية ولا تعطي أية نتائج لانها تشكل قصاصاً للشعوب وليس للأنظمة أو الإدارات السياسية.

من المتوقع أن يعهد البابا فرنسيس بهذه المهمة التفاوضية إلى أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، وهو من الدبلوماسيين المحنكين والمخضرمين في الكرسي الرسولي، ولديه خبرة في التفاوض ونزع فتائل الحروب

ماذا عن موقف الولايات المتحدة؟

“لدى الولايات المتحدة توجه مماثل بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، فالرئيس الأميركي كان متابعاً لكل خطوات باراك أوباما الانفتاحية مع ايران ولا سيما توقيع الاتفاق النووي، وهو كان قريباً من فريق إدارة ملف الشرق الاوسط ومنخرطاً فيه، إستنادا إلى ما تضمنه خطاب اوباما في جامعة القاهرة في الرابع من حزيران/ يونيو 2009 لجهة الحفاظ على الاقليات في الشرق واعطاء التنوع الحيز الاكبر، ولكن الخطأ الذي وقع فيه اوباما اعتقاده انه اذا تم قلب الانظمة الطغيانية في الشرق وتسلّم الاخوان المسلمون الحكم ـ كونهم كانوا مضطهدين ـ سينشئون نوعا من الديموقراطية، الا ان الاخوان بعد تسلمهم الحكم في اكثر من دولة، إنتهجوا سياسات إقصائية، على حساب مجتمعاتهم وشعوبهم”، والكلام للشخصيات القريبة من عاصمة الكثلكة.

إقرأ على موقع 180  زيارة شكري اللبنانية معاكسة للتوجهات المصرية!

مع بايدن، “قطعت الولايات المتحدة تلقائياً نصف الطريق، والفاتيكان سيلعب دور الوسيط، ويبقى التجاوب الايراني وهذا الامر بيد القيادة الايرانية، ولا يمنع ذلك رفع السقوف قبل التفاوض من قبل الطرفين الايراني والغربي، وهذا أمر مألوف، ومن المتوقع أن يعهد البابا فرنسيس بهذه المهمة التفاوضية إلى أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، وهو من الدبلوماسيين المحنكين والمخضرمين في الكرسي الرسولي، ولديه خبرة في التفاوض ونزع فتائل الحروب”، كما يشير المقربون من الفاتيكان.

التحضيرات للجلوس الى طاولة التفاوض مجددا كم تحتاج إلى وقت؟

“ليس معروفاً بعد، والأرجح ان ذلك يتحدد تبعاً لأولويات الأميركيين في ظل التحديات الداخلية المتمثلة بجائحة كورونا والوضع الاقتصادي المنهار وهما اولوية الاولويات بالنسبة للادارة الاميركية الجديدة، ويأتي بعدهما ترميم العلاقات الأطلسية”.

عندما انفتح البابا فرنسيس على الرئيس اوباما واقنعه برفع الحصار عن كوبا، فان اوباما نفسه اعترف بأنه واجه صعوبة كبرى في اقناع اعضاء ادارته بهذا الخيار، ولكن البابا فرنسيس بقي على اصراره واستمرت المفاوضات تمضي بصمت وهدوء الى ان ادت الى النتيجة المرجوة وازيل الحصار عن كوبا الذي كان مستمرا منذ عهد الرئيس جون كنيدي، “وهذا يؤشر الى ان المفاوضات الجديدة مع ايران ستأخذ وقتا ولن تكون بذات المساحة الزمنية الطويلة كما حصل بشأن كوبا، وستكون للدبلوماسية الفاتيكانية الصامتة دور بارز في هذا الاطار، لان الازمة الكوبية اخطر بكثير (كانت مرتبطة بصراع المعسكرين الشرقي والغربي وزمن الحرب الباردة)، بينما سبق التوصل الى إتفاق مع ايران وكان قد بدأ يعطي مفاعيله، إلى أن جاء دونالد ترامب وأطاح بالاتفاق النووي لا بل بالعديد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية”.

Print Friendly, PDF & Email
داود رمال

صحافي لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  أزمة الطاقة العالمية.. لا بد من دور أكبر للحكومات (2)