ما بين الكباشين السياسيين الداخلي والخارجي يظهر وباءان اثنان يزيدان المشهد العراقي توتراً: الأول سياسي محض، على شكل رشاوى مالية قبضها نواب لإفشال تمرير الحكومة حسبما غرّد علاوي نفسه والثاني صحي صرف حيث ظهر كورونا كزائر ثقيل يزور العراق مؤخرا، ويضبط إيقاع التظاهرات والسياحة الدينية فيه.
يبدو أن أمر حكومة علاوي لا يسير على ما يرام. الأخبار تتضارب من هنا وهناك. بعضها يشي بأن الجلسة الاستثنائية التي كان من المقرر أن تعقد اليوم للتصويت عليها، ثم تأجلت إلى الخميس، قد يتم تأجيلها مرة أخرى بفعل ازدياد حدة التباينات بين الكتل النيابية حولها، وبعضها يرجح أن أغلبية النصف زائدا واحد تميل لكفة المعارضة التي يبرز المكونان السني والكردي كأبرز أقطابها، وسط أنباء عن أن أكثر من 30 نائبا سيمتنعون عن حضور الجلسة، وتسريبات تقول بأن نصاب الجلسة لن يكتمل يوم غدٍ، وسط تقديرات بسحب التكليف من علاوي لمصلحة اما تعويم عادل عبد المهدي في انتظار التوافق على شخصية بديلة او تسلم رئيس الجمهورية سدة الحكم اذا قرر عبد المهدي الذهاب إلى منزله الاثنين المقبل.
قد تفسر هذه الأنباء التضارب والانقسام الذي عبرت عنه المواقف المختلفة حيال حكومة علاوي، كما وتفسر تخوف علاوي من فشل تمرير حكومته، الامر الذي دفعه إلى تغريدة مفاجئة عبر تويتر، قال فيها أن هناك مخططا لإفشال تمرير كابينته، وأن بحوزته معلومات عن أن النواب قبضوا رشاوى مالية لأجل هذه الغاية. الأمر الذي استدعى موجة من الردود الغاضبة والتي طالبت علاوي بالاعتذار عن شموله كل النواب واتهامه لهم، كما استدعت دعوة الدائرة القانونية التابعة للامانة العامة لمجلس النواب إلى اتخاذ الاجراءات القانونية والتحري عما كتبه علاوي.
وعلى خلفية تغريدة علاوب، تقدم رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب صباح الباوي بكتاب إلى رئاسة الادعاء العام، طالب فيه بـ”اتخاذ الاجراءات القانونية الفورية، وفتح تحقيق مع علاوي حول ما ادعاه لإثبات مدى صحته من عدمه، واتخاذ الإجراءات القانونية في الحالتين، وفقا لأحكام قانون العقوبات العراقي”.
وبرغم الحديث عن احتمال تأجيل جلسة التصويت غدا او انعقاد الجلسة من دون التصويت، غرد رئيس الوزراء المكلف اليوم بأن، نهار غد سيتم التصويت على اول كابينة من وزراء مستقلين ونزيهين. وكأن ما ألمح إليه عن مخطط الرشاوى لم يكن سوى محاولة للضغط على القوى التي كانت وراء ترشيحه لتنبيهها بأنها قد تخسره، ما دفعها للتحرك من أجل التحشيد لجلسة الغد، برغم الانطباع السائد بأن هذه التغريده قد تكون احد عناصر اضعاف علاوي.
أدرك علاوي في الأيام الماضية أن حجم المعارضة يتسع يوما بعد آخر. أحد النواب عن تحالف القوى تحدث عن رفض نحو 216 نائباً لتمرير حكومة علاوي من مختلف الكتل من ضمنهم 62 نائباً سنياً و63 نائباً كردياً، و56 نائباً شيعياً، وتسعة نواب مسيحيين وثمانية نواب تركمانيين. كما أن النائب السابق كامل الدليمي المقرب من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي صرح أن علاوي يشعر بالإحباط والخوف من عدم تمرير كابينته الحكومية في مجلس النواب بسبب خلافاته مع رؤساء الكتل والأحزاب، واصفا الخلافات بـ”المعقدة والكبيرة”.
بدوره، يقلل ائتلاف دولة القانون من امكانية تمرير حكومة محمد توفيق علاوي في جلسة الخميس، معللا سبب ذلك إلى خلافاته مع الكتل والأحزاب السياسية على آلية اختيار كابينته الحكومية التي ينوي تقديمها الى البرلمان.
أما تحالف القوى العراقية المعارض بزعامة رئيس البرلمان الحلبوسي فاكد عدم حضوره جلسة التصويت لمنح الثقة لحكومة علاوي، وقال في بيان إنه يرفض المنهج الذي يتعامل به علاوي “فهو منهج أزموي لا يتناسب والهدف المزمع من تشكيلها في حل الأزمات بين الحكومة والشعب من جهة أو بين الحكومة والقوى السياسية من جهة أخرى”. فيما يصر المكون الكردي على أن علاوي لم يتعاط بمرونة مع المكون الكردي ولن يحظى بدعمه على هذا الأساس. علما أن الكرد طالبوا رئيس الوزراء المكلف بأن يكون التعامل مع إقليم كردستان يختلف عن التعامل مع اية جهة أخرى لخصوصية وضع الإقليم.
وأشار القيادي في جبهة الانقاذ والتنمية مشعان الجبوري إلى أن علاوي قدّم بالفعل تشكيلة حكومته الجديدة، قائلاً ” انهينا بمعية الرئيس اسامة النجيفي والسادة محمود المشهداني وصالح المطلك وقاسم الفهداوي وسلمان الجميلي وعبد الكريم السامرائي وخالد المفرجي وحامد المطلك وعبد الكريم عبطان ونصير العاني واحمد المساري اجتماعاً مع الرئيس المكلف محمد علاوي وعرض علينا كابينته الوزارية”، وواصفاً إياها بأنها “تشكيلة جيدة” (لاحقاً تم نشر أسماء الكابينة الوزارية).
وكان علاوي قد أعلن برنامجه الحكومي المكون من 18 فقرة اساسية، ضمن محورين رئيسين: انتخابات مبكرة، واصلاح الحكومة. وجاء البرنامج، في 9 صفحات فقط، وهو بعكس برنامج رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، الذي كان في 121 صفحة.
واعتمد علاوي، بحسب ما جاء في برنامجه، على مجموعة من المستشارين والخبراء والاكاديميين، في اعداد منهاج وزارته المرتقبة، والتي طالب فيها مفوضية الانتخابات، ان تقدم موعدا للانتخابات المبكرة لا يتجاوز العام الواحد من بداية تطبيق البرنامج.
وقال علاوي في المحور الاول المخصص للانتخابات المبكرة، ان يسعى بشكل جاد الى اجراء “تغييرات جوهرية” لتحقيق هدف الانتخابات، في 5 خطوات، وهي: تشكيل لجنة خبراء، بناء ودعم المؤسسات الدستورية والقانونية، إعادة هيبة الدولة، حماية حقوق الانسان، والانفتاح والتوازن بالعلاقات الخارجية.وتعهد رئيس الوزراء المكلف، بتقديم الدعم الكامل لاجراء الانتخابات المبكرة، بأقرب موعد “تحدده المفوضية” و”مجلس النواب”، مؤكدا على أن “تزودنا المفوضية بموعد محدد لا يتجاوز سنةً من يومنا هذا”. وقد اعتبر برنامجا منسجما مع تطلعات المرجعية التي ترفض كل محاولات زج اسمها لمصلحة هذا او ذاك من المرشحين.