بوتين – بايدن: “ستارت-3” اختبار أول

لم تكد تمضي ساعات قليلة على إعلان جو بايدن استعداده لبحث القضايا الاشكالية مع روسيا، وطلبه من فريقه تزويده بتحديث حول المواضيع ذات الصلة بالعلاقات الروسية-الاميركية أو بالملفات الدولية المشتركة، حتى بادر إلى الاتصال بنظيره فلاديمير بوتين، في ما بدا أول عملية جس نبض بين الرجلين.

“هنأ فلاديمير بوتين جوزيف بايدن على بداية عمله كرئيس للولايات المتحدة”.. هكذا استُهل البيان المنشور على موقع الكرملين، في معرض الحديث عن الاتصال بين الرئيسين الروسي والأميركي، وفق الصيغة التقليدية لمثل هذه البيانات. 

أما الخبر الرئيسي الذي تضمنه البيان الكرمليني، فكان الحديث عن اتفاق على تمديد المعاهدة الخاصة بتخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت-3).

في الأيام المقبلة، سيستكمل الطرفان جميع الإجراءات اللازمة لضمان مواصلة العمل في هذه الآلية القانونية الدولية الهامة للحد المتبادل من ترسانات الصواريخ النووية، وفق الكرملين.

بعد فترة وجيزة من المحادثة، قدم بوتين إلى مجلس الدوما مشروع قانون لتمديد “ستارت-3” لمدة خمس سنوات، وقد سارع المشرّعون إلى اقراره بشكل سريع في جلستهم المنعقدة اليوم (الأربعاء). 

علاوة على “ستارت-3″، ناقش الرئيسان، حسب بيان الكرملين، “قضايا الساعة في الأجندة الثنائية والدولية”، وعلى وجه الخصوص “إمكانيات التعاون في مكافحة المشاكل الحادة مثل جائحة فيروس كورونا، وكذلك في مجالات أخرى، بما في ذلك التجارة والاقتصاد”.

كما تمت الإشارة إلى بعض مفردات جدول الأعمال الدولي: انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الأجواء المفتوحة، خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بالملف النووي الايراني، التسوية الداخلية في أوكرانيا، والمبادرة الروسية لعقد قمة قمة خاصة للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي لمناقشة الأمن والاستقرار الدوليين.

“بشكل عام، كانت المحادثة بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة ذات طبيعة عملية وصريحة”، وفق تلخيص بيان الكرملين، حيث تم “تم الاتفاق على الاستمرار في الاتصالات”. 

وتعليقًا على المحادثة الهاتفية، لفت الجانب الأميركي الانتباه في الوقت ذاته إلى موضوعات بعيدة عن جائحة فيروس كورونا، كما حدد لهجته الخاصة حولها.

في الاحاطة اليومية، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جينفر بساكي، التي يعرفها الروس جيداً منذ عملت في بلادهم في عهد باراك أوباما: “أستطيع أن أقول إنه (بايدن) اتصل بالرئيس بوتين بعد ظهر اليوم لمناقشة رغبتنا في تمديد ستارت لمدة خمس سنوات، والتعبير عن دعمنا القوي لاستقلال أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي المستمر، وإثارة قضايا مهمة”.

لم تنس المتحدثة الرئاسية الأميركية بالطبع تحديد “القضايا المهمة” التي تتم مناقشتها بالضبط: قرصنة SolarWinds (هجوم كبير للقراصنة في نهاية عام 2020، ألقت فيه الاستخبارات الأميركية باللوم على روسيا بشأنها)، “التدخل في الانتخابات” الرئاسية الاميركية، تسميم زعيم المعارضة (الروسية) أليكسي نافالني، والإجراءات الصارمة ضد مؤيديه. 

واختتمت بساكي البند الروسي من إحاطتها بالقول: “لقد أوضح (بايدن) أن الولايات المتحدة ستتصرف بشكل حاسم للدفاع عن مصالحنا الوطنية ردًا على الأعمال الخبيثة لروسيا”.

على موقع البيت الأبيض، تم نشر البيان الخاص بالاتصال الهاتفي من دون ذكر خطة العمل الشاملة المشتركة أو معاهدة الأجواء المفتوحة، أو قمة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أو المجال الاقتصادي، أو جائحة فيروس كورونا”.

اذا ما امكن تقييم الجانب الإيجابي في الاتصال الهاتفي الأول بين بايدن وبوتين، لاقتصر الحديث على معاهدة “ستارت-3”.

بالنسبة للإدارة الأميركية الجديدة، يمكن لهذا الامر أن يمر بسلاسة، فخلال الحملة الانتخابية تحدث جو بايدن مراراً وتكراراً عن نيته تمديد المعاهدة، وذلك من أجل إظهار الاختلاف عن دونالد ترامب، الذي انسحب منهجياً من الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك تلك التي تم إبرامها لصالح الأمن الأميركي، كاتفاقية فيينا النووية مع إيران، والمعاهدات التسليحية المشتركة مع روسيا.

في الوقت ذاته، يبدو أن معظم الحلفاء الأوروبيين، بما في ذلك الأمين العام لحلف الناتو، يرون حاجة للحفاظ على “ستارت-3″، في الوقت الذي يسعى بايدن إلى استعادة الاتصالات التي انقطعت معهم على مدى السنوات الأربع الماضية”. 

علاوة على ما سبق، سيكلف سباق التسلح الجديد الكثير من الأموال، اخذاً في الحسبان الديون الوطنية الأميركية المتزايدة باستمرار، والتي وصلت إلى رقم فلكي – 28 تريليون دولار.

في المقابل، لا يبدو، وفق البيان الاميركي على الأقل، أن الانفتاح على تمديد معاهدة “ستارت-3″، وهو في الأساس مطلب روسي، سينسحب على باقي الملفات الشائكة في العلاقات الروسية – الاميركية، وهو أمر ليس مفاجئاً للمراقبين الروس، الذين استفاضوا قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في تحليل حيثيات المفاضلة بين دونالد ترامب جو وبايدن، لتخلص غالبيتهم إلى أن النقطة الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن تراهن عليها روسيا من الرئيس الديموقراطي هي تمسكه بالمعاهدات الدولية، في حين أن التصعيد سيكون عنوان المرحلة المقبلة على خط واشنطن – موسكو، مع ان ثمة من يأمل في أن تكون “ستارت-3” اختباراً اولاً  للعلاقات الثنائية، أو ربما عاملاً محفزاً على مزيد من التفاهمات حول قضايا أخرى، وبينها بطبيعة الحال قضايا عديدة في منطقة الشرق الأوسط.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  القصة الكاملة لتفكيك خلية "داعشية" في شمال لبنان
وسام متى

صحافي لبناني متخصص في الشؤون الدولية

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل "الإتفاق المرحلي".. يُنقذ المفاوضات النووية؟