سميح صعب14/03/2021
ليست جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأولى من نوعها إلى منطقة الخليج، لكنها إكتسبت، بتوقيتها ومضمونها، بعداً مختلفا عن الجولات السابقة. لماذا؟
في رحلته الخليجية المسهبة، سمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كلاماً مشجعاً عن سوريا من الإماراتيين والسعوديين، بينما أبدت الدوحة بدعم تركي، صدوداً لأي حديث عن عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. بالنسبة إلى قطر، الأسباب التي حدت بالجامعة إلى تعليق عضوية سوريا عام 2011 “لا تزال قائمة”.
طبعاً، لم تكن سوريا هي الموضوع الوحيد الذي تطرق إليه لافروف في جولته، التي أتت في وقت لا تبدو فيه العلاقات الأميركية – الخليجية على ما يرام، منذ غادر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب البيت الأبيض ليدخله جو بايدن حاملاً معه مبدأ “إعادة ضبط” علاقات الولايات المتحدة مع دول العالم على أساس الموازنة بين القيم والمصالح الأميركية. ليست دول الخليج وحدها من تأثرت بهذه المراجعة للسياسة الخارجية الأميركية. روسيا ومن بعدها الصين، طاولتهما إنعكاسات هذه المراجعة. كذلك أتت جولة لافروف في وقت لا يظهر أن العودة الأميركية إلى الإتفاق النووي مع إيران متيسرة، بينما حرب اليمن تتصاعد ولا تخبو على رغم الإصرار الأميركي على وقفها.
في هذا الوقت المستقطع، وريثما تنتهي عملية إعادة التقويم الأميركية بترجيح المصالح على القيم، كما جرت العادة، سعت موسكو إلى البحث عن قواسم مشتركة مع الخليجيين، من أجل أن يعيدوا هم أيضاً ضبط علاقاتهم بمحيطهم، وإذا كان ذلك متعذراً مع إيران، فمع سوريا على الأقل، بعد عشرة أعوام من الحرب العبثية، التي راح ضحيتها مئات آلاف القتلى والمفقودين، فضلاً عن خسائر اقتصادية بنحو 500 مليار دولار وفق تقديرات الأمم المتحدة، وباتت البلاد تحت احتلال تركي وإدارة كردية ذاتية بحماية عسكرية أميركية مباشرة، ونفوذين روسي وإيراني.
وربما وجد لافروف أنه بما أن دول الخليج العربية قادرة على الإنفتاح على إسرائيل، فما الذي يمنع معاودة الإنفتاح على دمشق، لا سيما أن أبو ظبي والمنامة كانتا بدأتا السير في هذا الاتجاه وعاودتا فتح سفارتيهما في العاصمة السورية عام 2018، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة وتلجم التطبيع الإماراتي ـ البحريني الكامل مع دمشق.
صحيح أن روسيا لا تملك قوة الولايات المتحدة، إقتصادياً وعسكرياً، لكنها تتمتع بميزة لا تتمتع بها واشنطن، وهي أنها وسيط محايد وتملك علاقات جيدة مع كل الدول في الشرق الأوسط من دون استثناء، وهذا عنصر قوة للديبلوماسية الروسية
بعبارة أخرى، تحاول روسيا اليوم، البناء على حالة الإستياء السائدة بين الخليجيين والولايات المتحدة، من أجل تنقية العلاقات الخليجية – السورية، وإعادتها إلى مسارها الطبيعي. ومما لا شك فيه أن مصر تنتظر إشارة خليجية في هذا الشأن كي تبادر هي بدورها إلى السعي عملياً لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية وتطبيع العلاقات مع سوريا.
ولماذا لا يتكرر سيناريو المصالحة بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة ثانية، مع سوريا. وإذا كانت واشنطن هي عرابة التسوية الخليجية – الخليجية، فلماذا لا تكون موسكو هي عرابة المصالحة الخليجية – السورية؟
وفي وقت بدأت تركيا ومصر، كاستطراد للمصالحة مع قطر، السير في طريق استعادة العلاقات، لماذا إستثناء سوريا من مناخات المصالحات السائدة في المنطقة؟
جزء من الإجابة حملته إجابة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان على هذا التساؤل عندما أشار إلى “قانون قيصر” الأميركي، في إشارة إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية غير كافية طالما تستمر العقوبات بعنوان “قيصر” أو ما سيأتي من عقوبات لاحقاً، بينما نظيره السعودي فيصل بن فرحان، وإن أبدى رغبة مبدئية في إعادة سوريا إلى “الحضن العربي”، فإنه رهن ذلك بتقدم الحل السياسي في سوريا. وحده وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كان حاسماً بقوله، إن الأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة.
بيد أنه عند النظر إلى البيان الروسي – القطري – التركي المشترك (وهو الأول من نوعه)، الذي تحدث عن إنشاء “آلية مشتركة” من الدول الثلاث لمتابعة الملف السوري، يتبين أن لافروف فتح ثغرة ولو صغيرة في جدار الممانعة القطرية حيال سوريا. هذه الآلية التي تحدث عنها البيان ستكون شبيهة ربما بـ”آلية أستانا” بين روسيا وإيران وتركيا، علماً أن الوزير الروسي حرص على الإيضاح بأن الآلية الجديدة لن تكون بديلاً من أستانا.
جملة القول، إن الحراك الروسي في ما يعني سوريا، أمامه فرصة ليصادف بعض النجاح، إنطلاقاً من ظروف السياسة الدولية السائدة ذاتها. فدول الخليج العربية قد تكون مهتمة الآن، بإرسال إشارة إيجابية نحو روسيا، في زمن “الإنقلاب” الأميركي عليها.
صحيح أن روسيا لا تملك قوة الولايات المتحدة، إقتصادياً وعسكرياً، لكنها تتمتع بميزة لا تتمتع بها واشنطن، وهي أنها وسيط محايد وتملك علاقات جيدة مع كل الدول في الشرق الأوسط من دون استثناء، وهذا عنصر قوة للديبلوماسية الروسية.