الحوثيون – كما صرح غير مسؤول ومتحدث باسمهم – يرون ان المبادرة السعودية التي اعلنت عنها الرياض، الاثنين الماضي، “لا تتضمن جديداً”، بالنسبة إليهم، لا سيما في ضوء المكاسب العسكرية التي يعتقدون انهم حققوها في الاسابيع الاخيرة، سواء على جبهة “مأرب” او على صعيد هجماتهم الصاروخية (بما فيها المسيرات الجوية) في عمق الاراضي السعودية، وهم يربطون بين هذه الهجمات من جهة وأثرها على السعوديين من جهة أخرى، الأمر الذي فرض إطلاق المبادرة السعودية الجديدة.
والحوثيون – كما يبدو حتى الآن – لا يريدون مجرد وقف اطلاق نار أو هدنة حرب، ما لم يضمنوا حصولهم على مكاسب سياسية واقتصادية واولها رفع الحصار الكامل عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء، ومن دون رقابة دولية.
هم يعتقدون ان هجماتهم الصاروخية والجوية (المُسيرات) في العمق السعودي “أوجعت المملكة كثيراً وهي الدافع الذي جعل الرياض تبحث سريعاً عن مخرج من مستنقع الحرب اليمنية الذي تغرق فيه المملكة منذ ست سنوات”.
في المقابل، يقول سعوديون في الرياض إن المملكة اعلنت مبادرتها تتويجاً لسلسلة من الضربات والغارات الجوية العنيفة التي قامت بها الطائرات السعودية ضد الحوثيين في مأرب وصنعاء ومختلف الاراضي اليمنية، و”كانت نتيجتها موجعة ومقلقة للحوثيين”، حسب وجهة نظر السعوديين.
المصادر السعودية نفسها تؤكد ان المملكة “ستبقى تحت تهديد نظام معادٍ لها”، إذا حكم الحوثيون شمال اليمن، “لذا من المهم استراتيجياً للسعودية ان لا يقوم نظام في الشمال اليمني وعند حدودهم يكون معادياً لهم ويهددهم في أية لحظة”.
لذا فإن الحل الساسي الذي تريده الرياض هو حل يعترف بالحوثيين كأحد المكونات السياسية الرئيسية لأي نظام يمني جديد، “لا ان ينفردوا بحكم اليمن”. هنا ثمة ملاحظة ان المبادرة السعودية “الجديدة” التي اعلنت عنها الرياض تركز مجدداً على الدعوة إلى “بدء مشاورات بين الاطراف اليمنية للتوصل الى حل سياسي للازمة اليمنية برعاية الامم المتحدة بناءً على مرجعيات قرار مجلس الامن الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل”، اي ان السعودية تُبعد نفسها عن المفاوضات المباشرة مع الحوثيين، وفي الوقت نفسه، تريد للمفاوضات اليمنية ـ اليمنية أن تنتج تسوية يكون الحوثيون جزءاً رئيسياً منها، ولكن ليس النظام الحاكم والمسيطر على صنعاء وعلى نسبة كبيرة من اراضي شمال اليمن.
المبادرة السعودية تأتي في سياق سعي الرياض إلى إستيعاب الضغوط السياسية المتزايدة عليها من الادارة الاميركية الجديدة لوقف الحرب في اليمن، منذ ان صرح الرئيس الأميركي جو بايدن ان واشنطن “لن تدعم التدخل السعودي في الحرب اليمنية”
ما هو جديد المبادرة السعودية؟
الجديد في المبادرة السعودية هو مسألة رفع الحصار عن ميناء الحديدة ولكن الرياض إشترطت لأجل ذلك “ايداع الضرائب والايرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة، وفق اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة – اي ان ميناء الحديدة سيكون تحت اشراف بعثة مراقبة مالية وامنية اممية ـ وهذه النقطة تحديداً، اي وضع ميناء الحديدة تحت الإشراف الأممي، يرفضها الحوثيون لا بل “يراوغون بتنفيذها”، كما يقول السعوديون.
والجديد في المبادرة السعودية أيضاً ما جاء فيها بشأن “فتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات الاقليمية والدولية”، من دون أن تحدد المسارات التي سيُسمح بأن تسلكها الطائرات المتجهة إلى صنعاء أو ما إذا كان الأمر سيستلزم الحصول على موافقات إضافية مسبقة من أجل السماح بدخول واردات المواد الغذائية والوقود عبر ميناء الحُديدة.
وبمعزل عما يردده السعوديون أو الجانب الحوثي، فإن المبادرة السعودية تأتي في سياق سعي الرياض إلى إستيعاب الضغوط السياسية المتزايدة عليها من الادارة الاميركية الجديدة لوقف الحرب في اليمن، منذ ان صرح الرئيس الأميركي جو بايدن ان واشنطن “لن تدعم التدخل السعودي في الحرب اليمنية” وان كانت “ملتزمة بحماية المملكة من الهجمات والمخاطر التي تتعرض لها”.
ويلاحظ ان إتصالا هاتفيا جرى بين وزيري الخارجية الاميركي أنتوني بلينكن والسعودي فيصل بن فرحان، قبيل الاعلان السعودي عن المبادرة بساعات قليلة، الامر الذي يؤكد ان المبادرة حظيت بضوء أخضر اميركي، وبالتالي، تريد الرياض فتح صفحة جديدة مع الإدارة البايدنية، وصولاً إلى استعادة التاييد الاميركي لها بما في ذلك دعم رؤيتها للحل في اليمن.
تتبدى هذه المرة فرصة جدية لوقف الحرب في اليمن قد تكون جزءاً من ترتيبات إقليمية أكبر في إطار التمهيد للتوجهات الجديدة للإدارة الأميركية في المنطقة
وطرحت الرياض مبادرتها ايضا لمواجهة الضغوط الانسانية التي تتعرض لها من الامم المتحدة ومبعوثها مارتن غريفيث بشان فك الحصار عن اليمن لاسباب انسانية. وقد رحب الناطق باسم الامم المتحدة فرحان حق بالمبادرة السعودية، وقال “إن الاقتراح السعودي يتسق مع مبادرة الامم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن مارتن غريفيث”.
ويلاحظ ان البيان السعودي عن المبادرة تضمن الاشارة الى انها تطرح مبادرتها “في اطار الدعم المستمر لجهود المبعوث الخاص للامم المتحدة الى اليمن مارتن غريفيث والمبعوث الخاص للولايات المتحدة الى اليمن تيموثي ليندركينغ والدور الايجابي لسلطنة عمان”.
هل هذا يعني ان المبادرة السعودية سيكون مصيرها الفشل، كما حصل مع المبادرات السابقة؟
لا يعتقد مراقبون سياسيون في الرياض ذلك. يتوقعون “ضغطاً اميركياً (عبر سلطنة عمان) على الحوثيين من اجل التجاوب مع ما تحمله المبادرة في طياتها من معطيات سياسية او على الاقل الدخول في مفاوضات سياسية للتفاوض حول بنود المبادرة بدلا من رفضها مسبقا”.
تجدر الاشارة الى تصريح كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبد السلام الذي اوضح ان الحوثيين سيواصلون المحادثات مع الرياض والولايات المتحدة وسلطنة عمان في محاولة للتوصل الى اتفاق سلام.
في المحصلة، تتبدى هذه المرة فرصة جدية لوقف الحرب في اليمن قد تكون جزءاً من ترتيبات إقليمية أكبر في إطار التمهيد للتوجهات الجديدة للإدارة الأميركية في المنطقة ولا سيما ما يتصل بالملف النووي الإيراني، وهذا الأمر يتطلب الرصد الدقيق لمواقف كل الأطراف ولكل البؤر الساخنة في الإقليم.