منذ بداية العام 2021، لم تكن الهند مهتمة بالإجراءات الصحية المتصلة بمكافحة جائحة كورونا؛ وحتى في العام 2020 لم تكن الأمور على ما يرام، ولكن هذا ما لم تكن الحكومة هناك تودّ أن تراه، بل تمّ الترويج أنّ الموجة الأولى انتهت وأصبحت البلاد تسجّل أقل من 10 آلاف حالة يوميًا بل أنّ مسؤولين حكوميين قالوا في تصريحات صحفية إنّ الهند قد وصلت إلى مرحلة المناعة المجتمعية!
وبرغم تحذيرات الخبراء المختصين هناك من أنّ موجة ثانية قيد التكون، ولكن لم تكن هناك من آذان صاغية لتجنّب وقوع الكارثة واستمر فتح النوادي والأسواق وكل شبكات المواصلات، ولك أن تتخيّل هنا ماذا يعني فتح الأسواق في بلد يفوق عدد سكانه المليار.
منذ 16 شباط/فبراير 2021 وحتى الثاني من نيسان/أبريل 2021، مرت خمسة أعياد هندوسية كبيرة أهمها عيد ماها شيفراتري – تكريم الآلهة شيفا – (5 آذار/مارس) وعيد هابي هولي – استقبال فصل الربيع – (29 آذار/مارس) وصور الاحتفالات والتظاهرات في الشوارع كانت تشي بالكارثة الوشيكة، حيث لا كمامات ولا تباعد، بل اكتظاظ رهيب وتشارك أطعمة وأنفاس وعناقات بين الناس.
ما يجري اليوم في الهند لم نشهد مثيلًا له منذ انطلاق صفارة الانذار في شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، فلا سيناريو إيطاليًا ولا أميركيًا يشبه ما يحصل في شبه القارة، محارق الجثث ممتلئة والشوارع أصبحت محارق عامة حيث يجري فعليًا حرق الأشجار لاستخدام نارها في إحراق الجثث، هذا حال الضحايا فما حال المرضى الأحياء؟
كما أصبحنا نعرف تمامًا أنّ فترة حضانة الفيروس هي حوالي الـ 14 يومًا، والنتيجة مأساة، ارتفع عداد الإصابات في بداية شهر نيسان/أبريل إلى 100.000 إصابة يوميًا وصولًا إلى 300.000 إصابة يوميًا خلال هذا الأسبوع، وهذه الأرقام الرسمية القابلة للمضاعفة أقله 5 مرات إن لم نقل 8.
ما يجري اليوم في الهند لم نشهد مثيلًا له منذ انطلاق صفارة الانذار في شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، فلا سيناريو إيطاليًا ولا أميركيًا يشبه ما يحصل في شبه القارة، محارق الجثث ممتلئة والشوارع أصبحت محارق عامة حيث يجري فعليًا حرق الأشجار لاستخدام نارها في إحراق الجثث، هذا حال الضحايا فما حال المرضى الأحياء؟
المستشفيات انهارت تمامًا، وهناك أزمة أوكسيجين تعمّ البلاد، والأسطوانات المتبقية تُشغّل في الشوارع بين السّيارات لمحاولة الحفاظ على من بقي على قيد الحياة، فينقل المرضى من مستشفى إلى مستشفى للحصول على بعض الأنفاس، وفي الكثير من الأحيان، يموت المريض خلال الانتقال فيصل إلى المحرقة العامة.
الأرقام الرسمية للوفيات، أكثر من 115 شخصًا في كلّ ساعة، أمّا فعليًا فالأرقام قد تكون أكبر من ذلك بكثير لأنّ الكثيرين يموتون في بيوتهم دون تشخيص بالإضافة إلى كبار السّن الميؤوس من حالاتهم فيتركون لمصيرهم.
الهند رسميًا، وبلسان رئيس وزرائها ناريندرا مودي، كانت تتعامل مع الوباء بخفة، برغم أنّها عانت من موجة أولى صعبة ولم تنشر اللقاحات على المستوى المطلوب أو ربما المأمول من دولة هي اليوم أكبر مصنع للقاحات العالمية، بيد أنّ نسبة السّكان الذين حصلوا على اللقاح وصلت إلى 2%.
صحيح أنه تمّ رصد متغيّر جديد من فيروس كورونا مركز انتشاره الهند ويجري اليوم إلقاء اللوم عليه في هذه الموجة الحادّة، ولكن هذا الجديد ليس ابن العام 2021 بل رصد في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020، ومن بعدها تمّ رصده في أكثر من 20 دولة وحتى الآن لا يوجد تحاليل أو دراسات كافية لتربط القدرة على الانتشار والقتل بهذا المتحوّر الجديد، وهنا يمكن القول أنّ السّماح بالتفلت من كلّ الاجراءات هي خلف ظهور هذا المتحوّر وغيره من المتحوّرات التي ستأتي في القادم من الأيام.
لا ينفع تجاهل ما يجري اليوم في الهند، فالأوضاع في بلدنا أصبحت مشابهة لبدايات العام 2021 في الهند من اختلاط وعدم احترام للإجراءات وخلع للكمامات، بالإضافة لترويج رسمي لفكرة المناعة المجتمعية التي يجري تحقيقها في لبنان عبر التلقيح وأرقام الإصابات في الموجتين الأولى والثانية، وأن أرقام الإصابات تنخفض لهذا السّبب فقط من دون الأخذ بالاعتبار حالة الناس الاقتصادية الصعبة التي لم تعد تسمح للكثيرين برفاهية إجراء الفحص للكشف على الإصابة من عدمها.
هذه ليست دعوة للإقفال بل للاتعاظ مما يجري من حولنا فنحن قادمون على موسم أعياد مسيحية وإسلامية وأي ثغرة ستُترك قد تفجر الوضع من جديد في بلد بلغ حدّ الهشاشة في كلّ شيء.
هذه دعوة لعدم التفاؤل سوى بالكمامة والتباعد الاجتماعي وترك كلّ التصريحات الرسمية جانبًا، فهي لا تسمن ولا تغني من جوع، وإلّا فألسنة الحريق الهندي الكوروني ستنتشر في الهشير اللبناني.