كورونا لبنان.. مناعة أم جمر تحت الرماد!

هل هدأت جائحة كورونا في لبنان؟ هل بوسعنا خلع الكمامات والقول بأنّ الأمور عادت إلى ما قبل كانون الأول/ ديسمبر 2019 طالما أن الفيروس "فقد فعاليته"، كما يُروّج؟ ماذا عن اللقاحات التي تصل تباعًا بأعداد لابأس بها، هل قلبت المعادلة؟

تتهاوى أرقام الإصابات بفيروس كورونا في لبنان بشكل ملفت للإنتباه منذ نهاية شهر آذار/ مارس تقريبًا. فبعد أن كان البلد يسجّل حوالي الـ 3000 إصابة يوميًا أصبحنا اليوم نسجّل أقل من 400 إصابة، وهذا أمر مبشّر ولكن مع علامة استفهام كبيرة جدًا ألا وهي أعداد الفحوصات التي كان يجب ألا تنخفض بشكل متزامن مع انخفاض الاصابات، لأنّ قلّة عدد الفحوصات سيؤدي حكمًا لتسجيل حالات إيجابية قليلة، ومن هنا نبدأ.

التعامل اليوم في لبنان مع فيروس كورونا يتخذ منحى خطيرًا للغاية ألا وهو التخفيف من الإجراءات الصحيّة بشكل متسارع والتعامل مع الفيروس بتهاون كبير، وهذا ما يدفع لاستشراف أمور خطيرة للغاية؛ فالفيروس ينتشر في بادئ الأمر بشكل صامت، وأكثر من 90% من الحالات تكون دون عوارض قبل أن تعلو الصرخة مجددًا مع وصول العدوى لمن هم أكثر عرضة للإصابة. المرض في لبنان لم يتوقف عن الانتشار وخاصة الآن ولكن هناك عدة عوامل تساهم في نشر هذه الطمأنية الكاذبة، ومنها:

  1. الناس اعتادت على فكرة أنّ الإصابة لن تكون قاتلة أو شديدة العوارض بالتالي توقفت عن إجراء الفحوصات بشكل مكثف عند ظهور أي عارض.
  2. عند ظهور العوارض، قد يقوم شخص واحد في المنزل أو العائلة بإجراء فحص الكشف عن الفيروس من دون بقية المصابين الذين ظهرت عليهم العوارض جميعًا وبالتالي تسجّل وزارة الصحة إصابة واحدة بينما قد تكون هذه الإصابة قد نشرت العدوى لأكثر من 5 أو حتى 10 أشخاص.
  3. الوضع الاقتصادي الذي يشتد ضغطه يومًا بعد يوم دفع الكثير من الأشخاص، في حال إصابتهم، إما لعدم إجراء أي فحوصات أو لعدم التصريح كي لا يضطروا للمكوث في المنازل وخسارة أيام عمل هي اكثر من ضرورية لتأمين قوت عوائلهم.
  4. إطلاق تصريحات حول إقبال الناس على أخذ اللقاح المضاد للفيروس، وهذا أمر مغاير للحقيقة، فحتى اليوم، وبحسب منظمة الصحة العالمية، لم تتخط نسب التلقيح في لبنان الـ 8% (جرعة واحدة) و4% (جرعتان)، ما يعني أننا ما زلنا بعيدين كلّ البعد عن المناعة المجتمعية التامة التي تحتاج لما لا يقل عن تلقيح 60% من المقيمين على الأراضي اللبنانية، وهنا يوجد سبب إضافي لعدم الإقبال على أخذ اللقاح سنعود إليه في بحث لاحق ألا وهو الأخبار الكاذبة الملاحقة للقاحات وفعاليتها، من الشرائح المدسوسة إلى محاولة الإيحاء أنّ الجينات تتغيّر.. إلخ من الأخبار الملفقة.
  5. الاتكال على المناعة الطبيعية المحققة من الإصابة الأولى، وهنا يمكن القول أنّ الأرقام العالمية وبعد حوالي السنتين من انطلاق الجائحة لا زالت غير واضحة فمجال الخطأ فيها كبير للغاية ويتراوح مفعول المناعة بين أشهر ثلاثة وسّنة. نعم المصاب سابقًا لديه أجسام مضادة طبيعية للفيروس ولكن لا يمكننا وضعه في مكان موبوء والافتراض أنّه لن يصاب أبدًا أو أنّ إصابته ستكون خفيفة وبريطانيا أولى الدول التي اتكلت على تحقيق مناعة القطيع وكلّنا عاين ماذا جرى وكيف خرّجت لنا فيروسًا متحورًا يسيطر الآن على العدد الأكبر من الإصابات في العالم.

من بين 100 مليون شخص تلقى اللقاح على الأراضي الأميركية أصيب منهم 10.262 شخص بالفيروس أي بنسبة 0.01% فقط، كما تبين أن 90% من المصابين لم تظهر عليهم أي عوارض، ما يعني أنّ اللقاحات لن تحميَ كلّيًا من الإصابة ولكنّها ستحمي بكلّ تأكيد من العوارض الشديدة أو المميتة

ما الحلّ إذًا؟

في انتظار الوصول إلى نسب عالية من التلقيح، يجب أن تبقى الاجراءات الصحيّة على ما هي عليه من سنة ونيف، أي كأنّنا في اليوم الأول للجائحة من لبس للكمامة وحذر من التجمعات الكبيرة، ففرصة الصيف محطة هامة جدًا أمامنا؛ ففي هذا الفصل يتوجه الناس نحو الأماكن المفتوحة، ما يعني أنّنا سنكون أمام نسب إصابة أقل، فإن ترافقت مع توزيع أكبر للقاحات (بما فيها ماراتونات أو حملات التلقيح بلقاح “فايزر” في المناطق اللبنانية كافة) سنبلغ فصل الخريف بأمان نسبي جيد جدًا.

أمان اللقاحات

أجرى في الفترة الأخيرة مركز رصد الأوبئة في الولايات المتحدة CDC دراسة على نطاق كلّ الولايات لرصد مدى فعالية اللقاحات المعتمدة لديهم (فايزر، موديرنا وجونسون) ووجد أن نسبة الحماية هي أكثر من 90% فمن بين 100 مليون شخص تلقى اللقاح على الأراضي الأميركية أصيب منهم 10.262 شخص بالفيروس أي بنسبة 0.01% فقط، كما تبين أن 90% من المصابين لم تظهر عليهم أي عوارض، ما يعني أنّ اللقاحات لن تحميَ كلّيًا من الإصابة ولكنّها ستحمي بكلّ تأكيد من العوارض الشديدة أو المميتة.

وحتى لحظة كتابة هذه السّطور لا يوجد أدلّة قطعية تربط اللقاح سببيًا بحالات مرضيّة سجّلت بين الذين حصلوا عليه سواء الجلطات الدماغية التي ربطت بلقاح أسترازينيكا أو أمراض القلب مع لقاح فايزر حيث أنّ نسب حصول هذه الحالات بين الناس لا تختلف أبدًا عن النسب العادية التي كانت تحصل دون وجود اللقاحات، ما يدفع للقول أن الرابط المباشر غير موجود، كما أنّ هذه الدراسات لم تأت من أيّ مكان في العالم خارج أراضي الكيان الاسرائيلي المحتل حيث سجلت 62 حالة التهاب في عضلة القلب من أصل 5 ملايين شخص تلقوا جرعتين من اللقاح.

إقرأ على موقع 180  إستراتيجية "المصطنَع والاصطِناع".. وأوهام التغيير اللبناني!

خاتمة

بالعودة إلى لبنان، علينا أن نعي جيّدًا أن لا فارق طبقيًا بين من يتلقى لقاح فايزر أو أسترازينيكا أو سبوتنيك 5، ويجب أن تكون الفكرة دائمًا هي بالتوجه نحو الفرصة الأقرب للحصول على اللقاح فمن يسجل دوره اليوم للحصول على لقاح أسترازينيكا ثمّ يرفضه لأسباب تتعلّق بمنشورات غير علميّة وصلته على الواتساب ويفضل المطالبة بلقاح فايزر والانتظار أكثر عليه أن يعي أنّه خلال فترة الانتظار قد يصاب وتكون عوارضه شديدة إن لم تكن مميتة، فالمفاضلة هنا تسقط، واللقاح الأقرب هو الأفضل.

Print Friendly, PDF & Email
فؤاد إبراهيم بزي

كاتب متخصص في المواضيع العلمية

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "ناتو الشرق الأوسط" يُطل برأسه.. من جديد!