حصل ذلك فى عهد دونالد ترامب تحت عنوان أمريكا أولا أو سياسة الأحادية الأمريكية الحادة التى أحدثت حالة من التوتر ولو بدرجات مختلفة مع الحلفاء التقليديين لواشنطن.
فى سياق إحياء الدور الأمريكى «التقليدى»، تم توقيع ميثاق أطلسى جديد أمريكى بريطانى أسوة بما قام به فى الماضى البعيد روزفلت وتشرشل للتأكيد على خصوصية العلاقات بين الطرفين و«القيم المشتركة» التى تجمع بينهما. كما تم طرح رؤية جديدة فى القمة التى استضافتها بريطانيا «لمجموعة القوى السبع» لتلعب دورا أكثر فعالية فى مواجهة التحديات العالمية الجديدة.
ويأتى إشراك زعماء كل من كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا والهند واستراليا ولو عن بعد فى هذه القمة لتشكل رسالة واضحة حول هدف تعزيز قوة ودور هذه المجموعة على الصعيد العالمى. كما أن إنشاء صندوق البنى التحتية العالمى لدعم شبكة المواصلات فى الدول الفقيرة والنامية وأيضا للعمل على النمو الأخضر لهذه الدول والحفاظ على البيئة وكذلك لدعم الطاقات المتجددة والتكنولوجيا النظيفة، كلها عناصر تندرج تحت عنوان استراتيجية عالمية جديدة «للغرب» نحو الدول الفقيرة فى مواجهة استراتيجية «حزام واحد طريق واحد» الصينية.
إنها استراتيجية سباق وتنافس مع الصين الشعبية فى الجغرافيا الاقتصادية عالميا التى تندرج فى لعبة التنافس بين الطرفين وخاصة الأمريكى الصينى فى «لعبة» الجغرافيا السياسية: وأولى مسارح هذا التنافس أو المواجهة وليس بالطبع الوحيد هو منطقة «آسيا الهادئ». وعلى صعيد آخر، فإن المنافسة أو المواجهة مع روسيا الاتحادية تبقى فى مجال سباق النفوذ فى الجغرافيا السياسية على الصعيد العالمى وبالأخص بين البحر الاسود والبحر المتوسط.
هنالك مصالح مختلفة بين الدول الغربية فى علاقاتها مع كل من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية تعرقل بلورة استراتيجية غربية على صعيد السياسات العملية تحت سقف الرؤية الاستراتيجية المشتركة: إنها «لعبة الأمم» تحت عناوين جديدة
وستشهد قمة حلف شمال الأطلسى يوم غدٍ (الأربعاء) فى بروكسل، مقر الحلف، مشاورات لبلورة «مفهوم استراتيجى جديد» للحلف للتعامل مع التحديات العالمية فى هذا المجال. وبرغم التصعيد الكلامى بين الولايات المتحدة وروسيا الذى ازداد حدة بسبب الخلاف الشديد حول «المسألة الأوكرانية» وبيلاروسيا والاتهامات الأمريكية لروسيا بالهجمات الالكترونية ووصف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للعلاقات بأنها انحدرت إلى أدنى مستوياتها، فإن القمة التى ستجمع بين الطرفين فى جنيف قد تهيئ الأرضية لحوار يرسى نوعا من الاستقرار الاستراتيجى بين الطرفين كما يقول وزير الخارجية الأمريكى. ومن دون شك، ستحظى القضايا التى أشرنا إليها إلى جانب كل من أفغانستان والمفاوضات غير المباشرة الأمريكية الإيرانية حول الملف النووى وسوريا بمكانة خاصة فى محادثات جنيف.
ويمكن أخيرا إدراج الملاحظات التالية حول دبلوماسية القمم حاليا:
عودة الولايات المتحدة مع الرئيس بايدن إلى إحياء الدبلوماسية المتعددة الأطراف التى تقوم على مفاهيم الحوار والشراكة وليس الأحادية وتجاهل الحلفاء، ويذكر فى هذا الصدد ما قاله الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى ترحيبه بالدور الأمريكى الجديد «إن الزعامة تعنى الشراكة». ويهدف الرئيس الأمريكى إلى ترتيب البيت الغربى للتموضع بشكل أفضل فى «المواجهة الاستراتيجية» أو فى إدارة عملية التنافس الاستراتيجى مع الصين الشعبية وروسيا الاتحادية. ولكن يعتبر كثيرون أن المواجهة المزدوجة مع هاتين القوتين ستساهم فى إحداث تقارب قوى روسى صينى، وأن البديل يفترض التركيز على الصين الشعبية المنافس الأساس للولايات المتحدة على القيادة العالمية وبالتالى محاولة تحييد روسيا قدر الإمكان. ولا بد من التذكير أن هنالك مصالح مختلفة بين الدول الغربية فى علاقاتها مع كل من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية تعرقل بلورة استراتيجية غربية على صعيد السياسات العملية تحت سقف الرؤية الاستراتيجية المشتركة: إنها «لعبة الأمم» تحت عناوين جديدة.
(*) بالتزامن مع “الشروق“