ماكرون ولوبن يُدشّنان معركة الرئاسة في الإنتخابات المناطقية

قبل أيام من موعد الدورة الأولى من انتخابات المناطق في فرنسا، كيف تبدو صورة الداخل الفرنسي وما هي المؤشرات الأولية حول توجهات الناخب الفرنسي؟ وما هي تأثيرات نتائج هذه الإنتخابات على الاستحقاقات المقبلة؟

مَنْ يتجول في هذه الأيام في باريس وفي كبريات المدن الفرنسية، يلاحظ ان الكثير من اللوحات الاعلانية التي رفعتها البلديات لتمكين اللوائح المتنافسة في الانتخابات المناطقية من تعليق صورها وبرامجها لا تزال فارغة، كما ان وسائل الاعلام لا تفرد مساحات واسعة لهذا الموضوع، وهذا دليل على عدم اكتراث الرأي العام الفرنسي لهذا الاستحقاق وعدم الاهتمام بهذه العملية الانتخابية برغم اهميتها على صعيد تسيير الامور الحياتية والانمائية في المناطق. وقد تجلى كل ذلك في فتور الحملات الانتخابية.

وامام هذا الواقع، يُسجل المراقبون عدداً من الملاحظات التي ستكون لها مفاعيلها على مسار العملية السياسية الداخلية في الاشهر المقبلة، وابرزها الآتي:

أولاً؛ تدني نسبة الاقتراع:

تتخوف الاوساط السياسية الفرنسية من ان هذه العوامل، اضافة الى انشغال الفرنسيين بتداعيات الازمة الصحية من جراء وباء كورونا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، من شأنها ان تجعل نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع متدنية جداً.

ثانياً؛ تقدم اليمين المتطرف:

تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم ملحوظ لحزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن والذي يتصدر التوقعات في عدة مناطق وخصوصاً في الجنوب الفرنسي.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التي تجري في 20 و27 حزيران/يونيو، يحرز “التجمع الوطني” تقدماً أيضاً في المنطقة الباريسية “ايل دو فرانس” حيث يعزّز المسؤول الثاني في الحزب جوردان بارديلا (25 عاما) موقعه في المرتبة الثانية جامعاً حوالى 20% من نسبة نوايا الأصوات وراء رئيسة مجلس المنطقة الحالية المنتهية ولايتها فاليري بيكريس (يمين معتدل).

يبدو ان الحاجز النفسي لدى الكثير من المواطنين من محاذير التصويت لمصلحة اليمين المتطرف بدأ يتراجع مع تصاعد موجة الاستياء الشعبية من تردي الاوضاع. وأظهر استطلاع للرأي أن غالبية فرنسية (63%) تعتبر أن بإمكان “التجمع الوطني” الفوز بمنطقة أو أكثر

ثمة دينامية استفاد منها “التجمع” اليميني المتطرف حتماً من جراء أحداث الاسابيع الأخيرة، في إشارة من بعض المراقبين إلى سلسلة الهجمات التي تعرض لها عناصر من قوات الأمن، ما دفع حزب لوبن الى ابراز شعار حملته الانتخابية حول أولوية “الأمن”.

وهنا يبرز السؤال: هل سيتمكن حزب مارين لوبن من الاستفادة من هذه الاندفاعة من اجل تحقيق الفوز برئاسة عدد من مجالس المناطق هذه السنة، بعدما فشل في الدورة الثانية من انتخابات 2015 في فرض نفسه في أي من المناطق التي تصدرها في الدورة الأولى؟

يتوقف الأمر على متانة  ما يسمى “الجبهة الجمهورية” التي وقفت حاجزاً بوجه “التجمع” قبل ست سنوات فقطعت عليه الطريق بفضل تنازل أحزاب اليسار في أكثر من منطقة حيث حقق اليمين المتطرف تقدماً مريحاً في الدورة الأولى، وذلك بانسحاب هذه الاحزاب من المواجهة في الدورة الثانية لمصلحة مرشحي اليمين المعتدل.

ويطلق اسم “الجبهة الجمهورية” على تجمع ظرفي بين أحزاب سياسية من اليمين واليسار يتشكل خلال الدورة الثانية من الانتخابات لمنع فوز “التجمع الوطني”، كما حصل خصوصاً في الانتخابات الرئاسية عام 2002 وبشكل محدود أكثر عام 2017، كما في العديد من الانتخابات النيابية والمحلية.

ويرى المراقبون ان اكثر من علامة استفهام تبقى مطروحة أكان على صعيد معرفة نسبة الناخبين اليساريين الذين سيختارون الامتناع عن التصويت في الدورة الثانية، او على صعيد معرفة نسبة الناخبين اليمينيين الذين سيقبلون بتحويل أصواتهم من حزب “الجمهوريين” (يمين معتدل) إلى مرشح “التجمع الوطني”. ويبدو ان الحاجز النفسي لدى الكثير من المواطنين من محاذير التصويت لمصلحة اليمين المتطرف بدأ يتراجع مع تصاعد موجة الاستياء الشعبية من تردي الاوضاع. وأظهر استطلاع للرأي أن غالبية فرنسية (63%) تعتبر أن بإمكان “التجمع الوطني” الفوز بمنطقة أو أكثر.

ثالثاً؛ انقسام اليسار وتضعضع اليمين (المعتدل):

تعاني احزاب اليسار (الاشتراكي، الشيوعي والخضر) حالاً من الانقسام وعدم القدرة على الاتفاق على برنامج موحد ولوائح مشتركة اضافة الى غياب استراتيجية واضحة.

ذهبت احدى الصحف الفرنسية الى عنونة افتتاحيتها “مهووس الحرائق” منددة بمضي ماكرون في مخططه الهادف إلى تفجير الاحزاب اليمينية واليسارية من الداخل وبالتالي تصبح الارض السياسية محروقة ولا يبقى في مواجهته إلا زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، وبالتالي تكرار سيناريو 2017

أما اليمين المعتدل المتمثل بحزب “الليبراليين”، فيعيش حال تضعضع في صفوفه وتراجع مؤيديه اضافة الى انه يفتقر الى شخصيات سياسية وازنة على المستوى الوطني. اما على الصعيد المناطقي، فهو يتعرض الى ضغط مزدوج حيث يتنازع على استقطاب قياداته المحلية والمناطقية حزب “الجمهورية الى الامام” الوسطي الحاكم والقريب من الرئيس ايمانويل ماكرون من جهة.. وحزب مارين لوبن اليميني المتطرف من جهة أخرى.

رابعاً؛ لعبة “فرِّق تَسُد” الماكرونية:

إقرأ على موقع 180  لا حلفاء لأمريكا في حربها القادمة

يبدو ان الهم الاساسي لحزب “الجمهورية الى الأمام” بزعامة ماكرون هو المضي في سياسة اضعاف اليمين المعتدل بعدما نجح الرئيس الفرنسي في تحييد دور الحزب الاشتراكي. لذلك، يحاول الحزب الماكروني الحاكم العمل على منع بروز شخصيات سياسية على المستوى الاقليمي يمكن ان تشكل عائقاً امام ماكرون في حملته للترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية في العام 2022. وابرز تلك الشخصيات هو الوزير السابق كزافيه برتران الرئيس الحالي لمنطقة “هوت دو فرانس” (يمين معتدل ووسطي). لهذه الغاية، أوفد ماكرون وزير العدل اريك دوبون – موريتي في الحكومة الحالية لمواجهة برتران في منطقته والترشح ضده في الانتخابات المناطقية في محاولة لاسقاطه وبالتالي حرق حظوظه الرئاسية.

خامساً؛ البعد الرئاسي:

تتخذ العملية الانتخابية على صعيد المناطق بعداً إضافياً ومهماً في ضوء الانتخابات الرئاسية المقبلة سنة 2022. وقد ذهبت احدى الصحف الفرنسية الى عنونة افتتاحيتها “مهووس الحرائق” منددة بمضي ماكرون في مخططه الهادف إلى تفجير الاحزاب اليمينية واليسارية من الداخل وبالتالي تصبح الارض السياسية محروقة ولا يبقى في مواجهته إلا زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، وبالتالي تكرار السيناريو نفسه الذي سمح له بالوصول الى قصر الاليزيه في 2017.

وتتوقع معظم استطلاعات الرأي تكرار المواجهة ذاتها في السنة المقبلة، إنما فارق الاصوات بدأ يتقلص، ولكن بعض الاوساط الفرنسية تحذر من مغبة “اللعب بالنار” واصفةً هذه اللعبة بـ”الخطرة” ومضيفة “ان السحر قد ينقلب على الساحر”!

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الجولاني لـ"ضبط السلاح".. حمايةً لنفسه أم للأتراك؟