إنتخاب رئيسي.. مُجدداً الأميركيون لم يتعلموا من أخطائهم!

تم انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً لإيران - هذه أخبار غير سارة للغاية لكل من الرئيس الأميركي جو بايدن وجميع النخب الأمريكية. من هو رئيسي؟ لماذا قد لا تكون الرئاسة درّة تاج طموحاته السياسية؟ وكيف ساهمت واشنطن نفسها في انتخاب هذا الرجل؟ هذا ما يستعرضه المحلل كيفورك ميرازيان في مقال نشرته صحيفة "فزغلياد" الروسية.

يتعلم الأذكياء من أخطاء الآخرين. أما الحمقى فيتعلمون من أخطائهم. ولكن ماذا تسمي أولئك الذين لا يتعلمون حتى من أنفسهم؟ الجواب بسيط للغاية: إنهم يدعون الأميركيين!
النتيجة الجديدة لصعوبة التعلم تتمثل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت في 18 حزيران/يونيو، والتي فاز فيها المحافظ إبراهيم رئيسي. علاوة على ذلك، فاز رئيسي في الجولة الأولى، وحصل على أكثر من 61 في المئة من الأصوات. أما المرشح الوحيد المعتدل فكان عبد الناصر همتي وقد حصل على 8.38 في المئة من الأصوات فقط. وبالمقارنة، حصل حسن روحاني، الرئيس المعتدل، على 57 في المئة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية عام 2017.
المسؤول الرئيسي عن فشل القوى المعتدلة (الأمل الرئيسي للغرب في تغيير النظام الإيراني) كانت الولايات المتحدة، التي كررت حرفياً ما جرى في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

كل شيء يتكرر

في العام 2001، كان المجتمع الإيراني قد سئم من العيش في ظل تشدد آيات الله. وبغالبية ساحقة من الأصوات (77 في المئة) انتخب محمد خاتمي رئيساً. هو سياسي معتدل دعا إلى الإصلاح وبناء جسور الحوار مع الغرب. في مثل هذه الحالة، كان ينبغي على الإدارة الأميركية برئاسة جورج دبليو بوش أن تدعم خاتمي بكل وسيلة ممكنة، وأن تمد يد العون لإيران، وأن تبدأ في رفع العقوبات واعادة دمج الجمهورية الإسلامية في الاقتصاد العالمي. بدلاً من ذلك، أدخلت واشنطن إيران في “محور الشر”، وفي الواقع، رفضت أي حوار معها.
لم يكن مستغرباً أن يشعر الإيرانيون بخيبة أمل من أفكار الانفتاح، ومِمَّن بث هذه الأفكار، أي خاتمي ورفاقه. على هذا الأساس، تأرجح البندول السياسي في الاتجاه الآخر، وبشكل حاد للغاية، في العام 2005، إذ انتُخب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران، لتتأرجح العلاقات الإيرانية-الأميركية في عهده على شفا حرب مباشرة، في حين تطوّر البرنامج النووي بوتيرة متسارعة، وكانت إسرائيل تخاطر بالتحول إلى “بحر من النار”.

يتعلم الأذكياء من أخطاء الآخرين. أما الحمقى فيتعلمون من أخطائهم. ولكن ماذا تسمي أولئك الذين لا يتعلمون حتى من أنفسهم؟ الجواب بسيط للغاية: إنهم يدعون الأميركيين!

في العام 2013، منح التاريخ الأميركيين والإيرانيين فرصة ثانية – فاز المرشح المعتدل حسن روحاني، الذي يمثل تلك الشرائح من النخبة الإيرانية المؤيدة للحوار وإنهاء حروب العقوبات، في الانتخابات الرئاسية بهامش ضئيل. لم يكن المرشد الأعلى علي خامنئي ضد هذه النتيجة تماماً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن اقتصاد البلاد عانى كثيراً من العقوبات، حيث ألقى جزء من السكان باللوم على الخطاب المتطرف لأحمدي نجاد. ويبدو أن الأميركيين قد استغلوا هذه الفرصة، فاعتمدت إدارة الرئيس باراك أوباما سياسة اليد الممدودة، وبعد عدة سنوات من المفاوضات، أبرمت اتفاقاً نووياً مع إيران، بموجبه رفعت الولايات المتحدة العقوبات عن الجمهورية الإسلامية، وتخلى الإيرانيون عن برنامج أسلحتهم النووية، لمصلحة تطوير برنامجهم السلمي.
ولكن، كما هو معروف، بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العام 2016، انسحبت الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، وأعادت جميع العقوبات. ليس لأن إيران انتهكت شيئاً (لقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراراً وتكراراً أن طهران أوفت بالتزاماتها بالكامل)، ولكن ببساطة لأن ترامب “لم يعجبه” الاتفاق.
علاوة على ذلك، لم تكتف الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق فحسب، بل أجبرت الأوروبيين على فسخ العديد من عقود الاستثمار مع إيران، والتي كانت قد أُبرمت بعد توقيع الاتفاق النووي.
من الواضح أن هذه الحيلة الأميركية كانت بمثابة ضربة قاتلة للمعتدلين الإيرانيين. وبالرغم من حقيقة أن إدارة جو بايدن قد أعلنت بالفعل عن استعدادها لإحياء الصفقة النووية، ورفع العقوبات مرة أخرى، فإن ذلك حدث بعدما غادر القطار النووي المحطة، حيث جرت انتخابات العام 2021، ووصل متشدد إلى السلطة في إيران مرة أخرى.

قليل من الاصلاح.. مزيد من الاستقرار

بالطبع، لا يعني ذلك عدم إمكانية إحياء الاتفاق النووي. على الأرجح، سيتم الاتفاق على شيء ما. ومع ذلك، فإن نافذة فرصة تحويل النظام الإيراني نحو مزيد من الحريات باتت مغلقة. وربما ليس لدورتين انتخابيتين فحسب (كما كانت الحال في عهد أحمدي نجاد)، ولكن لفترة أطول. بعد كل شيء، فإنّ ابراهيم رئيسي ليس بأي حال من الأحوال “أحمدي نجاد 2.0”.

يتمتع رئيسي بموقع أقوى في النظام الإيراني. أحمدي نجاد، ابن الحداد الذي شغل منصب رئيس بلدية طهران في السابق، كان ينظر إليه باعتباره أحد الناشطين السياسيين ضمن النخبة الإيرانية. أما إبراهيم رئيسي فهو ممثل محترم لآيات الله الإيرانيين.

لا يمكن أن يكون إبراهيم رئيسي قومياً، لأن الإسلام ينكر القومية في حد ذاتها. على العكس من ذلك، كان رئيسي، خلال حملته الانتخابية، فخوراً بحصوله على دعم نشط من قبل الأكراد والأذريين والبلوش

ثمة نقطة واحدة تحتاج إلى الشرح هنا. السلطة في إيران تخضع لسيطرة مشروطة من قبل مجموعتين. الأولى، آيات الله، أي رجال الدين. من الناحية الشكلية، هذه المجموعة هي التي تحكم البلاد. ومع ذلك، في العقدين الماضيين، تم الاستيلاء على الكثير من مفاصل السلطة من قبل مجموعة أخرى – تضم جنرالات الحرس الثوري الإسلامي.
لقد سيطر جنرالات الحرس الثوري على “التجارة الرمادية” في إيران (أي التجارة التي تتجاوز العقوبات الدولية)، وسيطروا أيضًا على السياسة الخارجية، حتى ساد انطباع لدى البعض بأنهم باتوا قادرين عن تنحية آيات الله جانباً، وبالتالي السيطرة على السياسة الداخلية. ومع ذلك، فإن انتخاب رئيسي ألغى هذه الخطط. ليس الانتخابات نفسها هي من أسهم في ذلك، وإنما العملية الانتخابية برمّتها، التي أفضت إلى قيام جميع مرشحي الحرس الثوري الإيراني، بناءً على طلب المرشد، بسحب ترشيحهاتهم.
يقول فرهاد إبراهيموف، الخبير في نادي فالداي الدولي، إن خامئي كلّف هؤلاء الجنرالات بمحاربة “البرلمالي” (شخصية اسطورية شريرة في الأدب الروسي) في سوريا واليمن، وأوضح لهم أنه يوجد في إيران من يستطيع أن يقود السياسة الداخلية.
من ناحية أخرى، هذا يعني أن لا إصلاحات متوقعة في إيران (ابراهيم رئيسي محافظ قوي إلى حد ما في هذه القضية)، ولكن من ناحية أخرى، فإنّ النظام السياسي سيكون أكثر استقراراً، ذلك أن “السيلوفيكي” (تعبير روسي يعني النخبة العسكرية والأمنية)، وبخلاف ما هي الحال مع رجال الدين، لا تملك أيّاً من عناصر الشرعية التقليدية في إيران (سواء كان الحكم ملكياً أو ثيوقراطياً).
لقد تبيّن أن القوميين (مثل أحمدي نجاد) أو الأشخاص ذوي الآراء العلمانية (جزء كبير من جنرالات الحرس الثوري الإيراني) يمثلون إشكالية كبيرة بالنسبة إلى وحدة إيران.
لنتذكر أن إيران دولة متعددة الجنسيات (نصفها فقط من الفرس) تتحد شعوبها بفكرة فوق وطنية في شكل مفهوم الجمهورية الإسلامية. هذا يعني أن أية سياسة داخلية قائمة على القومية الفارسية ستؤدي إلى إضعاف نظام الدولة، وبالتالي فهي مفيدة للأميركيين.

إقرأ على موقع 180  فرنسا تُحذّر لبنان: خطر الموت داهم، أًوقِفُوا المراوغة!

لدى رئيسي وجهات نظر مختلفة. بسبب الفلسفة الإسلامية التي يلتزم بها بشكل صارم، لا يمكن أن يكون إبراهيم رئيسي قومياً، لأن الإسلام ينكر القومية في حد ذاتها. على العكس من ذلك، كان رئيسي، خلال حملته الانتخابية، فخوراً بحصوله على دعم نشط من قبل الأكراد والأذريين والبلوش.

مسؤول عن كلماته

بالنسبة للشؤون الدولية، إبراهيم رئيسي ليس أقل محافظة من أحمدي نجاد، لكنه في الوقت ذاته أكثر حذراً في تصريحات سياسته الخارجية. وهذا يعني أنه سيكون من الأصعب بكثير على الدول تبرير فرض عقوبات على إيران. في وقت من الأوقات، قال حسن روحاني إنه قبل أحمدي نجاد، لم يتدخل أحد من الرؤساء في برنامج إيران النووي لأنهم أرادوا النأي بالنفس عن المتاعب.
بناءً على جميع المزايا المذكورة أعلاه، لا يستبعد الخبراء أن تكون الرئاسة نقطة انطلاق لرئيسي إلى مكانة ملك الجبل الإيراني.
لطالما بحث خامنئي عن خليفة لنفسه، وبهذا المعنى، فإن رئيسي هو المرشح المثالي: هو سيّد، أي من سلالة النبي محمد، وله باع طويل في السياسة، وقد عمل في القضاء، ما يعني أنه على دراية بكل التفاصيل الدقيقة والفروق الدقيقة في السياسة الداخلية.. بهذا المعنى، فهو المرشح المثالي لمنصب المرشد.
نتيجة لذلك، فإن الصورة في الولايات المتحدة تبدو قاتمة للغاية. لقد فشلت خطط الثورة الخضراء في إيران. فشلت خطط دعم المعتدلين الذين يتباكى عليهم الليبراليون الأميركيون اليوم. فشلت خطط إعادة الاتفاق النووي بشروط مواتية للولايات المتحدة. وبالتالي، سيتعين على أميركا إما أن تغيّر نهجها بشكل جذري تجاه السياسة الإيرانية، وإما أن تراقب مجدداً، وبشكل سلبي، كيف أن إيران تعزز موقعها في الشرق الأوسط.. كل ذلك لأن الأميركيين لم يتعلموا من أخطائهم.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  عندما ينسف "الجنرال" جمهوريته.. بالحوار!