“.. وسوف يسهل من انتشار الجائحة ما يحدث الآن من سرعة الانتقال والسّفر، حتى أنّ الوباء قد ينتشر عالميًا في ظرف ساعات.. على أن العلماء يخشون من أنّ جائحة الوباء التالي التي تهدّد العالم قد تنبثق عن فيروس غير معروف ولكنّه يكمن في عائل خازن (حيوان) متربصًا لوجود الظروف الملائمة لانتشاره وانتقال العدوى للإنسان. مثال ذلك فيروس الكورونا (الإكليل)” (مقتطف من كتاب: الفيض- الجزء الأول، ديفيد كوامان، عالم المعرفة 2014، صفحة 10).
من دلتا إلى لامدا.. ماذا يحدث؟
هذه المرة أتانا متحوّرٌ جديدٌ لفيروس كورونا حجز لنفسه حرف لامدا (حرف L بالأبجدية اللاتينية)، وهذا المتحوّر الأجدد نتاج نظام صحي مهترئ في البيرو وانتشار واسع للفيروس في هذا البلد الأميركي، ناهيك عن البطء الشديد في عملية التلقيح، ما يحيلنا دائمًا إلى الفرضية القائلة إنّ أي تساهل في الإجراءات الوقائية سيضعنا مجددًا أمام الأخطار.
الفيروس الجديد ينتشر اليوم، بحسب منظمة الصحة العالمية، في 29 بلدًا وينافس المتحوّر دلتا على الصدارة، فالطفرات في هذه الفيروسات تسببت في زيادة قدرتها على التمسك بخلايا جسدنا وبالتالي الانتشار بسرعة أكبر ونشر العدوى بوقت أقل فبعد أن كانت المخالطة سابقًا تستلزم الوجود في نفس المكان لأكثر من 10 دقائق، اليوم، ومع هذه المتحوّرات، تتحدث الدراسات عن ثوانٍ قليلة لا أكثر.
اللقاحات
ما يطمئن في كلّ ما يجري أنّ هذا ديدن الفيروسات أولًا واللقاحات لا زالت تغطي بنسبة لا يستهان بها المتغيّرات الجديدة ثانيًا، والأجسام المضادة التي ينتجها جهاز مناعتنا كمًا ونوعًا لا زالت تتصدى بشكل فاعل، على الشكل التالي:
# | اللقاح | نسبة الفعالية | |
الفيروس ألفا | الفيروس دلتا | ||
1. | فايزر | 98% | 84% |
2. | أسترا زينيكا | 98% | 92% |
3. | سبوتنيك V | 92% | 88% |
4. | سينوفارم | 65% | أقل من 30% |
بعض الأرقام في الجدول أعلاه مطمئنة وبعضها مقلق (أرقام سينوفارم على سبيل المثال)، ولكن أكثر ما يدفع للخوف أنّه مع كلّ تغيير أو تحور للفيروس ندفع أحد أهم الانجازات العلمية خلال السّنة الفائتة نحو الفشل ونعيد البشرية قولًا وفعلّا للنقطة صفر في المواجهة مع فيروس كورونا.
كوكتيل اللقاحات
في الآونة الأخيرة كذلك ظهرت فكرة في عدد من الدول بعد اكتشاف عدد من العوارض الجانبية لبعض اللقاحات تقضي بتنويع الجرعات، أي أن يأخذ الشخص الجرعة الأولى من لقاح والثانية من لقاح آخر وبالفعل خضع الأمر لعدد من الدراسات وكان الهدفان الأساسيّان من خلف هذه التجارب بالإضافة لما سبق:
- الحصول على تغطية أفضل للمتغيّرات الفيروسيّة وبالتالي زيادة نسبة الحماية.
- التخلص من مشكلة النقص في إمدادات اللقاحات (في حال حصلت).
وبالفعل أكّدت بعض الدراسات التي أجريت في الاتحاد الأوروبي أنّه يمكن الاعتماد على هذه الوسيلة لتحقيق الأهداف السّابقة ولكن مع التحذير أنّ هذا الأمر لا يمكن أن يعود الأمر فيه لمتلقي اللقاح بل للسلطات الصحية.
لبنان والباب المفتوح
في العالم وكذا في لبنان الأبواب مشرعة أمام خريف سيكون قاسيًا جدًا على اللبنانيين والمقيمين على الأرض اللبنانية، حسب ما يبدو من كلّ الإشارات الوبائية، فمنظمة الصحة العالمية اعتبرت نهائي بطولة أوروبا في كرة القدم على سبيل المثال أمرًا محبطًا للغاية لناحية الحضور الجماهيري في الملاعب، فكلّما قطعنا شوطًا نحو نهاية الجائحة أعدنا بأيدينا عقارب السّاعة إلى الوراء.
وعليه، تتزايد أرقام الإصابات بشكل كبير وبنسب مخيفة وذلك لسبب أساسي واحد يلخص بكلمتين: المطار المفتوح، فوصول المغتربين اللبنانيين يحمل معه الانفراج الاقتصادي لعائلاتهم من جهة والضربة الوبائية الكبرى من جهة ثانية، ففي بعض المحافظات اللبنانية تصل نسبة الزيادة الأسبوعية لأكثر من 100% لا سيّما في بيروت وجبل لبنان وهذا ما يدفع للسّؤال عن الأيام القادمة، فإلى أين المسير، وخاصة إذا أخذنا في الحسبان:
- القطاع الصحي على شفا الانهيار التام لناحية عدم وجود الأدوية وقدرة المستشفيات الاستيعابية التي تتضاءل يومًا بعد يوم لا بسبب الاصابات بل لأسباب مالية!
- الوضع الاقتصادي والمالي الضاغط على الشعب الذي يدفع بأيّ مصاب اليوم للمكابرة والذهاب إلى العمل كي لا يخسر بدل اليوم الذي لم يعد يسدّ حاجة يومية.
- الخدمات المتردية يومًا تلو الآخر، ففي الأسبوع الأخير ألغت وزارة الصحة أيامًا مفتوحة للتلقيح بسبب الانقطاع العام للكهرباء وبالتالي الانترنت.
- أسعار الأدوية التي تضاعف بعضها أكثر من 4 مرات بعد رفع الدعم عن جزء كبير منها.
المشكلة الحقيقية اليوم في لبنان عدم وجود مكان في يومياتنا للتكلّم عن هذا الخطر، ولكن رغم ذلك يجب التعامل مع الأمر بالطريقة المناسبة والأفضل وخاصة أنّه في القادم من الأيام قد لا يكون أي إقفالٍ مجدٍ، ببساطة من سيقفل بعد؟
ولكن من الممكن تدارك الكارثة التي قد تقع مع بدايات فصل الخريف المقبل إذا ما تمت المقاربة لجهة أن صحة المقيمين هي مهمة أكثر من سيل الدولارات الطازجة وذلك عبر:
- إعادة تكثيف حملة التلقيح وخاصة لإنهاء كلّ الشريحة الأكثر عرضة للعوارض الشديدة والمميتة.
- تشديد الإجراءات الصحية، لا سيّما في مطار بيروت وباقي الممرات البرية والبحرية الحدودية، فضلًا عن فرض إجراءات صارمة في أماكن التجمع والسّهر المكتظة في الآونة الأخيرة في العديد من المناطق.
- إعداد أرضية مناسبة في المستشفيات وتجهيزها مسبقًا للموجة القادمة لناحية الأوكسجين والأدوية اللازمة، وكذا تنسيق الأمر مع البلديات القادرة التي قامت في الفترة الماضية بتوزيع بعض هذه الأجهزة على المرضى.
أخيرًا؛ لا يسعنا القول إلّا أنّ الإجراءات الشخصية هي التي أنقذتنا في بداية الجائحة وهي التي ستدفع عنّا كلّ ضرر اليوم: الكمامة والتباعد برغم تقارب الناس من بعضها البعض.
الموجة الرابعة على الأبواب، فلنجعلها الأخيرة.