رفيق وسام.. أحسبها مزحة منك  

رفيق.. كلمة أسمعها منذ الطفولة، لكن لم أشعر بأهميتها إلا عندما عرفتك قبل أكثر من 10 سنوات. أتذكر عندما اعتقد سائق التاكسي في القاهرة أن أسماءنا نحن الإثنين "رفيق" و"رفيق"، من كثرة تردادها بيننا خلال أقل من ربع ساعة، مسافة السكة من وسط البلد لشارع الأزهر!

كنّا حينذاك في طريقنا لتناول الحمام المحشي عند فرحات بحي الحسين بعد أن خذلنا – في هزيع الليل الثالث – شلبي الجمهورية في باب اللوق، المطعم الذي يكون عادة أول محطاتك بعد مطار القاهرة. وهيهات منا الانشغال عن طلعة للبرنس بإمبابة لكي نستيقظ مبكراً لتحرير مواد عن حروب مشتعلة لا تقل ضراوة عن الحرب التي أعلناها في ليلتنا هذه: الحرب على الدايت!

“القاهرة تقتل”.. هذا الكيلشيه رفضته أنت وسخرت مني بشكل لاذع عندما ردّدته أمامك بعد أن اخبرتك قبل 5 سنوات أنني سوف أترك القاهرة وأعيش في منفى صحراء سيناء، احتجاجاً على الخيبات المتتالية والمزمنة، لكنك كنت تقطع شرحي وتبريري واستغراقي في الدراما بقولك: “رفيق خف مني شوي.. أنا نفسي بفكر أجي أعيش بالقاهرة”.. لم تأت فرصة لأخبرك بعدها أن زياراتي للقاهرة أثناء أيام تواجدك بها للتسكع معك ومع الأحباب في شوارعها حتى ساعات الفجر الأولى، هي بداية مصالحتي معها تدريجياً.. هذا جانب من أفضالك الخفية.

“المصري الأخير في بيروت”

أتذكر في المرة الثالثة أو الرابعة التي التقيتك فيها بالقاهرة بعد أن صرنا أصدقاء، دهشتك الممزوجة بفرح طفولي بلقب “المصري الأخير في بيروت”، بينما كنت أعرّفك إلى أصدقاء جُدد أو العكس.. لا أذكر بالتحديد، وكيف إخترت لك هذا اللقب من وحي حكاياتك المصرية في بيروت، وخاصة مع العاملين في محطات الوقود وكيف كنت توحي إليهم بأنك مصري “متلك متلهم”، ورهانك أنهم لن يكتشفوا أمرك. نسيت أن اسألك بعد أن طالت ساعات انتظار “تفويل” الوقود مؤخراً: هل كشفك أحدهم؟.. أشك في ذلك. ليس لبراعتك في العامية المصرية بلهجاتها وإفيهات أفلام مصر ومسرحياتها، ولا لعلم مصر الذي وضعته في سيارتك، ولكن ببساطة لأنك الويسْ، المتمكن دائماً مما يفعله، سواء كان تحليلاً وتشريحاً لمشهد دولي أو إقليمي، أو بتقديم نفسك مصرياً أكثر من المصريين أنفسهم. ما زلت أذكر كيف كنت تصحح معلومات خاصة بمصر – بتواضع – لي ولزملاء وأسماء مصرية في السنوات الأخيرة.

فوتنا بالحيط.. وكسرناه

  • “يا ويسّْ إلحقني أنا فايت بالحيط!
  • ومالو رفيق.. كسّر أمو وفوت باللي بعده ولا يهمك”

بعد 4 سنوات أو أكثر من أول لقاء في عام 2011، جاء الشغل ليسرق شيئاً من مساحات كانت مخصصة للسينما والطعام والسفر والتاريخ وتبادل الميمز والضحك ونوادر الأغاني وعناوين الكتب. مساحات كنا نلجأ إليها بعيداً عن توتر مزمن مصاحب لمن يشتغلون بمهنة البحث عن المتاعب، ونتحايل أحياناً عليها بإعادة اكتشاف الفنان مُحيي إسماعيل ورح إعملك لقاء معو في زيارتك القادمة للقاهرة، باعتباره مثال أعلى للي زي حالتنا!

كل مادة أكتبها كنت واثقاً أن وسام عندما يُعيد تحريرها ستصبح جميلة ورشيقة مثله. هذا وحده ضوء أخضر لكي أفعل ما كان ينهاني عنه باستمرار، “متعملش زي يوسف شاهين. عاوز تقول كل حاجة في الحياة في فيلم ساعتين ولا مقال 1000 كلمة”..  لكن حرصك على أن تظل علاقتنا كأصدقاء أكثر من زملاء عمل كان هو ما يجعلك “تمرقها لي”.

من همومنا المشتركة كزملاء – أستاذ وتلميذ للدقة – في السنوات الأخيرة، هو أن نستمر في ما نقوم به مهنياً دون السقوط في أوحال الاستقطاب الذي حوّل الصحافة إلى علاقات عامة وحتى شخصية، وشلل ودوائر وانحيازات تتكون حسب الطلب والقيمة المدفوعة

رئيس جمهورية نفسه

طبعاً أنت كذلك!

لم أعرف أحداً في مهنتنا هذه، وقلائل في حياتي عموماً، سواء في القاهرة أو بيروت، يصدق عليه هذا الإفيه السينمائي أكثر منك، خاصة منذ أن اعتمدته أنت كمسمى ثانٍ لك على حسابك على الفايسبوك؛ فناهيك عن أن شخصيتك وطباعك وطريقتك المرحة والساخرة التي يعرفها أحباؤك جيداً في التعاطي مع فساد الأمكنة وانحدار المهنة، تخفي خلفها صلابة في انحيازك لمبادئ شخصية ومهنية نادراً ما تمسك بها أكثر المرددين لها على مدار الساعة، حتى باتت وظيفتهم تردادها والزعق بها دون تطبيقها عملياً ولو من باب خزي العين!

ولكن دعنا من “أولاد الأفاعي” و”جماعة الثورة حسب الطلب”، كما كان يحلو لك أن تصفهم.. أذكر أن من همومنا المشتركة كزملاء – أستاذ وتلميذ للدقة – في السنوات الأخيرة، هو أن نستمر في ما نقوم به مهنياً دون السقوط في أوحال الاستقطاب الذي حوّل الصحافة إلى علاقات عامة وحتى شخصية، وشلل ودوائر وانحيازات تتكون حسب الطلب والقيمة المدفوعة، وخاصة أن جورنالجية الشؤون العربية والدولية أكثر المتعرضين لإغراءات هذا الاستقطاب والعيش على استمراره، حتى وإن كانوا دون المستوى، فما بالك وأنت مَعلم – بفتح الميم – كار، لم تتكلس أدواتك التي طوّرتها من الإلمام الكامل بالصحافة الورقية إلى الإلكترونية، وما يلزمها من معرفة وإجادة للتصوير بأنواعه والمونتاج والأرشفة والتحرير والتعامل مع السوشيل ميديا والبودكاست وغيرها ممن كان وما يزال “الميديوكرز” يندهشون لإجادتك لها ودأبك على تطبيقها في عملك وخاصة في “بوسطجي” و”المسكوبية”!

إقرأ على موقع 180  اللبنانيون في مواجهة إكتئابهم الجماعي، هل من طوق نجاة؟

بالمناسبة، يا جنرال/سيادة اللواء/ قومسياري المفضل، وكصدفة لا يستطيع عقلي “الكهروهوائي” – كما سمّيته مرة – إغفالها، فإن يوم رحيلك هو ذاته يوم رحيل الفنان محمد شرف، صاحب الإفيه المفضل لك، وكذلك يوسف شاهين!

وينك يا رفيق؟

رسالتك المعتادة لي في أي وقت كبداية لحديث قد يمتد لساعات وأيام.. كلمة غيرت إسمي الماضي وصنعت لي إسم “رفيق”.. يا رفيق!

أعتذر منك لأنني لأول مرة لا أعمل بنصيحتك تجاه خطورة الإنكار. “لا تجرب تنكر لتتعود وتصير متل أسعد خرشوف لما جودة بيسرق دجاجاته ويعمل حالو نايم”.. لقد جرّبت الإنكار معك ومع الأخبار التي جاءتني من أسبوعين من بيروت. عقلي يرفض وما زلت أرسل لك ميمز وفيديوهات وإفيهات وأسئلة لا تقنعني أي إجابة عنها إلا إجابتك أنت.. وأنتظر ردك.. لماذا لا ترد؟!

احتمالية غيابك ولو لأسبوع بحجة المرض يرفضها عقلي، فما بالك بما تبقى من العمر.. يعزُ عليّ أن أفعل ما اقترحه محمود (مروة) وعبدالرحيم (عاصي).. أن أشارك في تأبينك أنت! لكن هذه قصة أخرى سأرويها لك على جنب حين نلتقي.. وأعلم أن هذا قريب جداً.. سأعاتبك عندما أراك على هزارك الثقيل الذي لم اعتده منك!

حتى الأن أحسبها مزحة منك أو حركة من حركات “التمويه الأمني” الساخرة الخاصة بك. سأخبرك عندما نلتقي عن هذا الوجع الذي سبّبته أخر “حركاتك” لقلبي ولقلوب الأحباء.. لتسخر منّا وتطالبنا بالكف عن الاستغراق في الدراما.. ولكن أي دراما تثقل القلب أكثر من تلك التي أنعيك فيها يا رفيق من دون أن أكون بجانبك!

Print Friendly, PDF & Email
إسلام أبو العز

كاتب صحافي ومحلل مختص بالشؤون الإقليمية والعلاقات الدولية - مصر

Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  اللبنانيون في مواجهة إكتئابهم الجماعي، هل من طوق نجاة؟