ماكرون في العراق.. دعماً للإستقرار الإقليمي

ما هي أبعاد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى العراق التي تبدأ اليوم (الجمعة) وما هي اهداف القمة الاقليمية لدول الجوار التي تستضيفها العاصمة العراقية، بعنوان "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، غداً (السبت) بمشاركة ماكرون؟

ترتدي زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بغداد، وهي الثانية له في أقل من سنة، اهمية خاصة بتوقيتها وأبعادها.

أولاً، التوقيت: تأتي هذه الزيارة في ظل تحديات داخلية عراقية متعددة ومع حصول متغيرات دولية واقليمية (مساعي التقارب بين دول الجوار، وصول رئيس ايراني جديد، الانسحاب الأميركي من افغانستان إلخ..).

ثانياً، الأبعاد: اعطت الأوساط الرئاسية الفرنسية ثلاثة أبعاد لهذه الزيارة. البعد الأول ثنائي مع هدف مزدوج ألا وهو تعزيز دور العراق “المحوري والمفصلي” وجهوده لارساء السيادة وتفعيل التعاون المشترك في مختلف الصعد. البعد الثاني اقليمي لجهة دعم مساعي الحوار والتقارب وتدعيم الاستقرار بين دول الجوار. البعد الثالث أشمل ويتعلق بالتصدي للارهاب واحترام حقوق الانسان وخصوصا النساء اضافة الى صون وجود الاقليات.

ثالثاً، الدور: تشير الاوساط الرئاسية الفرنسية الى رغبة باريس في التشديد على الاهمية السياسية للزيارة. صحيح ان فرنسا تطمح الى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية والنفطية وتفعيل التبادل مع العراق على مختلف الصعد، الا انها تعطي الاولوية لمواضيع التعاون السياسي والتنسيق الاستراتيجي مع بغداد وتأكيد حضور فرنسا الفاعل والحيوي في هذه المنطقة من العالم. وفي اشارة لهذا التوجه، فان تشكيل الوفد المرافق لماكرون خلا من رجال المال والاعمال وضم فقط شخصيات ديبلوماسية (وزير الخارجية) ونيابية (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) ودينية (مسيحيو الشرق) وثقافية (معهد العالم العربي) ومدنية (الناشطة الايزيدية ناديا مراد الحائزة على جائزة نوبل للسلام). كما ان برنامج زيارة الرئيس الفرنسي التي تمتد لثلاثة ايام يشمل بغداد واربيل والموصل وعقد لقاءات متنوعة، سياسية (شيعية وسنية وكردية) ودينية (مسيحية وايزيدية) وشبابية، كل ذلك يدل على رغبة باريس في تعزيز علاقات التعاون مع مختلف مكونات المجتمع العراقي وصون التعددية في هذا البلد.

وماذا عن قمة الجوار التي تستضيفها بغداد غداً (السبت)؟

توضح الأوساط الرئاسية الفرنسية عدداً من النقاط:

الأولى؛ ان فرنسا هي شريكة في المبادرة الى اطلاق فكرة عقد هذه القمة الاقليمية لدول الجوار العراقي، كما أن الدعوة التي وجهتها بغداد الى الدول المعنية تشير صراحة الى انها تأتي “بالتعاون والتنسيق مع فرنسا وبحضور رئيسها”. وماكرون هو الرئيس الاجنبي الوحيد من خارج دول المنطقة الذي سيشارك في أعمال القمة التي تستضيفها العاصمة العراقية.

الثانية؛ فرنسا تعتبر انها معنية مباشرة بما يجري في هذه المنظقة من العالم نظراً لقربها الجغرافي وارتباطها بأمنها القومي.

الثالثة؛ مكافحة الارهاب والتصدي لانشطة تنظيم “داعش” ومنع عودته مجدداً (نموذج تفجيرات كابول سيلقي بظلاله أيضاً) اضافة الى خفض التوتر الاقليمي ودعم الاستقرار من خلال تعزيز التقارب وتوسيع مساحة الحوار بين دول المنطقة، هذه الاهداف التي تسعى اليها الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي تحظى بدعم “كامل” ومساندة “واضحة” من الحكومة الفرنسية.

الرابعة؛ التوجه المميز للحكومة العراقية برئاسة الكاظمي بإتباعها “ديبلوماسية متوازنة” و”سياسة نأي بالنفس في مواجهة ضغوط خارجية (اميركية) وتدخلات اقليمية (ايرانية)”، وهذا التوجه يحظى بدعم “قوي” و”مباشر” من ماكرون الذي عبر عن التزامه بالدفاع عن هذه السياسات في اكثر من مناسبة وتأييده لها وذلك منذ زيارته الاولى لبغداد في ايلول/ سبتمبر 2020، كما خلال زيارة الكاظمي الى باريس في تشرين الاول/اكتوبر 2020.

الخامسة؛ سوريا ستكون الغائب الأكبر عن هذه القمة الاقليمية ويبدو ان فرنسا عارضت مشاركتها اضافة الى تحفظ اكثر من دولة او جهة معنية.

السادسة؛ لبنان سيكون حاضراً ليس من خلال مشاركته المباشرة (لم توجه الدعوة اليه) بل من خلال استمرار الاهتمام الخاص والمميز لكل من باريس وبغداد للحيلولة دون المزيد من تدهور الاوضاع في هذا البلد، كما تردد أوساط رئاسية فرنسية.

ماذا عن شروط نجاح هذه القمة الاقليمية؟

ترى الاوساط الفرنسية ان مجرد انعقاد هذه القمة في مثل هذه الظروف يعتبر نجاحاً، الا ان المراقبين ينتظرون معرفة من هي الدول التي ستشارك وخصوصاً مستوى ونوعية تمثيلها، اضافة الى اللقاءات الجانبية التي ستعقد على هامشها والنتائج العملية التي ستسفر عنها.

وتشير الاوساط إلى ان اهمية هذه المبادرة تبقى في انها تشكل “الخطوة السياسية العلنية الاولى التي تمهد لقيام تواصل اقليمي وحوار جدي يضع التقارب مكان التباعد، التعاون مكان التصادم، التهدئة مكان التوتر والاستقرار مكان المواجهة”.

ومع إنتهاء قمة دول الجوار، يتوجه ماكرون الأحد المقبل إلى إقليم كردستان حيث سيلتقي الزعيم الكردي مسعود بارزاني، ثم إلى مدينة الموصل حيث سيحاور طلاباً عراقيين ويلتقي “شخصيات  عراقية مؤثرة” قبل أن يظهر دعمه لمسيحيي الشرق بزيارة كنيسة سيدة الساعة. كما سيزور موقع إعادة إعمار مسجد النوري الذي دمره تنظيم “داعش”. في هذه المحطات سيعيد ماكرون التذكير بموقف فرنسا الداعم لمكافحة الإرهاب، علماً أن باريس تقدم دعما عسكريا ولا سيما جوياً للعراق، فضلاً عن وجود حوالي 600 ضابط وجندي فرنسي على الأرض العراقية.

إقرأ على موقع 180  الإنهيارات اللبنانية ستتسارع.. بلا ضوابط داخلية أو خارجية!

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  فرنسا تخسر مواقعها في الساحل الإفريقي.. لغير مصلحة واشنطن