حبل الكذب قصير إلا.. في لبنان

هي قصة وجدتُ أنها اكثر من رائعة وأنها تحاكي بشكلٍ دقيق ما عاشه ويعيشُه الشعب اللبناني حتى اليوم من "حفلة تكاذب مستمرّة" منذ اكثر من ٣٥ سنة. بين مَن ومَن؟

من جهة، هناك اركان سلطة فاسدة مُفسدة لا يفقهون شيئاً من امور الإقتصاد والمال والنقد او هم يفقهون ولكنهم خططوا واحتالوا على هذا الشعب لسرقته ونهبه فأكلوا الأخضر واليابس في هذا البلد. ومن جهة مكملة، هناك حاكم لبنان الفعلي “والي الباب العالي” رياض سلامة واعوانه في المجلس المركزي وعصابة اصحاب المصارف وجمعيتهم وحيتان المال وكبار المتموّلين والتجّار واصحاب الوكالات الحصرية ومتعهدي مشاريع القطاع العام وناهبي الخزينة على انواعهم.

هي جريمة العصر التي لا توصف والتي لم يُرتكب مثلها جريمة في تاريخ البشرية لأنها طالت ما يزيد عن خمسة ملايين مواطن مقيم ومغترب، ناهيك عن أموال مواطنين عرب. كل هؤلاء لم يتمكن احدهم من ربح ولو دعوى واحدة تجاه الجناة المعروفين بالأسماء والمراكز والعناوين، ما خلا بعض القضايا التي لا تتعدى عدد اصابع اليد الواحدة، والتي ردّها القضاء او اوقفها في ما بعد لأن معظم القضاة، هم شركاء لإرتباطهم بسلطة الوصاية السياسية التي عيّنتهم واوصلتهم الى هكذا مراكز عن طريق المحاصصة.

واذا دخلنا تفصيلياً في خفايا الأمور نعرف ونفهم جيداً ان كذبهم ونكرانهم  للوقائع الدامغة كان مدروساً بعناية مُتقنة وان خطتهم كانت تهدف الى سرقة المواطن الفقير والمزارع والفلاح والصناعي والتاجر والمعلم والمحامي والطبيب والعسكري والمتقاعد وكل مواطن في هذا البلد من خلال خطة خبيثة اوهمت الجميع ان الوضع بألف خير وكذلك الإقتصاد والليرة.

تقول الحكاية إن ّزعيم الهنود الحمر في قصتي المنقولة هنا من “الأدب الأميركي الجنوبي” هو رياض سلامة الذي كان يُعطي رجالات السلطة “النشرات الدورية” و”الأخبار المُطمئنة” عن ان الوضع المالي والنقدي في لبنان طيلة الـ ٣٥ سنة الماضية كان دوماً بألف ألف خير وانه كان يبهرهم طيلة كل تلك الفترة بكثرة الجوائز والنياشين والشهادات الدولية التي كانت تُقدّم له.

ولكي تكتمل فصول جولة التكاذب المتبادل، لا بد من شركاء خارجيين فاسدين مستفيدين يسمسرون للوالي بعض تلك الجوائز لغايات في نفس يعقوب الأميركي والاوروبي المتأمر وشريك السلطة الفاسدة والحاكم بأمره وجمعية المصارف في جريمتهم النكراء، وهذا ما يشرح سرّ هذا الدعم الأميركي والغربي اللا محدود للوالي الأعظم الذي سقطت كل محاولات ابعاده رغم كل الشبهات التي تدور حوله، لا بل مُنع المساس به وبموقعه، وملفات الفساد التي فتحت له في سويسرا وبريطانيا وفرنسا ماطل القضاء اللبناني وتلكّأ في التجاوب معها وصولاً إلى محاولة تطييرها او تجميدها.

ما أشبه الأمس باليوم وما أشبه حالنا بحالهم. هذا هو تحديداً ما حصل معنا بالتمام والكمال عندما سلّمنا أمورنا الى رياض سلامة والطغمة الفاسدة في لبنان: فسلامة كان يكذب على الدولة والشعب ويقول للجميع “الليرة اللبنانية بخير. إجمعوا الحطب لأن الشتاء سيكون قارساً للغاية”

وأما الأرصاد الجوية في قصتي فهم السلطة الحاكمة بعديدها وعدّتها وكلّ رجالها وأدمغتها من مجلس وزراء، ووزارء مالية، وإقتصاد ونوّاب ولجان  مال وموازنة وعدل وغيرها وغيرها والكلّ كان يكذب على الكلّ. كذلك اصحاب المصارف الذين كانوا يعلمون علم اليقين ان الدولة مُفلسة وانها لن تكون قادرة على دفع ديونها وانها لا تقوم بأقل الواجبات من موازنات وقطع حسابات وما الى ذلك… وبرغم ذلك فقد استثمروا الأموال الطائلة في الدين العام واقرضوا الدولة من اموال المودعين مع علمهم المسبق ان هكذا طبقة حاكمة كانت تهدر وتسرق وتسمسر وتقوم بالصفقات وان لا هم لها سوى حلب البقرة الحلوب المتمثّلة بخزينة الدولة وكل مقدرات البلاد والعباد.

رياض سلامة كان يكذب على الناس كما كان زعيم الهنود الحمر ويُطمئنهم ان “الليرة بألف خير” وأن الوضع تحت السيطرة ولا خوف على البلد ويُكذّب اخبار “الإنهيار الوشيك” الذي نعيشه منذ  سنوات، وكان يُبلغ رجالات السلطة بهذه الأقاويل والأكاذيب.. والسلطة كانت تُطمئن الناس بإعتمادها على اقاويل الحاكم بأمره الذي كان يتبادل الكذب والنفاق مع لصوص السلطة واركانها.

ولعل في العودة إلى القصة الام إيضاحٌ وتفصيلٌ لما سبق وذكرتُه آنفاً:

ففي صندوق الحكايا يُروى أنه كانت هنالك قبيلة من الهنود الحمر، تعتاش مع زعيمها بسلام في احدى غابات الأمازون في البرازيل، وفي يوم من الأيام  وفي محاولة للتنبؤ بحالة الطقس في السنة القادمة قرّروا أن يسألوا زعيمهم: هل سيكون الشتاء القادم بارداً أم معتدلاً؟

وكي يثبت الزعيم الجديد رصانة توقّعاته وحكمته وبراعته برغم جهله المُفرط بتوقّعات الطقس وبعلوم الأحوال الجوية وتطوّر احوال المناخ! أجاب مُرتجلاً ودون اي تفكير ولكن بحذر شديد: اعتقد ان الطقس سيكون بارداً، إبدأوا بجمع الحطب للتدفئة!

وبعد فترة وجيزة، أراد الزعيم التيقّن من صحّة توقّعاته، فإتصل بهيئة الأرصاد الجوية في منطقته وسأل الموظّف الإداري المسؤول: هل سيكون الشتاء القادم بارداً؟ فأجابه الموظف في مركز الأرصاد دون تردّد ايضاً: نعم سيدي سيكون الطقس بارداً جداً.. فجمع الزعيم رجال قبيلته من جديد وقال لهم: اعتقد ان الشتاء القادم سيكون أكثر من بارد، فأجمعوا كل ما تصل إليه أيديكم من الحطب.. وهكذا فعلوا لكي يتحضّروا للبرد القارس.!

إقرأ على موقع 180  مراهم الهدنة غير كافية.. ونار الإقليم قابلة للإشتعال

وبعد فترة أراد الزعيم الكبير وصاحب الحلّ والربط في القبيلة التأكّد مرّة اخرى من أن التوقّعات لم تتغيّر، فعاد واتصل بموظف الأرصاد الجوية ليطرح عليه السؤال ذاته؛ فأجابه الموظف وبكل ثقة ودون اي تردّد: سيكون مرعباً في برودته يا سيدي.. برودة لم تعرف البلاد مثيلاً لها في تاريخها. سأله الزعيم وكيف تعرف ذلك وما كانت الأدلّة والعلامات التي جعلتك تتوقّع هكذا قساوة سيأتي بها الشتاء القادم؟

 فأجابه الموظف: لأن كل الهنود الحمر يجمعون الحطب بجنون منذ أكثر من شهر.

ما أشبه الأمس باليوم وما أشبه حالنا بحالهم. هذا هو تحديداً ما حصل معنا بالتمام والكمال عندما سلّمنا أمورنا الى رياض سلامة والطغمة الفاسدة في لبنان: فسلامة كان يكذب على الدولة والشعب ويقول للجميع “الليرة اللبنانية بخير. إجمعوا الحطب لأن الشتاء سيكون قارساً للغاية”.

واهل الحلّ والربط في لبنان كانوا يطمئنون الشعب ويخدّرونه ويسكّتونه ويلجمونه بحجّة ان رياض سلامة كان قد قال لهم ما قاله من اكاذيب واضاليل دون اية دراية بالأمور الإقتصادية والمالية والنقدية.

هكذا وقعنا ووقع معنا مستقبلنا وآمالنا وطموحنا وقمحُ جبينِنا على الأرض لأن حكوماتنا كانت تُشاهد مسرحيات رياض سلامة وتطميناته للشعب بأنِ اجمعِ الحطب..

وهكذا طارت الودائع ونُهب كل شيء بين كذب هذا وذاك.. والأنكى من ذلك ان جميعهم لا يزال حتى اليوم يكابر ويحتال ويكذب على هذا الشعب المسكين ان ودائعكم لا زالت محفوظة وهي في امنٍ وامان وهي مقدّسة ومُطهّرة وسنعيدها إليكم خلال بضع سنوات لكن امهلونا قليلاً واصبروا معنا قليلاً واجمعوا الحطب بكثرة خلال فترة الإنتظار هذه!

وتستمرّ حفلة الكذب والجنون بعد ان اوصلونا الى قعر جهنم واشعلوا تحتنا كل العشب اليابس والحطب الذي جمعناه طيلة اكثر من ٣٥ سنة؟!

قيل بأن حبل الكذب قصير، الا في لبنان..؟

صحيح أن بالنا طويل وطويل وطويل لكن يبدو ان حبل الكذب لدى من تسلطوا على أموال الناس أطول.

لكن بالنا لن يطول أكثر وما مات حق وراءه مطالب.

Print Friendly, PDF & Email
د. طلال حمود

رئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  القضية الفلسطينية.. حاضرة رُغم كل العقبات