“حركة ترامب” تتقدم ومعها التسلُح.. الفوضى الأميركية آتية!

منى فرحمنى فرح28/09/2021
"تتجه الولايات المتحدة إلى أكبر أزمة سياسية ودستورية منذ الحرب الأهلية، مع وجود مؤشرات وفرص غير قليلة لأن تشهد السنوات الثلاث إلى الأربع المقبلة حوادث عنف جماعي، وانهيار السلطة الفيدرالية، وتقسيم البلاد إلى جيوب حمراء وزرقاء متحاربة". هذا ما يراه المؤرخ والكاتب الأميركي روبرت كاغان(*) في مقالة رأي ـ صرخة نشرتها صحيفة "الواشنطن بوست"، بعنوان "أزمتنا الدستورية واقعة بالفعل".

 يستعرض الكاتب روبرت كاغان في مقالته بعض إشارات التحذير التي يقول إنه ينبغي أن لا يشك أحدٌ في احتمالات تحققها، برغم وجود ما قد يحجبها في الوقت الحالي مثل جائحة كورونا والوضع الاقتصادي والأزمات العالمية. ومن هذه الإشارات:

أولاً، سيكون دونالد ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة في عام 2024، فكل الآمال والتوقعات التي قالت إنه سيختفي عن الساحة ويتلاشى نفوذه كانت وهماً. فترامب اليوم يحقق تقدماً كبيراً في استطلاعات الرأي؛ ويعمل على تأسيس حملة ضخمة للتصدي لأي حرب مستقبلية ضده؛ بينما يبدو الحزب الديموقراطي ضعيفاً. وما لم تحصل له أية مشاكل صحية تعيقه فهو ماضٍ في ترشيح نفسه.

ثانياً، يستعد ترامب وحلفاؤه الجمهوريون لضمان الفوز وبأي وسيلة كانت. ويخططون للطعن في أي نتائج انتخابات مستقبلية لا تصب في مصلحتهم، وبنفس سلاح الاتهامات بالتزوير التي طالت انتخابات 2020.

ثالثاً، لقد أفسحت جهود حركة “أوقفوا السرقة”، التي أُطلقت في عام 2020، المجال لحملة منظمة في جميع أنحاء البلاد لضمان أن تكون لترامب ومؤيديه السيطرة الكاملة على مسؤولي الانتخابات المقبلة. فالمسؤولون الجمهوريون، الذين أنقذوا البلاد من كارثة كانت محتمة، برفضهم الكذب بشأن وجود تزوير والإقرار بالعثور على المزيد من الأصوات لصالح ترامب، يتم عزلهم الآن من مناصبهم أو مطاردتهم بشكل منهجي..

الفوضى آتية

يرى كاغان أن المسرح الأميركي اليوم مهيأ لتعم فيه الفوضى غداً، لا سيما إذا ما إندلعت احتجاجات جماهيرية متوقعة عبر الولايات، وبدأ المشرعون- من كلا الحزبين- يدّعون النصر ويتهمون الطرف الآخر بارتكاب مخالفات غير دستورية للاستيلاء على السلطة. وهنا يتوقع الكاتب أن يكون الحزبيون من كلا الجانبين أفضل تسليحاً وأكثر استعداداً لإلحاق الأذى بالآخر مما كانوا عليه في العام 2020.

إذا ما حصل مثل هذا السيناريو، فإن الرئيس جو بايدن، بحسب كاغان، لن يكون باستطاعته الاستنجاد بالحرس الوطني أو فرض قانون الطوارئ، “لأن أي استخدام للقوة من قبل السلطة الفيدرالية سيُدان باعتباره طغياناً. وسيجد بايدن نفسه حيث كان بعض أسلافه (أندرو جاكسون خلال أزمة الإلغاء، وأبراهام لنكولن بعد انفصال الجنوب) يتنقل دون قواعد أو سوابق، ويصدر أحكامه الخاصة حول الصلاحيات الدستورية التي يمتلكها أو التي لا يمتلكها”.

المسرح اليوم مهيأ لتعم فيه الفوضى غداً.. كلا الجانبين أفضل تسليحاً وأكثر استعداداً لإلحاق الأذى بالآخر مما كانوا عليه في العام 2020

ويضيف “حجج اليوم حول التعطيل ستبدو غريبة في غضون ثلاث سنوات إذا دخل النظام السياسي الأميركي في أزمة لا يقدم الدستور علاجاً لها”، محذراً من الإستخفاف بمثل هذا الاحتمال، كما حدث عندما استخفت المؤسسات السياسية والفكرية، في كلا الحزبين، بترامب يوم ظهر على الساحة عام 2015، وبمدى شعبيته وتأثيره على أتباعه، ومدى سيطرته على الحزب الجمهوري؛ ومن ثم قلَّلوا من شأن المدى الذي كان على استعداد للذهاب إليه للاحتفاظ بالسلطة.

شخصية “فريدة”

وبرأي كاغان أن مؤسسي الدستور الأميركي لم يتوقعوا “ظاهرة ترامب”، لأنهم لم يتوقعوا وجود أحزاب وطنية. لقد توقعوا تهديداً ديماغوجياً، لكن ليس تهديداً آتياً من جماعة “تعبد” شخصية تعتبرها “وطنية”. كما أن المؤسسين لم يضعوا ضمانات ضد احتمال أن يتخطى التضامن الحزبي القومي حدود الدولة، لأنهم لم يتخيلوا أن أو يتوقعوا أن أعضاء الكونغرس، وربما أعضاء السلطة القضائية أيضاً، سيرفضون التحقق من سلطة رئيس من حزبهم.

ويشير كاغان إلى أن القرارين اللذين صدرا بعزل ترامب “أظهرا أنه حتى لو كان أعضاء الكونغرس على استعداد للدفاع عن أفعال الرئيس أو تجاهلها لمجرد أنه زعيم حزبهم، فإنه يستحيل تطبيق الإدانة والعزل. في مثل هذه الظروف، فان المؤسسين لم يضعوا أي قيود أخرى ضد اغتصاب السلطة التنفيذية”.

ويوضح الكاتب كيف أن النُقَّاد والمؤيدين، على حد سواء، عجزوا عن فهم شخصية ترامب “الفريدة” في التاريخ الأميركي. فكثيرون يرون أن ترامب يشكل استمراراً، وربما الذروة المنطقية لثورة رونالد ريغان، لمجرد أن أتباعه يتشاركون في وجهات نظر محافظة بشكل أساسي. وهذا، برأي الكاتب، “خطأ”، لأن معظم مؤيدي ترامب يحملون مجموعة من المعتقدات لا يتشاركها بالضرورة جميع الجمهوريين. “فالبعض ديمقراطيون سابقون ومستقلون”. ويخلص إلى أن المشاعر التي تُحرك “حركة ترامب” قديمة قدم الجمهورية، وقد وجدت موطناً لدى كلا الحزبين في وقت ما.

أهم ما يقدمه ترامب هو نفسه.. هوسه الكبير جزء من جاذبيته.. والهجمات التي يتعرض لها لا تؤدي إلا إلى تقوية علاقته بأتباعه

ويضيف أن ما يجعل “حركة ترامب” فريدة من نوعها تاريخياً ليس الشغف وجنون العظمة، إنما حقيقة أن ترامب نفسه بالنسبة لملايين الأميركيين هو “الحل” لمخاوفهم واستيائهم”. وهذه الرابطة بين زعيم وأتباعه “أقوى من أي شيء رأيناه من قبل في الحركات السياسية الأميركية”.

عبادة صورة البطل

ويستدرك كاغان قائلاً، “صحيح أن الأميركيين أثبتوا أنهم محصنون، نسبياً، ضد عبادة صورة السياسي البطل، لكن ترامب مختلف، وهذا أحد أسباب أن النظام السياسي وجد صعوبة في فهمه، ناهيك عن احتوائه”. ويصف العلاقة بين ترامب ومؤيديه بأنها أبعد ما تعبّر عن المصالح والمخاوف المادية. فهؤلاء، كما يقول الكاتب، “مؤمنون بأن الاشتراكيين والأقليات والمنحرفين جنسياً صادروا السلطة واستولوا على المجتمع الأميركي. ويعتبرون مؤسسة الحزب الجمهوري فاسدة وضعيفة وخاسرة (وفق أقوال ترامب نفسه) وغير قادرة على تحدي الهيمنة الليبرالية السائدة. إنهم ينظرون إلى ترامب على أنه قوي وجريء.. الكاريزمية الترامبية منحت ملايين الأميركيين شعوراً جديداً بالهوية، وبأهمية الهدف والتمكين”.

ويضيف الكاتب “أن أنصار ترامب، وعلى عكس منتقديه الذين يرونه نرجسياً ولا يصلح أن يكون من القادة، معجبون بعجرفته وأنانيته المفرطة. يحبونه لأنه يتحدث بالنيابة عنهم من دون أي إحراج”.

ويرى كاغان أن أهم شيء يقدمه ترامب هو نفسه. وأن هوسه الكبير جزء من جاذبيته، والدليل أن الهجمات التي يتعرض لها من قبل النُخب “لا تؤدي إلا إلى تقوية علاقته بأتباعه”. من هنا قوّضت “حركة ترامب” الدور الطبيعي للأحزاب السياسية الأميركية، واستوعبت الحركات السياسية والأيديولوجية الجديدة.. “وحتى الآن لم يتمكن أي جمهوري من تحدي قبضة ترامب على الناخبين الجمهوريين.. لا يزال الأمر كله يتعلق بترامب”.

ويشير كاغان إلى أن “حركة ترامب” لم تبدأ على أنها تمرد، لكنها أصبحت كذلك بعد أن ادعى زعيمها أنه تعرض للغش. ويوضح أنه بالنسبة لمؤيدي ترامب، لم تكن أحداث 6 كانون الثاني/ يناير 2021 كارثة مُحرجة، بل “جهداً وطنياً لإنقاذ الأمة”.. وأن 90٪ من المتهمين بالمشاركة في الهجوم على الكابيتول ليس لهم صلات بالميليشيات المحسوبة على ترامب ولا بجماعات البيض المتطرفين، فالأغلبية كانوا من الطبقة الوسطى ومتوسطي الأعمار؛ ومن أصحاب الأعمال الحرة؛ هم آباء صالحون وجيران طيبون ومواطنون مثاليون في مجتمعاتهم؛ جاءوا في الغالب من مقاطعات أرجوانية وليس حمراء؛ يفكرون ويتصرفون مثلما كان أقرانهم يفعلون قبل عدة قرون؛ يضعون ثقتهم في الأسرة والقبيلة والدين والعرق؛ وبرغم أنهم يشعرون بالغيرة في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم، إلا أنهم أقل اهتماماً بحقوق وحريات أولئك الذين ليسوا مثلهم.

أحداث “الكابيتول” يوم 6 كانون الثاني/يناير قد تتكرر بأعنف منها إذا جاءت نتائج انتخابات 2024 لصالح الديموقراطيين

هتلر وتم إستيعابه!

ويتابع الكاتب، أن أحداث الكابيتول أثبتت من ناحية أخرى أن ترامب وأشد مؤيديه على استعداد لتحدي الأعراف الدستورية والديموقراطية، تماماً كما فعلت الحركات الثورية في الماضي. وسيكون من الحماقة أن نتخيل أن العنف الذي حصل كان انحرافاً لن يتكرر، “بل هناك كل الأسباب لتوقع المزيد. وبالنظر إلى عامي 2022 و2024، يصر ترامب على أنه لا توجد طريقة للفوز بالانتخابات من دون غش. فإذا ما جاءت النتائج لصالح فوز ديموقراطي آخر، فإن مؤيدي ترامب سيعرفون ماذا يفعلون لإستعادة “حقهم المكتسب” على حد تعبير ترامب نفسه”.

ويُحمّل الكاتب الحزب الجمهوري المسؤولية الكاملة عن إيجاد هذه الحركة ورعايتها، وعن تهيئة الظروف التي يمكن أن يكتسب فيها ترامب ولاء 90% من الناخبين الجمهوريين، مشيراً إلى أن القادة الجمهوريين كانوا أكثر من سعداء لركوب موجة ترامب إذا كان ذلك يعني الحصول على رواتبهم من خلال مئات التعيينات في المحكمة المحافظة؛ والاستفادة من التخفيضات الضريبية وفرض قيود الهجرة وتخفيضات كبيرة في اللوائح الخاصة بالأعمال. فقد اختار ناخبو الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية ترامب؛ واعتبروا الجمهوريين المؤسسين وكل من لم يوافق على ما طالب به ترامب أعداء وأشراراً.

ويرى كاغان أن قبضة ترامب على أنصاره لم تترك أي مجال لمركز قوة بديل في الحزب الجمهوري، فقد استقال “الكبار” أو هربوا واحداً تلو الآخر؛ والآراء المعارضة والمتعارضة اختفت؛ كانت القضية الحقيقية الوحيدة هي ترامب نفسه؛ أما أولئك الذين لا يوافقون على ترامب فيمكنهم إما الصمت أو المغادرة.

الرياح تجري كما يشتهي ترامب: سيعلن ترشحه، وسيستعيد مكبر الصوت الخاص به ليسيطر مرة أخرى على التغطية الإخبارية وعلى مدار الساعة

ويتابع الكاتب “كان على الجميع أن يتصالحوا مع ترامب: المنشورات المحافظة التي عارضته ذات يوم؛ والنُقَّاد؛ والمانحون الذين عارضوه خلال الانتخابات التمهيدية؛ .. إلخ. وكان الأكثر كشفاً هو سلوك كبار رجال الدولة الجمهوريين، ووزراء الخارجية السابقين “هؤلاء الأسود القدامى رفضوا انتقاده، ولم يدافعوا عن الحزب الجمهوري الذي كرسوا حياتهم المهنية له حتى عندما كان يقوده شخص يكرهونه.. وهذا ليس بالأمر الغريب. فالمحافظون الألمان استوعبوا أدولف هتلر إلى حد كبير لأنهم عارضوا الاشتراكيين أكثر مما عارضوا النازيين”.

إقرأ على موقع 180  الجمود النووي فاتحة إتهامات.. لا تسويات!

هجوم الكماشة

كل هذا ترك القليل من الأصوات المعارضة داخل النظام البيئي الجمهوري الذي أصبح مثل “الزومبي”، يسعى قادته وراء الأهداف التقليدية، ويتصارعون على الإنفاق على البنية التحتية والسياسة الخارجية، في وقت تتسرب السلطة الحقيقية في الحزب إلى ترامب. والهدف الرئيسي إن لم يكن الوحيد للحزب اليوم هو التمكين الإرادي لجهود ترامب للتلاعب بالنظام الانتخابي لضمان عودته إلى السلطة، بحسب كاغان، الذي يضيف: “مع وجود الحزب تحت إبهامه، يقاتل ترامب الآن إدارة بايدن بقوة وعلى جبهات منفصلة، إحداها هي التنافس السياسي الطبيعي والشرعي، حيث يتصرف الجمهوريون كمعارضة نموذجية. أما الجبهة الأخرى فهي خارج حدود التنافس الدستوري والديموقراطي، وفي نطاق الجهود غير القانونية لتقويض العملية الانتخابية. والاثنان مرتبطان، لأن الحزب الجمهوري استخدم سلطته المؤسسية في المجال السياسي لحماية ترامب وأتباعه من عواقب أنشطتهم غير القانونية في الفترة التي سبقت 6 كانون الثاني/ يناير”.

ويتابع كاغان: “هذا الهجوم، الكماشة، له العديد من المزايا، حيث يمكن للسياسيين الجمهوريين وصُنَّاع القرار أن يلعبوا دور المعارضة الشرعية. ويمكنهم أيضاً إعادة اكتشاف سياستهم الخارجية المتشددة واقتصادهم القائم على العجز، وفي الوقت نفسه الاستمرار في انتقاد إدارة بايدن في قضايا مثل أفغانستان.. وهناك خداع أساسي في كل ذلك. إنه مراوغة. يتصرفون مثل اليد اليسرى التي تدعي أنها لا تعرف ما تفعله اليد اليمنى”.. حتى أن الجمهوريين المعارضين لترامب يراوغون. فالسيناتور ميت رومني وبن ساسي، مثلاً، أدانا أحداث 6 كانون الثاني/ يناير، وانتقدا ترامب وصوتا حتى لعزله، لكن من نواحٍ أخرى، استمرا في التصرف كجمهوريين ومحافظين.

عودة مكبر الصوت

تعمل الحركات الثورية عادة خارج هياكل السلطة في المجتمع. لكن “حركة ترامب” تتمتع أيضاً بنفوذ غير مسبوق داخل تلك الهياكل: تهيمن على العديد من شبكات الأخبار، والعديد من المجلات والمحطات الإذاعية، وجميع أنواع المنصات الإلكترونية. لديها إمكانية الحصول على التمويل من الأفراد الأثرياء ومجموعة المانحين التابعة للجنة الوطنية الجمهورية. كما بإمكانها أن تسيطر على أحد الحزبين الوطنيين في البلاد. ألا يكفي كل هذا لتوقع تحدٍ آخر يحول دون استفادة أي حركة من هذه الظروف المؤاتية للتنافس على السلطة؟

مصير الجمهورية يقع على عاتق الجمهوريين.. وعلى الديموقراطيين القتال من أجل إنقاذها

يحذر كاغان من أن العالم سيبدو مختلفاً تماماً في غضون 14 شهراً إذا فاز حزب الزومبي الجمهوري بالسيطرة على مجلس النواب (في الإنتخابات النصفية في خريف العام 2022)، كما هو متوقع. فالرياح تجري كما يشتهي ترامب، ومن المؤكد أنه سيعلن ترشُحه، ومن المرجح أن يتم رفع القيود عن نقل وسائل التواصل الاجتماعي لخطاباته، لأن مواقع مثل “فيسبوك” و”تويتر” ستواجه صعوبة في تبرير فرض الرقابة على حملته المقبلة. ومع عودة مكبر الصوت الخاص به، فان ترامب سيسيطر مرة أخرى على التغطية الإخبارية.

ومع ذلك، سيكون لترامب هذه المرة مزايا افتقر إليها في عامي 2016 و2020، بحسب الكاتب، بما في ذلك المزيد من المسؤولين المخلصين في حكومات الولايات والحكومات المحلية؛ الجمهوريون في الكونغرس؛ ودعم المانحين من الحزب الجمهوري ومراكز الفكر ومجلات الرأي. وسيكون لديه “حركة ترامب” مرة أخرى، بما في ذلك العديد من المسلحين المستعدين لأي تحرك. فمن الذي سيوقفه بعد ذلك؟

يستدرك الكاتب قائلاً إن أولئك الذين ينتقدون بايدن والديموقراطيين لعدم قيامهم بما يكفي لمنع هذه الكارثة “ليسوا عادلين. فليس هناك الكثير الذي يمكنهم فعله بدون تعاون الجمهوريين، خاصة إذا فقدوا السيطرة على أي من المجلسين في عام 2022”.

أزمة دستورية فعلية

ويشدد كاغان على أن مصير الجمهورية يقع إلى حد كبير على عاتق الجمهوريين.. صحيح أن تصويت سبعة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ لإدانة ترامب كان شجاعاً، إلا أنه كان تصويتاً رمزياً. فعندما يتعلق الأمر باتخاذ إجراءات ملموسة لمنع وقوع كارثة في عام 2024، فإنهم يرفضون ذلك.

فوز ترامب مرة ثانية يعني، على الأقل، “التعليق المؤقت للديموقراطية الأميركية كما عرفناها”

ويسأل لماذا رفض الجمهوريون العمل والتعاون مع الديموقراطيين في مهام عديدة، مثل: تمرير تشريع يحد من قدرة المجالس التشريعية في الولايات على قلب نتائج الانتخابات المستقبلية، ضمان استمرار الحكومة الفيدرالية في أن يكون لها رأي عندما تحاول الولايات الحد من حقوق التصويت، توفير الحماية الفيدرالية للولاية وللعاملين في الانتخابات المحلية الذين يواجهون تهديدات، إيضاح أن الأغلبية المكونة من الحزبين في مجلس الشيوخ تعارض تقويض الإرادة الشعبية؟ كما يتساءل كيف سيكون نوع الحكومة التي سيخدمون فيها فيما لو تمكنوا من إعادة انتخاب ترامب؟

ويبدي الكاتب تخوفه من أن يفوز ترامب مرة ثانية، لأن ذلك سيعني، على الأقل، “التعليق المؤقت للديموقراطية الأميركية كما عرفناها”. ويعتبر أن ازدراء ترامب الواضح لسيادة القانون، وتبرئته من التهم الموجهة إليه في محاكمات عزله يعني عملياً أنه سيمارس السلطة بقوة أكبر.. ويتوقع أن يختار فقط من هم موالين له بالكامل.. وسيضع بين أيديهم كافة أدوات سلطة الدولة، بما في ذلك قدرتها المتزايدة على المراقبة، وبالتالي ستصبح معارضته محفوفة بالمخاطر بشكل متزايد بالنسبة للجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء.

ويصل كاغان إلى خلاصة مفادها أن الولايات المتحدة “في أزمة دستورية بالفعل”. قد لا يتم تدمير الديموقراطية حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لكن الخطوات الحاسمة في هذا الاتجاه تحدث الآن. فبعد عام أو أكثر بقليل، قد يصبح من المستحيل تمرير تشريع لحماية العملية الانتخابية في عام 2024. الآن لا يزال الجمهوريون المناهضون لترامب، وحتى بعض الديموقراطيين، يرفضون العبث بموضوع التعطيل. هذه القرارات لن تُبلى بشكل جيد طالما أن الأمة تتعثر وتشهد أزمة شاملة.

إذا كان ما يحدث يعني انتحاراً سياسياً لهذه الحُفنة من الجمهوريين، ألن يكون من الأفضل الخروج للقتال من أجل الديموقراطية بدلاً من الانغماس بهدوء في الليل

إنقاذ الجمهورية

ومع ذلك يرى كاغان أنه ليس من المستحيل على السياسيين القيام بقفزة إنقاذية، مثل تشكيل تحالف وحدة وطنية في مجلس الشيوخ لغرض وحيد هو إنقاذ الجمهورية. ويمكن أن يقتصر تعاون الجمهوريين مع الديموقراطيين على المسائل المتعلقة بالدستور والانتخابات. أو التوصل إلى توافق مؤقت في الآراء حول مجموعة من القضايا الحرجة والحاسمة، مثل: الإنفاق الحكومي، الدفاع، الهجرة، وحتى جائحة كوفيد-19، مما يضع جانباً المعارك المعتادة ويتم التركيز على الحاجة الأكثر حيوية وفورية للحفاظ على الولايات المتحدة.

ولأن تشكيل تحالف وحدة وطنية يتطلب وجود طرفين، فعلى الديموقراطيين بدورهم أن يجعلوا من السهل على الجمهوريين المناهضين لترامب الانضمام لهم. يدعي البعض أنه لا يوجد فرق بين التهديد الذي يشكله ترامب والتهديد الذي يشكله الحزب الجمهوري. إنهم يفضلون استخدام ترامب كسلاح في المعركة السياسية الجارية، وليس فقط كوسيلة لتشويه سمعة الحزب الجمهوري اليوم وهزيمته، ولكن أيضاً لرسم جميع سياسات الحزب الجمهوري على مدى الثلاثين عاماً الماضية على أنها ليست أكثر من مجرد مقدمة لترامب. صحيح أن الحزب الذي يسيطر عليه ترامب يجب محاربته وهزيمته، إلا أن التحزب الانتهازي والتآمر ليس العلاج لما تعاني منه الأمة.

ويستدرك كاغان بالقول إنه مع اقتراب موعد الانتخابات (الرئاسية) المقبلة، من الضروري حماية العاملين في الانتخابات؛ واتباع نظام التسجيل في اليوم نفسه والتصويت المبكر. ومن الضروري أيضاً تمرير قانون جون لويس لتعزيز حقوق التصويت، الذي يتناول بشكل مباشر انتزاع السلطة الانتخابية للهيئات التشريعية في الولاية. وقد يكون من الأفضل تأجيل معارك أخرى- مثل جعل يوم الانتخابات يوم عطلة فيدرالية؛ وحظر التلاعب الحزبي في ترسيم الدوائر الانتخابية. يتوجب على الديمقراطيين منح الجمهوريين المناهضين لترامب فرصة للقيام بشيء صحيح، إذا أرادوا أن تنجح جهودهم الرامية إلى منع وقوع كارثة في العام 2024.

ويختم كاغان مقالته الطويلة: “هل السياسيون الأميركيون المعاصرون، في أي من الحزبين، لديهم ما يكفي من الجرأة لتنفيذ هكذا خطوات؟ هل لديهم البصيرة لمعرفة أين تسير الأحداث؟ والشجاعة لفعل كل ما هو ضروري لإنقاذ النظام الديموقراطي؟ فإذا كان ما يحدث يعني انتحاراً سياسياً لهذه الحُفنة من الجمهوريين، ألن يكون من الأفضل الخروج للقتال من أجل الديموقراطية بدلاً من الانغماس بهدوء في الليل”؟

(*) روبرت كاغان،  مؤرخ، كاتب عمود في “واشنطن بوست”. متخصص في الشؤون الخارجية. زميل أول في معهد “بروكينغز”. صدر له مؤخراً كتاب: “الغابة تنمو مرة أخرى: أميركا وعالمنا المنهك”.

(**) بتصرف نقلاً عن صحيفة “الواشنطن بوست”

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  بين القيم والمصالح.. أقنعة كثيرة تتدحرج!