الإنتخابات العراقية.. إضفاء الشرعية على نظام مأزوم!

إن ضعف النظام المؤسسي، وتفشي المحسوبية، وانتشار أعمال العنف خارج نطاق القضاء.. كل هذا يجعل الانتخابات العراقية المرتقبة الأحد أداة للمناورة السياسية بدلاً من أن تكون طريقاً نحو تغيير ذي مغزى. هذا ما يراه حارث حسن، الباحث في مركز "كارنيغي" للشرق الأوسط، في هذا التقرير الذي نشره على موقع "ميدل إيست آي"، وننشر ترجمته حرفياً.

“من المُقرر أن يجري العراق غداً (الأحد) أول انتخابات نيابية مُبكرة منذ إدخال السياسة الانتخابية إلى البلاد في أعقاب الغزو الأميركي الذي أطاح بنظام صدام حسين عام 2003.

وصرحت مفوضية الانتخابات في العراق بأن هذه الجولة الانتخابية سيتنافس فيها 21 تحالفا سياسيا، فيما يبلغ عدد الأحزاب المشاركة 167، منها 58 ضمن التحالفات، ويتنافس 3 آلاف و249 مرشحا بينهم 951 امرأة.

تأتي هذه الانتخابات رداً على موجة الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها العاصمة بغداد والمدن الجنوبية في خريف عام 2019، والتي أجبرت رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على الاستقالة. بعد ذلك بوقت قصير، صوَّت البرلمان لتغيير قانون الانتخاب، ووعدت الأحزاب المهيمنة بإجراء انتخابات مُبكرة كوسيلة للخروج من الأزمة.

مع مرور الوقت، إضطر المتظاهرون لمغادرة الشوارع لأسباب عدة، أبرزها أعمال القمع التي مارستها السلطات بحق المحتجين، والشعور بالإرهاق والقيود التي رافقت إجراءات مكافحة تفشي فيروس كورونا. برغم تلك الاحتجاجات، لم تشعر الأحزاب المهيمنة بأي ضغط لتقديم أي تنازلات إضافية. بل على العكس، فقد سعت إلى ضمان أن تكون أي تغييرات محتملة في النظام الانتخابي تفيدها ولا تضرها.

القضاء.. عرضة للضغط

يقوم النظام الانتخابي الجديد على أساس الاقتراع المباشر للمرشحين في الدوائر الأصغر في كل محافظة. وقد صُممت حدود الدوائر الانتخابية من خلال “حسبة” معينة بين الأحزاب الرئيسية البارزة في البرلمان.

تحتاج النخبة الحاكمة للانتخابات للحفاظ على الشرعية السياسية وتأمين الوصول إلى ريع النفط بعد تقاسم السلطة

تم تقديم القانون بحماسة من قبل كتلة التيار الصدري، التي رأت أنه مفيد لفرصها السياسية الإنتخابية. وأيدها بعض النشطاء الذين اعتقدوا أن القانون الجديد سيكون أداة فعَّالة لإضعاف الأحزاب المهيمنة وتقليل تأثير قادة الأحزاب التقليدية.

مع ذلك، وكما ثَبُتَ في بلدان أخرى، يعمل النظام الجديد لصالح الأحزاب الكبيرة والمنظمة والممولة بشكل جيد؛ والتي يمكنها تقديم عدد كبير من المرشحين بعد تأمين وتمويل حملاتهم الانتخابية. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع الأحزاب السياسية المهيمنة بمزايا أخرى، مثل السيطرة على الأجنحة والجماعات المسلحة التي يمكن استخدامها في أي وقت لترهيب المنافسين. كما تتمتع بإمكانية الوصول إلى موارد الدولة والحصانة ضد أي استجواب قضائي.

وبالرغم من اختيار مجموعة من القُضاة المستقلين للعمل في المفوضية العليا للانتخابات، إلا أن القضاء العراقي أثبت أنه عرضة للضغط السياسي. وبالتالي، فإن التفويض الفعلي لمفوضي الانتخابات الجُدد كان مقتصراً على الإجراءات والجوانب التقنية فقط.

خطوط حمراء

لا يمكن إنكار أن هناك تحسناً كبيراً في الاستعدادات التي تهدف إلى منع الغش والمخالفات. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالإجراءات الأكثر جوهرية التي يمكن أن تضمن منافسة عادلة، فإن لجنة الانتخابات لا تستطيع تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها الأحزاب المهيمنة.

فأي من هذه الأحزاب لم يتم استبعادها بسبب علاقتها الواضحة بالجماعات المسلحة (وهو أمر محظور دستورياً. ولكن، إذا تم تنفيذه، هذا يعني عملياً حظر جميع الأحزاب الرئيسية). كما لم يكن هناك أي جهد لفرض الشفافية في عملية جمع التبرعات، خصوصاً التبرعات التي تعود للأحزاب المهيمنة.

بالإضافة إلى ذلك، استمرت حملة الاغتيالات والترهيب التي تستهدف النشطاء والمرشحين المحتملين، ممَّا أجبر كثيرين غيرهم على الفرار من مسقط رأسهم منذ شهور، بحثاً عن الأمان. ويُقال إن الجماعات المسلحة المرتبطة ببعض الأحزاب المهيمنة متورطة في حملة الترهيب هذه.

في ظلّ هذه الظروف، قرَّرت عدة مجموعات ناشطة مقاطعة الانتخابات، بحجة الافتقار إلى الظروف (الأمنية) المناسبة؛ والمنافسة العادلة مع الأحزاب القائمة. لكن قرار المقاطعة هذا عكس أيضاً انقساماً بين النشطاء المنتمين للجماعات المتطرفة التي تسعى إلى إصلاح جذري للنظام؛ وبالتالي هي لا تثق في عملية انتخابية صمَّمتها الأحزاب القائمة، والمتدرجين الذين يعتقدون أن هناك مجالًا لتغيير محدود في ميزان القوى الذي يتطلب مشاركة فعَّالة في الانتخابات من قبل ناخبين من الشرائح المجتمعية غير الراضية.

أحد هؤلاء النشطاء قال لموقع “ميدل إيست آي”: “إذا ساهمت نتائج الانتخابات في تقوية الجماعات المعتدلة داخل النُخبة الحاكمة، على عكس تلك التي لديها جماعات مسلحة، فسوف يُعتبر هذا خطوة في الاتجاه الصحيح”.

ظروف أفضل

تشرف على الانتخابات حكومة أعلن رئيس وزرائها مصطفى الكاظمي حياده بين المتنافسين وتتميز بتدخل دولي في مجرياتها أكبر من الانتخابات السابقة. وبالتالي، ستتم في ظل ظروف تقنية وإجراءات أفضل من التصويت السابق، ويمكن ترجمة ذلك بوصول عدد أكبر من المستقلين والأحزاب الصغيرة إلى البرلمان، لا سيما إذا سُجلت نسبة مشاركة أعلى من المرة السابقة.

ومع ذلك، من غير المرجح أن تؤدي هكذا نتيجة مفترضة إلى تحول واسع النطاق، لا سيما بالنظر إلى أن المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة ليسوا متفقين على أجندة واحدة موحدة. ويُعتقد أن بعضهم مرتبط بأحزاب سياسية، والبعض الآخر ممثلون لمجتمعات قبلية تسعى للوصول إلى السلطة وموارد الدولة وعلى استعداد للتحالف مع كل من يقدم عرضاً أفضل.

إقرأ على موقع 180  ترامب أو بايدن: منظور دمشق وطهران‎

الواضح أن وصول المزيد من المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة إلى البرلمان يعني عملية مساومة أطول وأكثر تعقيداً بعد الانتخابات.

أحد النشطاء: إذا ساهمت نتائج الانتخابات في تقوية المجموعات المعتدلة.. ستكون خطوة في الاتجاه الصحيح

في هذا السياق، يجب ألا يُنظر إلى الانتخابات المرتقبة على أنها محاولة لإصلاح النظام بقدر ما هي محاولة لإعادة إضفاء الشرعية على النظام الموجود بعد أن تضرر بشدة جراء انفجار الغضب الشعبي الذي عبرت عنه احتجاجات 2019.

تستمر المؤسسات الضعيفة وسيادة القانون والمحسوبية المؤسسية والعنف خارج نطاق القضاء في تشكيل الوضع الراهن، ممَّا يجعل الانتخابات أداة للمناورة السياسية بدلاً من طريق نحو تغيير ذي مغزى.

لا أحد من الأحزاب المهيمنة ديموقراطي بطبيعته، أو حتى مؤمن بما يكفي بالدستور أو بسيادة القانون. ومع ذلك، فهم بحاجة إلى الانتخابات للحفاظ على الشرعية السياسية وتأمين الوصول إلى ريع النفط من خلال عقد اتفاقيات في ما بينهم لتقاسم السلطة.

بهذا المعنى، لن يتم قبول نتيجة الانتخابات إلا إذا جاءت على نحو لا يهدد توازن القوى الهشّ في بلد توجد فيه عدة مجموعات مسلحة قوية تعمل بشكل مستقل عن الدولة، وتتحكم بالموارد، وتنافس الدولة في ممارسة “الإكراه المشروع” عند الضرورة.

لا يتم تشكيل الوضع الراهن من قبل حكومة استبدادية ولكن من قبل العديد من الفاعلين الاستبداديين الذين يشاركون في الانتخابات، لأنه لا يمكن لأي منهم البقاء خارج اللعبة أو السماح للآخرين بالسيطرة عليها.

بداية، كانت الانتخابات المبكرة القائمة على نظام انتخابي جديد تُشكل تنازلاً من النُخبة تحت ضغط الحركة الاحتجاجية. لكن عندما فقدت هذه الحركة زخمها وتوقفت عن كونها تشكل تهديداً خطيراً، لم تشعر النخبة بالحاجة إلى تقديم المزيد من التنازلات. لذلك، لن يغير الوضع الراهن، لكنه قد يمهد الطريق للأزمة المقبلة”.

(*) الترجمة بتصرف عن “ميدل إيست آي” 

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  في زمن "الهويات".. "حرب استنزافٍ" جديدة بلا مقابل