مفاجأة ميقاتي خصخصة كهربائية.. بشراكة فرنسا ومودعين!

لدى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي مفاجأة "كهربائية" قد يعلن عنها قريباً، لتكون شمعته في ظلام هذا الاحتدام غير المسبوق للأزمة المالية والاحتقان المنفجر أمنياً للصراع السياسي والقضائي في البلاد. وسيعتبر ميقاتي مشروع "كهربائه" هذا أولى صعقات الإصلاحات الصعبة التي التزمت حكومته بها. فماذا في التفاصيل؟

بالتعاون مع الفرنسيين وبهندسة مصرفية محلية، وبتمويل متوقع من البنك الدولي تحت اشراف صندوق النقد الدولي، قد يعلن نجيب ميقاتي عن مشروع للكهرباء يَفترض “أصحابه” انه خاتمة أحزان هذا الملف المخزي الذي كلف لبنان نحو نصف دينه العام البالغ 100 مليار دولار، وأدخل البلاد في صراعات بين اطراف سياسية تبادلت الاتهامات بالهدر والفساد والصفقات والسمسرات وسوء الادارة طيلة سنوات وسنوات، فيما اللبنانيون في عتمة جزئية أو كاملة ورهائن مافيات محروقات ومولدات تسرح وتمرح على هواها بتغطية سياسية مشبوهة في غالب الأحيان.

بعض التفاصيل التي تسربت عن المشروع تشير الى امكان قيام شركة للانتاج تغطي حاجة لبنان بالكامل (ألفا ميغاواط) مع فائض للسنوات المقبلة في موازاة زيادة الاستهلاك. الشركة برأسمال قد يصل الى ملياري دولار منها نحو المليار من مساهمين هم حالياً من كبار المودعين على أن يصل المبلغ إلى نحو 4 أو 5 مليارات أو أقل يتحول مع “هيركات” الى مبلغ من رأسمال الشركة، بالاضافة الى مساهمة ممكنة من الدولة، وبتمويل مليار الى ملياري دولار، حسب الحاجة لطاقة الانتاج، من البنك الدولي وجهات تمويل أخرى، وبرعاية صندوق النقد الدولي الذي وضع  قطاع الكهرباء على رأس شروط التفاوض مع لبنان وصولاً الى اتفاق تمويل انقاذي.

***

على الهامش يمكن تسجيل بعض الملاحظات حسنة النية وأخرى يفرضها سوء النية كما العادة في لبنان:

أولاً؛ من الجيد جداً أن يبدأ العلاج من الكهرباء. فإعلان جدي من هذا القبيل يعني أن الحكومة بدأت اجراءات عملية متوافق عليها بين الاطياف المتناقضة المؤتلفة للضرورة الانقاذية في الحكومة، ومتفق عليها مع جهات دولية راعية للاصلاح مثل الفرنسيين وصندوق النقد الدولي. فنجاح اطلاق هذا المشروع الضخم والمعقد يبنى عليه لمشاريع اصلاحية أخرى لا محالة، شرط توفر الإرادة السياسية أولاً.

ثانياً؛ يحتاج المشروع الى تفاصيل اضافية لمعرفة مَنْ مِنْ كبار المودعين سيقبل أن يكون مساهماً وبأي الشروط سواء لجهة  نسبة “الهيركات” التي ستتعرض لها وديعته أو لجهة تحويل أمواله الى أسهم في شركة كهرباء وليس في المصارف، كما طرحت خطة “لازار”. وهل هناك مشاريع في قطاعات أخرى ستبنى لها هندسات مالية من هذا النوع لتكون خشبة خلاص للمودعين الذين باتت مسؤولية ضياع أموالهم مُشتتة بين المصارف ومصرف لبنان والدولة اللبنانية؟ وبين الأسئلة أيضاً ما يتعلق بكيفية اختيار كبار المودعين الذين سيدخلون في مشاريع من هذا النوع الجديد كلياً في لبنان على أمل حصولهم على عائدات سنوية مجزية من الأسهم. وماذا عن انصاف المودعين بين صغار مغبونين وكبار محظوظين، وبين كبار بسمنة وآخرين بزيت؟

ثالثاً؛ اذا كان الأمر متعلقاً بما يسمى “بايل إن”، أي تحويل الودائع الى مساهمات، فلماذا لا يُدرج ذلك ضمن مشروع شامل للودائع لا سيما الكبيرة منها؟ علماً بأن الودائع الصغيرة قيد التصفية وفقاً للرئيس ميقاتي نفسه الذي تحدث عن سداد كامل من 50 الى 70 ألف دولار.

رابعاً؛ من هو الشريك الاستراتيجي الأجنبي؟ شركة فرنسية مثل “جنرال الكتريك” (الفرنسية) أم ألمانية مثل “سيمنز” أم غيرهما؟ وما هي معايير اختيار ذلك الشريك الاستراتيجي في السياسة والمصالح و”الجيوبوليتيك”؟ ولماذا لا تطرح مزايدة  يفوز بها من يدفع أكثر للدولة، أو مناقصة يفوز بها من يقدم مشروعاً تنافسياً في مصلحة المستهلكين؟

قيام شركة للانتاج برأسمال قد يصل الى ملياري دولار منها نحو المليار من مساهمين هم حالياً من كبار المودعين على أن يصل المبلغ إلى نحو 4 أو 5 مليارات أو أقل يتحول مع “هيركات” الى مبلغ من رأسمال الشركة، بالاضافة الى مساهمة ممكنة من الدولة، وبتمويل مليار الى ملياري دولار، حسب الحاجة لطاقة الانتاج، من البنك الدولي وجهات تمويل أخرى، وبرعاية صندوق النقد الدولي

خامساً؛ ماذا عن مشروع الغاء دعم تعرفة الكهرباء، كما ألمح ميقاتي نفسه، الذي يحتاج الى قانون في المجلس النيابي يقر تدفيع اللبنانيين فاتورة بأسعار السوق الربحية للمرة الأولى منذ الاستقلال مع عدم اغفال خطورة قضية الاحتكار المحتمل والخوف المشروع منه. وهل هذا ممكن في ظل ازمة معيشية خانقة تطال نحو 80 في المائة من السكان تضعهم بمواجهة مساهم  لن يرضى ان يكون جزءاً من المشروع اذا لم يضمن الربح المجزي على حسابهم، كما لن يقبل الممول منح قروض الا بضمان سدادها كاملة مع فوائدها. وماذا عن طرح هذا المشروع عشية الانتخابات النيابية التي يحتاج السياسيون فيها الى كل صوت في خضم معركة وجودية لهم ولنفوذهم وأوزانهم السياسية وحساباتهم الرئاسية والمصلحية؟

سادساً؛ ماذا عن صعوبات الجباية والهدر الفني والتقني والسرقات بالتعليق على الشبكة، فهذا يهدر نحو 45 في المائة من الطاقة المنتجة حالياً وبما يساوي مئات ملايين الدولارات سنوياً.

إقرأ على موقع 180  غورو منشىء "لبنان الكبير": ها قد عُدنا يا صلاح الدين!

سابعاً؛ سادت مقولات طيلة عقود عن “مربعات” لا تجرؤ مؤسسة كهرباء لبنان على الجباية منها ولا تجرؤ على قمع مخالفات السارقين من كهرباء الدولة، وان تلك “المربعات” مُغطاة أمنياً أو سياسياً من هذا الفريق أو ذاك. فهل ستنتفي مع الشركة الجديدة تلك الصعوبات وتصبح الجباية مؤمنة 100 في المائة والتعديات ممنوعة والمخالفات بالمرصاد الصارم للمخالفين؟ واذا كان الأمر بهذا اليُسر، لماذا لم يكن الأمر متاحاً لشركة كهرباء لبنان طيلة عقود من الزمن؟

ثامناً؛ بماذ سيرد طارحو المشروع ومؤيدوه على اطراف سياسية نافذة سبق وحذرت من الخصخصة وتقف بوجهها بقوة شعبوية فاقعة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ماذا سيرد ميقاتي على كلام تحذيري للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عبّر فيه عن “خشيته من مشاريع تتعمد انهيار كهرباء لبنان تمهيداً لخصخصتها”، كما قال في خطابه قبل الأخير؟

تاسعاً؛ إذا صح أنه سيتم ادخال مصارف محلية في المشروع، ما هي المصلحة في ذلك، وماذا عن كبار المودعين وعلاقتهم بالمشروع المطروح عليهم؟

عاشراً؛ ماذا عن المعامل القائمة والتي تحتاج الى صيانة واستثمارات جديدة فيها، وماذا عن الانتاج بالغاز وعن مشاريع الطاقة البديلة من الشمس والرياح وغيرها من المشاريع التي سبق وأشبعت درساً ثم نامت في الأدراج لشبهات فيها حيناً او لنكاية سياسية ضد طارحيها أحياناً أخرى؟

***

على أي حال، ليس هناك من بدائل جدية لأزمة كهرباء لبنان غير الذي سيطرحه نجيب ميقاتي قريباً، وهو المتسلح بدعم الفرنسيين وصندوق النقد الدولي والمصرفيين وكبار المودعين لأي مشروع اصلاحي من هذا القبيل حتى لو كان على حساب الناس وفي مصلحة الرأسماليين. أجل أيها اللبنانيون.  هذه عينة من الاصلاح الموعود إن كنتم تعلمون أو.. لا تعلمون.

Print Friendly, PDF & Email
منير يونس

صحافي وكاتب لبناني

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  كيف تؤثر إمارة صغرى (الإمارات) في قرار دولة عظمى (أميركا)؟