“حزب الله” و”القوات”..  قواعد اللعبة تغيّرت!

تعمّد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في طلته الإعلامية الأخيرة إرتداء ثوب الهدوء، واكتفى بالرد على أسئلة مرسال غانم من دون أن يُسهب أو يستطرد في معرض رده على الخطاب الطويل للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الإثنين الفائت، كما كان متوقعاً.

بدا سمير جعجع متهيباً. كأنه لا يريد استفزاز الشارع أكثر، أو أن يحاول الحفاظ على صورته وصورة “قواته” على أنهم “طُلّاب” دولة ومؤسسات، بخلاف تشخيص نصرالله له ولحزبه، أو ان يقول إن صورة الدم المسفوك لا تشبه “القوات” التي دأبت، منذ خروج رئيسها من السجن عام 2005، على تلميع صورة “حكيمها”، وزرع صورة مغايرة لتلك التي إعتادها جمهور لبناني عريض إبان الحرب الأهلية. حاول جعجع تصوير ما حصل في الطيونة بأنه حادث فُرض على “القوات”، وهي لا تستسيغه.. ولم تُحضّر له، إنما “افتعله” “حزب الله” بدخوله أزقة عين الرمانة واعتدائه على المواطنين وممتلكاتهم!

وكان جعجع قد نفى في مقابلة مع منصّة “صوت بيروت إنترناشونال”، علاقة “القوات” بالحادثة أصلاً، غداة وقوعها مباشرة، برغم تسميته لها بـ”7 أيار مسيحي”، عازياً ما جرى إلى أهالي عين الرمانة، بقوله “كل أهالي عين الرمانة قاموا بذلك”.

وإذا اعتبرنا ما قاله جعجع صحيحاً، بعدما انتهت واقعة الطيونة إلى وقوع سبع ضحايا وعشرات الجرحى من أصحاب التظاهرة، فيما سقط ثلاثة أو أربعة جرحى من أهالي عين الرمانة وبدارو (جروح طفيفة)، فهذا يشير، وبـ”حسبة وتحليل بسيطين”، إلى أن “حزب الله” حزب “ضعيف وهزيل”، ولا يتقن استخدام السلاح، وليس ذلك الحزب الذي حرّر الجنوب اللبناني عام 2000 ولم تقوَ إسرائيل على هزيمته في حرب تموز 2006. أو الذي يُوصف بأقوى فصيل مسلح في الإقليم، وشكّل رأس حربة في الحرب السورية.

لكن المستغرب في حديث جعجع تبنّيه مجدداً الدفاع عن المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وفي المقابل، رفضه المثول أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، للاستماع إلى إفادته، وذلك على خلفية اعترافات موقوفي “القوات”. وبلغ به الأمر حد وصف القاضي عقيقي بأنه “مفوض حزب الله أمام المحكمة العسكرية”.

وعدا عن تناقض مواقف جعجع تجاه القضاء، وشيطنته للقضاء العسكري، فهو مُصر على تحييد “حركة أمل”، سواء في ما خصّ القاضي عقيقي، أو في كل ما حصل في الطيونة، علماً ان صاحب الفعل في أحداث 14 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، هي “حركة أمل” وليس “حزب الله”، حسب تقارير مخابرات الجيش وفرع المعلومات، وهذه النقطة يدركها جعجع جيداً، لكن ثمة حاجة وضرورة محلية وإقليمية ودولية لإلباس “الأحداث” إلى حزب الله ومحاولة النيل منه، وجعجع جاهز في هذا الإتجاه، من موقع إتقان لعبة السياسة والشارع والأمن في آن معاً، فهو لا يريد أن يخسر “حركة أمل” في معركته مع “حزب الله” ومن خلفه “التيار الوطني الحر”، ولا يريد لحادثة الطيونة أن تُغيّر واقع التحالفات والخصومات السياسية القائمة. وبنظر جعجع، لا بدّ من الإبقاء على الخلاف القائم بين “أمل” و”التيار”، وقد تُرجم ذلك في جلسة مجلس النواب الأخيرة في قصر الأونيسكو، التي خلت من دقيقة صمت على أرواح الضحايا، أو أي ذكر لما جرى في 14 تشرين الأول/أكتوبر، وقامت بتعديل مواد في قانون الإنتخاب تصب في مصلحة “القوات” وتضرُّ بالتيار، الأمر الذي إستدعى رد القانون من رئيس الجمهورية وإندلاع إشتباك سياسي من العيار الثقيل بين “أمل” و”التيار الحر”.

ثمة صعوبة بمكان أن تجتمع “القوات” و”حزب الله” في حكومة واحدة، أقلّه في المدى المنظور. وبالتالي، أضيفت أزمة أو عقدة جديدة إلى تشكيل الحكومات اللاحقة، خصوصاً أن “حزب الله” لا يمكنه أن يكون خارج الحكومة، حتى لو كانت مشاركته بوزارات متواضعة

لكن أبعد من ذلك، ليس ما بعد حادثة الطيونة كما قبلها، فيما خصّ “القوات” و”حزب الله” على الأقل. قواعد التعامل السياسي بينهما تغيّرت، واستحالت من خصومة سياسية إلى عداء مكتمل المواصفات. فالاثنان يختصران الصراع الدولي والإقليمي القائم في لبنان والعلاقة صفرية بينهما “أي نصرٍ لأحدهما خسارة للآخر”. ولكن الخطورة أن “القوات” لا تخشى الانزلاق إلى ما يهز السلم الأهلي، فيما الثاني (“حزب الله”) منشغل بحرب دولية وإقليمية تُدار ضده، ويعض على الجروح والندوب والإهانات من شويا إلى الطيونة مروراً بخلدة، حتى تبقى ساحته وحاضنته محميّة. وكلام أمينه العام وتحذيره لـ”القوات” ورئيسها من دون أن يسميه قصداً، واضطراره إلى الإعلان عن عدد مقاتليه المدربين والمدججين بمختلف أنواع الأسلحة، أتى في هذا السياق، لردع كل من يمكن أن يغامر بالسلم الأهلي.

وثمة صعوبة بمكان أن تجتمع “القوات” و”حزب الله” في حكومة واحدة، أقلّه في المدى المنظور. وبالتالي، أضيفت أزمة أو عقدة جديدة إلى تشكيل الحكومات اللاحقة، خصوصاً أن “حزب الله” لا يمكنه أن يكون خارج الحكومة، حتى لو كانت مشاركته بوزارات متواضعة على جاري العادة منذ العام 2005. وفي مجلس النواب، لن يكون الوضع مريحاً، سوف يكون الاختبار الأول كيفية تعاطي وتواصل نواب الفريقين “حزب الله” و”القوات” اللذيْن كانا يلتقيان أحياناً في الآراء والمقاربات على كثير من القضايا التي كانت تطرح في اللجان والجلسات العامة.

إقرأ على موقع 180  حرب رفح.. لترفع مصر صوتها أياً كانت الكلفة

كذلك سوف نشهد أجواء غير مطمئنة في النقابات والجامعات وغيرهما، ولدى قواعد الفريقين في البلدات والمدن التي يتشاركان الحضور فيها، ولا سيما في ضوء أجواء “النشوة” التي إستشعرتها قواعد جعجع.

زاد الحمل على “حزب الله”، الحزب العسكري والأمني في طبيعته، فبعد أن إستدعى الانسحاب السوري من لبنان عام 2005 تورطه في المستنقع السياسي اللبناني، وبعد أن دعته “ثورة 17 تشرين” إلى الاستعانة بخبراء اقتصاديين وماليين لمعرفة ما آلت إليه الأمور، بات بحاجة إلى علماء وخبراء من أجل إتقان كيفية مخاطبة الوعي الجمعي في المجتمع المسيحي، واقناعه بصوابية طروحاته ورؤاه، وربما يقتضي الأمر صياغة مختلفة لخطابه السياسي.

وبات عليه أيضاً، وبحسب أجواء قواعده، وتعليقاتهم على السوشيل ميديا، التمسك أكثر من أي وقت مضى بتفاهم مار مخايل الذي لا يُحسد على حراجة وضعه، ودعم تيار المردة برغم برودة مواقفه تجاه ما جرى في قضيتي القاضي بيطار وأحداث الطيونة، وأيضاً كل أصدقاء حزب الله في الشارع المسيحي.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  المجلس الدستوري اللبناني يُشرّع لـ"الأمر الواقع" (2)