توقيت طهران للجولة الـ 7 في فيينا: إحياء ذكرى العالم مجيد شهرياري!

على جاري عادته، إستقل العالم النووي الايراني البارز مجيد شهرياري، سيارته في الصباح الباكر متوجهاً برفقة زوجته بهجت قاسمي (أستاذة جامعية) إلى جامعة الشهيد بهشتي التي يُدرّسان فيها، وقد إختار سائقه الشخصي، في ذلك الصباح أن يسلك أوتوستراد أرتش (الجيش) شمال شرقي العاصمة طهران.

قرابة السابعة وأربعين دقيقة صباحا، إقتربت من سيارتهما دراجة نارية تُقلُّ شخصين يعتمر كلٌّ منهما قبّعةً على رأسه. ألصق أحدهما قنبلة في باب السيارة الأمامي، قبل أن يتواريا بعيداً. التفت السّائق إلى ما يجري لأنّه كان مُدرباً فأوقف السيّارة سريعاً وصرخ : “ترجّل يا دكتور”. “كان الرّجلان قد تجاوزا سيّارتنا فشاهدت هوائيّ القنبلة من النافذة التي قرب الدكتور (شهرياري). حينها علمت ما الذي يجري لأنّنا بعد استشهاد الدكتور علي محمّدي (عالم نووي) كنّا نحتمل حدوث هذا الأمر، لذلك انتبهت إلى ما يحصل”، تقول زوجته الدكتورة بهجت قاسمي التي كانت تجلس في المقعد الخلفي من جهة اليمين، وراحت تصرخ بأعلى صوتها: “قنبلة.. قنبلة، أوقفوا السيارة فوراً”!

ترجّلت زوجة شهرياري من السيارة وكانت تنوي فتح الباب الأماميّ كي يترجّل زوجها “لكن انفجرت العُبوة بوجهي وقذفتني، فتأذّيت كثيراً لكنّني لم أفقد وعيي حتّى أنّ رجلي تحطّمت، لكن لم ألتفت إلى هذا الأمر. وحين وقعت على الأرض هممت بالوقوف كي أذهب ناحية الدكتور فلاحظت أنّني لا أقدر على ذلك. زحفت على الأرض حتّى باب السّيارة ورأيته (زوجها) جالساً على المقعد ورأسه حانٍ على الطّرف فعلمت أنّ هذه هي النّهاية”، على حد تعبير الزوجة.

وبالتزامن، تم تنفيذ عملية مشابهة في منطقة ولنجك بالقرب من جامعة الشهيد بهشتي في طهران، إستهدفت العالم النووي الكبير فريدون عباسي وهو رئيس قسم الفيزياء النووية في جامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري، بينما كان يقود سيارته من طراز بيجو 206 وبرفقته زوجته. أيضاً ألصقت قنبلة على الجدار الخارجي لباب سيارته، وقد إنتبه سريعاً للأمر، فقرر توقيف سيارته والترجل منها هو وزوجته، قبل ثوان معدودة من الإنفجار الذي أدى إلى إصابته وزوجته بجروح بالغة ولكنهما أفلتا من الموت بأعجوبة.

تم تنفيذ هاتين العمليتين صباح يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، وقد إختارت ايران الذكرى الحادية عشرة لإستشهاد الدكتور شهرياري ومحاولة إغتيال الدكتور عباسي (إتهمت طهران وقتذاك إسرائيل بالوقوف وراء العمليتين) موعداً لخوض الجولة السابعة من مفاوضات فيينا.

الفاصل بين الإنجاز الإيراني (7 شباط/فبراير 2010) وبين اغتيال شهرياري (29 تشرين الثاني/نوفمبر2010) هو 295 يوماً، وهذه المهلة الزمنية كانت كافية لكي تخطط إسرائيل وتُنفذ عملية إغتيال العالم الذي كان أحد واضعي اللبنات الأولى للمشروع النووي الإيراني

أي مكانة كان يتبوأها شهرياري في البرنامج النووي الايراني؟

حتى العام 2008 كانت الأرجنتين هي التي تؤمن لإيران وقود اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين في المئة لمفاعل طهران لإنتاج الأدوية المستخدمة في علاج أمراض السرطان، لكن الولايات المتحدة تدخلت وفرضت على الأرجنتين التوقف عن التصدير لايران.

في أيلول/سبتمبر 2009، دشّنت إيران أول معمل لتخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين بالمئة في مفاعل فردو، وقبل أن يبدأ بالإنتاج، إنطلقت في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2009، مفاوضات إيران ومجموعة دول 5+1 الهادفة إلى تأمين الوقود اللازم لمفاعل طهران. في السادس والعشرين من الشهر نفسه، أدان مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية الحكومة الإيرانية على خلفية إنشاء معمل فردو. في ذلك التاريخ، تم تدشين مسلسل العقوبات الدولية ضد ايران، الأمر الذي حرم طهران من تأمين الوقود اللازم لإنتاج أدوية السرطان.

في السابع من شباط/فبراير 2010، بدأت إيران بإنتاج الوقود المخصب بنسبة عشرين بالمئة بهدف استخدامه في مفاعل طهران للأدوية، لتستغني بذلك عن الخارج في تأمين احتياجاتها من الوقود، ومن ثم تدخل في مواجهة مع الغرب ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.

مع كل خطوة إيرانية، كان الغرب يرد بخطوات تهدف إلى منع إيران من التخصيب وبالتالي توفير الوقود اللازم لتشغيل مفاعل طهران، ولكن المشروع  العلمي ـ البحثي (النووي) بإدارة الدكتور مجيد شهرياري لم يتوقف بل كان يمضي بخطى حثيثة.

وحسب بعض العلماء، فإن شهرياري قام بوصل سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي – كل سلسلة مؤلفة من 164- ومن ثم ضخ اليورانيوم المخصب بنسبة خمسة بالمئة في أجهزة الطرد المركزي ليحصل وفق آلية معقدة على اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمئة، كذلك توصل إلى الآلية التي تضمن إنتاج الصفائح اللازمة لتبديل اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمئة إلى الوقود اللازم لتشغيل مفاعل طهران، وهذا ما جعل ايران تحصل على الإكتفاء الذاتي في توفير الوقود المخصب بنسبة عشرين بالمئة.

ولو عدنا إلى التواريخ، يتبين أن الفاصل بين الإنجاز الإيراني (7 شباط/فبراير 2010) وبين اغتيال شهرياري (29 تشرين الثاني/نوفمبر2010) هو 295 يوماً، وهذه المهلة الزمنية كانت كافية لكي تخطط إسرائيل وتُنفذ عملية إغتيال العالم الذي كان أحد واضعي اللبنات الأولى للمشروع النووي الإيراني جنباً إلى جنب مع الدكتور علي محمدي وفريدون عباسي (الصورة أدناه).

إقرأ على موقع 180  آرام جوغيان: كونشيرتو الألوان

هذه هي رمزية يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الذي إختاره المحافظون موعداً لعقد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا النووية.

عودة أميركا الشكلية إلى الإتفاق النووي “غير مقبولة”. يقول فريق المحافظين إن “الإتفاق فقط في حال رفع العقوبات”، بدل السياسة السابقة التي كانت تقول “أي إتفاق أفضل من عدم التوصل إلى إتفاق”، مع التخلي عن فكرة “الصبر الاستراتيجي” لأنها “كانت تعكس صورة ايران الضعيفة والخانعة”

وبعيداً عن رمزية التوقيت، رُبّ قائل أن فريق المحافظين لم يُضع دقيقة واحدة في التحضير لهذه الجولة التفاوضية، وذلك من لحظة إنتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية في حزيران/يونيو وليس منذ تسلمه مقاليد الرئاسة مطلع آب/أغسطس الماضي.

الأشهر الماضية شكّلت فرصة للوفد المفاوض للتمحيص والتدقيق في جولات التفاوض الست السابقة في فيينا، وصولاً إلى اختيار ما يسمى “الموعد الإستراتيجي” لاستئناف المفاوضات.

“الكلمة العليا في الجولة المقبلة من مفاوضات فيينا ستكون للوفد الإيراني”، كما يقول خبير إيراني على تماس مع الملف النووي “فهذا التاريخ، فضلاً عن أنه يُخلّد ذكرى عملية اغتيال الدكتور فريدون عباسي والدكتور مجيد شهرياري، سوف يمنح ايران الفرصة الكافية لإنتاج كميات ضخمة من الوقود النووي”.

وما الفائدة من ذلك؟

تمتلك إيران حالياً أكثر من 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمئة و25 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة ستين بالمئة، ومع حلول يوم التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي “سوف يكون لدى ايران من الوقود النووي ما يمنحها القدرات النووية الردعية، وهذا الوقود يمكن أن يساهم في خلط الأوراق ويجعل من ايران لاعباً مؤثراً وقوياً بدل أن تكون لاعباً ضعيفاً في قاعة المفاوضات”.

الفريق المحافظ الذي يتبنى هذه الاستراتيجية يعتقد أن الجولة المقبلة من المفاوضات “يجب أن تثمر عن نتائج تؤدي إلى رفع العقوبات بشكل حقيقي”. لا مجال للمناورة. عودة أميركا الشكلية إلى الإتفاق النووي “غير مقبولة”. يقول هذا الفريق “الإتفاق فقط في حال رفع العقوبات”، بدل السياسة السابقة التي كانت تقول “أي إتفاق أفضل من عدم التوصل إلى إتفاق”، مع التخلي عن فكرة “الصبر الاستراتيجي” لأنها “كانت تعكس صورة ايران الضعيفة والخانعة”.

هل تنجح هذه الإستراتيجية التي ينادي بها المحافظون وبينهم الفريق الايراني المفاوض برئاسة علي باقري كني في تحقيق أهداف ايران في الجولة السابعة من مفاوضات فيينا وهي إلغاء العقوبات الإقتصادية الأميركية بالكامل؟

لا أحد يمتلك الجواب. لننتظر ما ستحمله إلينا هذه الجولة، برغم مناخات التشاؤم التي تلف العديد من العواصم المعنية، ومن بينها طهران.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الفشل الإسرائيلي في غزّة.. سردية الجرح الفلسطيني