“في 31 تشرين الأول/أكتوبر، تطرّق الرئيس الأميركي جو بايدن إلى خطر المسيّرات الإيرانية في خطاب ألقاه في قمة G2، معلناً أن الولايات المتحدة ستردّ على العمليات الإيرانية التي تتعارض مع مصالح واشنطن، بما فيها الهجمات التي تنفَّذ بواسطة المسيّرات. قصد بايدن في كلامه الهجوم الإيراني المفاجىء بواسطة المسيّرات على قاعدة التنف في 20 تشرين الأول/أكتوبر.
يوجد في قاعدة التنف، الواقعة في الأراضي السورية على المثلث الحدودي بين الأردن والعراق وسوريا، نحو 400 جندي ومدني أميركي. وهذه أول مرة تهاجم إيران هذه القاعدة منذ إقامتها لمحاربة داعش. وبالاستناد إلى مصادر سورية، نفّذت الهجوم 5 مسيّرات تابعة للميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، 3 مسيّرات أتت من سوريا و2 من العراق، وهو ما يدل على تنسيق وثيق وعالي المستوى بين الميليشيات الموالية لإيران في استخدام هذا السلاح الجديد. لم تقع إصابات نتيجة الهجوم، لكن الأضرار كانت جسيمة.
في 31 تشرين الأول/أكتوبر، تحدثت وكالة الأنباء الفارسية “تنسيم” عن هجوم آخر بالصواريخ على قاعدة أميركية في سوريا.
تحوّلت المسيّرات إلى مصدر قلق كبير للولايات المتحدة وإسرائيل. بدأ هذا خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب في أعقاب الهجوم الإيراني على منشآت النفط التابعة لشركة “أرامكو” في السعودية في 14 أيلول/سبتمبر 2019
تحولت المسيّرات، أو كما يسميها الجيش الإسرائيلي الطائرات من دون طيار، إلى سلاح خطِر جداً في الشرق الأوسط، طوّره الإيرانيون وهو يحقق نتائج مذهلة في الحرب التي يخوضها الحوثيون الموالون لإيران في اليمن ضد السعودية، كما زود الإيرانيون الميليشيات الموالية لهم في العراق وسوريا، وكذلك حزب الله في لبنان، بهذا السلاح، وأيضاً “حماس” والجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
في الأشهر الأخيرة هاجمت هذه المسيّرات أهدافاً في الأردن أطلقتها ميليشيات موالية لإيران في جنوب سوريا، كما جرت أيضاً محاولات تسلُّل لهذه المسيّرات إلى المجال الجوي الإسرائيلي اعترضها سلاح الجو الإسرائيلي.
تحوّلت المسيّرات إلى مصدر قلق كبير للولايات المتحدة وإسرائيل. بدأ هذا خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب في أعقاب الهجوم الإيراني على منشآت النفط التابعة لشركة “أرامكو” في السعودية في 14 أيلول/سبتمبر 2019. أعلن يومها الحوثيون في اليمن، رسمياً، مسؤوليتهم عن الهجوم، لكن مصادر استخباراتية إسرائيلية تقدّر أن إيران هي التي أطلقت الصواريخ الباليستية والمسيّرات المفخخة التي استُخدمت في الهجوم، واستطاعت إصابة الأهداف بدقة كبيرة والتسبب بضرر جسيم.
الإيرانيون يستخدمون المتمردين الحوثيين في اليمن من أجل إطلاق المسيّرات الانتحارية على سفن غربية تعبر طرق الملاحة الدولية في خليج عُمان والبحر الأحمر. ويبدو أن سفينة “مرسر ستريت” تعرضت لهجوم في 29 تموز/يوليو في خليج عُمان بواسطة مسيّرات إيرانية انطلقت من اليمن، حيث أقامت إيران قاعدة كبيرة للمسيّرات الانتحارية.
في 12 أيلول/سبتمبر، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس أن إيران تُعد نشطاء لإطلاق المسيّرات من قاعدة “قاشان” الموجودة شمالي مدينة أصفهان في إيران. وتُعتبر هذه القاعدة الحجر الأساس في منظومة تصدير السلاح الإيراني في المنطقة، والمقصود سلاح فتاك ودقيق، مثل صاروخ باليستي أو طائرة قادرة على اجتياز آلاف الكيلومترات. ويُصنّع الإيرانيون المسيّرات ويصدّرونها إلى وكلائهم الذين يعملون بالتنسيق معهم وبقيادة سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، قال غانتس.
وبالاستناد إلى مصادر أمنية رفيعة المستوى، إسرائيل شجّعت إدارة بايدن على اتخاذ خطوات ضد رؤساء منظومة المسيّرات الإيرانية بعد الهجوم على سفينة “مرسر ستريت”.
في 29 تشرين الأول/أكتوبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركتين إيرانيتين و4 شخصيات مدنية إيرانية لها علاقة بالمسيّرات، وبين الأسماء التي فُرضت عليها عقوبات، سعيد أرجاني رئيس منظومة المسيّرات في سلاح الجو التابع للحرس الثوري الإيراني. لكن الولايات المتحدة امتنعت عن فرض عقوبات على “رأس الحية” المسؤول عن استخدام المسيّرات، أي قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الجنرال أمير حاجي زاده.
تغيّر المسيّرات الإيرانية وجه القتال الجوي في الشرق الأوسط، وسيكون لها دور مهم في أية معركة عسكرية مستقبلية تخوضها إيران ووكلاؤها ضد إسرائيل
من المحتمل أن إدارة بايدن لا تريد التصعيد أكثر ضد إيران، بل إبقاء الفرصة لعودة الأخيرة إلى المحادثات النووية في ڤيينا (ستستأنف في جولته السابعة في 29 الشهر الحالي)، لذلك لم تفرض عقوبات على أمير حاجي زاده. لكن بالنسبة إلى إسرائيل، فإن حاجي زاده هدف شرعي يجب المسّ به في التوقيت الملائم.
إلى أين تتجه الأمور؟
المسيّرات الإيرانية ستُشغل الشرق الأوسط وإسرائيل والولايات المتحدة وقتاً طويلاً. وقد تحولت إلى سلاح إيراني – شيعي خطِر وفعال يهدد كل الدول السنّية في الشرق الأوسط.
لقد سبق أن تعهدت الولايات المتحدة أمام العاهل الأردني الملك عبد الله بتزويده بأجهزة إنذار ودفاع ضد المسيّرات من إنتاج إيراني، وجزء من هذا العتاد، الذي أصبح متاحاً بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، سيُنقل إلى الأردن لهذا الغرض.
في إطار العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، جرى البحث عدة مرات في خطر المسيّرات الإيرانية، كما طُرح الموضوع أيضاً في لقاء رئيس الحكومة (نفتالي بينيت) والرئيس بايدن في البيت الأبيض. وفي الواقع، تغيّر المسيّرات الإيرانية وجه القتال الجوي في الشرق الأوسط، وسيكون لها دور مهم في أية معركة عسكرية مستقبلية تخوضها إيران ووكلاؤها ضد إسرائيل.
منذ ولاية الرئيس ترامب، شُكِّلت مجموعة عمل إسرائيلية – أميركية مشتركة لفحص سبل معالجة خطر المسيّرات الإيرانية وتواصل هذه المجموعة عملها خلال ولاية بايدن أيضاً.
وتقترح إسرائيل انضمام الدول العربية المهددة بالمسيّرات الإيرانية، مثل السعودية والأردن، إلى التعاون مع الولايات المتحدة في هذا الموضوع (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية)”.