تتركز الجهود الدبلوماسية المبذولة حالياً علی التوصل إلى “إطار” للمباحثات بين إيران والولايات المتحدة في الوقت الذي تبذل “مجموعة 4+1” جهوداً لتقريب وجهات النظر بين الطرفين بما يؤدي إلى وضع هذا الإطار، حسب الأهداف المعلنة أو غير المعلنة لكلا الطرفين.
يمكن الحديث عن دائرتين خلافيتين بين المتحاورين، وبعبارة أدق بين إيران من جهة والدول الاوروبية والولايات المتحدة من جهة أخرى. الدائرة الأولی المعلنة هي خفض التصعيد في البرنامج النووي الإيراني، إضافة إلی آلية إزالة “عقوبات دونالد ترامب”. الدائرة الثانية غير المعلنة هي النقطة التي يحاول الجانب الأمريكي مناقشتها مع الجانب الإيراني سواء في هذه الجولة أو بعد التوصل إلى إتفاق، وهي المتعلقة بالصواريخ الإيرانية البالستية ونفوذ إيران الاقليمي، وهما قضيتان تمُسّان ما يسمى “الأمن القومي الإسرائيلي”.
حتى الآن، يرفض الجانب الإيراني القبول بمناقشة الدائرة الثانية ولا يقبل إدراج أي فقرة تشير إلی ذلك مستقبلاً. أما الدائرة الأولی، فهو يناقشها من خلال طرح تصوراته بشأن “مسودة القرار” التي تم التوصل اليها قبل يونيو/حزيران الماضي، أي بعد إعلان الوفد الإيراني إعترافه بنتائج الجولات التفاوضية السابقة في زمن حكومة الرئيس حسن روحاني.
المفاوضات ليست عادية أو بسيطة. إنها مفاوضات معقدة وعميقة لأنها ترتبط بموضوع شائك ومعقد لا يقتصر علی البرنامج النووي الإيراني علی أهميته وإنما يرتبط بمستقبل منطقة الشرق الاوسط.
لم تشهد المفاوضات بين إيران والمجموعة الغربية ضغوطاً كالتي تشهدها الجولة السابعة، وهي ضغوط تأتي من عواصم متعددة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف إرغام الجانب الإيراني على تقديم تنازلات يطالب بها الجانب الأمريكي.
وبطبيعة الحال، إسرائيل ليست بعيدة عن هذه الضغوط من خلال تلويحها المتزايد بشن هجوم عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، في الوقت الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت يزور الولايات المتحدة ثم الامارات والهدف واحد ألا وهو التحشيد ضد إيران!
شدّد مُحدثي الإيراني أيضاً على أن الفريق الإيراني المفاوض يملك إستراتيجية واضحة في المفاوضات وهو جاهز للتقدم خطوة إلى الأمام اذا لمس تقدم الأمريكي بمثل هذه الخطوة؛ وإلا فانه سيكون في قاعة المفاوضات لا يتركها وسيطالب بحقوقه في إعادة إحياء الإتفاق النووي
يقول العارفون في “إدارة الأزمات” إن إسرائيل تحاول السير بمسارين؛ الأول مساعدة المفاوض الأمريكي من خلال لهجة التصعيد بالخيارات العسكرية ضد إيران؛ المسار الثاني من خلال العمل علی توريط بعض الدول الخليجية في أي تصعيد محتمل وفق الخيارات التي تضعها تل أبيب، إلا أن مصادر مواكبة تؤكد أن الدول الخليجية لا تريد الإنجرار إلى أي مغامرات عسكرية إسرائيلية حتی وإن كانت هناك خلافات بينها وبين إيران، إلا أن هذه الخلافات لا ترقى إلى أن تكون محفزاً للوقوف مع اسرائيل في حرب تُشن علی إيران. اما امكانية شن إسرائيل حرباً ضد إيران من دون غطاء عسكري أمريكي، فمن السذاجة تصور ذلك حالياً وبالتالي، ثمة إعتقاد أن الأجواء غير مؤاتية لمثل هذا الخيار الإسرائيلي.
في قاعة المفاوضات في فيينا هناك أجواء أخری. فالمواقف الإيرانية منسجمة الی حد بعيد مع الموقفين الروسي والصيني خلافاً لما هو الحال بين إيران والدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا). الأوروبيون يحاولون الإيحاء أنهم يعملون من أجل تقريب وجهات النظر بين الجانبين الإيراني والأمريكي لكن غير المعلن هو الضغط علی إيران بما يحقق المصالح الأمريكية. الأوروبيون يسوّقون معلومات غير دقيقة تفتقر للشفافية بشأن علاقة المواقف الإيرانية بموقف كل من الصين وروسيا في الوقت الذي يحاولون فيه إبقاء الجانب الإيراني في قاعة المفاوضات مع توجيه أصابع الإتهام إليه بمضيعة الوقت والمماطلة من خلال طرح شروط تعجيزية!
في مواجهة ذلك، يقول عضو في الوفد الإيراني المفاوض إن هذا الفريق يعلم جيداً ماذا يريد الجانب الأمريكي وكيف يتصرف الأوروبيون، ويعلم أيضاً أن هذه المفاوضات تحتاج إلی “قرارات صعبة” يجب أن يتخذها الجانب الأمريكي لإزالة “عقوبات ترامب”. كما يعلم أيضاً أن مضيعة الوقت لا تصب في مصلحة أي من الطرفين اللهم إلا اذ كانت النوايا تتجه باتجاه زيادة الضغوط الإقتصادية والسياسية والأمنية على إيران تحت غطاء المفاوضات. وشدّد مُحدثي الإيراني أيضاً على أن الفريق الإيراني المفاوض يملك إستراتيجية واضحة في المفاوضات وهو جاهز للتقدم خطوة إلى الأمام اذا لمس تقدم الأمريكي بمثل هذه الخطوة؛ وإلا فانه سيكون في قاعة المفاوضات لا يتركها وسيطالب بحقوقه في إعادة إحياء الإتفاق النووي الذي توصلت اليه إيران مع المجموعة الغربية عام 2015.