ليست المرّة الأولى التي يتضمن فيها مرسوم دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي تعييناً للمواضيع التي يجب على المجلس مناقشتها في هذا العقد. مثلاً، تضمن المرسوم الرقم 786 تاريخ 1-6-2017 دعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي يفتتح بتاريخ 7 حزيران/يونيو 2017 ويختتم بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2017 ضمناً، على أن يحدد برنامج هذا العقد حصراً بإقرار قانون جديد لإنتخاب اعضاء مجلس النواب. يومذاك، عقد مجلس النواب جلسته بتاريخ 16 تموز/يوليو 2017 ولم يناقش سوى هذا الموضوع المحدد، ولكن هل لهذا الموقف الذي اتخذه المجلس قوّة الإلزام بحيث يتوجّب عليه التقيّد بما ورد في المرسوم رقم 8662 تاريخ 6 كانون الثاني/يناير 2022 الصادر عن رئيس الجمهورية ميشال عون والقاضي بدعوة مجلس النواب الى عقد استثنائي يفتتح بتاريخ 10 كانون الثاني/يناير 2022 ويختتم بتاريخ 21 آذار/مارس 2022 وفق برنامج اعمال محدد؟.
ثمة قاعدة أولى في تفسير القوانين أنه يقتضي تفسير النصوص بالشكل الذي يجعلها متوافقة بعضها مع بعض بدلاً من تعطيل مفعولها بتفسير نص بصورة غير متلائمة او متجانسة مع النص الآخر، وإلا جُرِد هذا النص من مفاعيله. لهذا، فإن قراءة المادة 33 التي تتحدث عن برنامج الدورة الاستثنائية لا يمكن أن يتمّ بعيداً عن المادة 32. على ماذا تنص هذه المادة وتلك؟
المادة 32: “یجتمع المجلس في كل سنة في عقدین عادیین فالعقد الأول یبتدئ یوم الثلاثاء الذي یلي الخامس عشر من شهر آذار/مارس وتتوالى جلساته حتى نهایة شهر أیار/مايو والعقد الثاني یبتدئ یوم الثلاثاء الذي یلي الخامس عشر من شهر تشرین الأول/أكتوبر وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصویت علیها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة”.
المادة 33: “إن افتتاح العقود العادیة واختتامها یجریان حكما في المواعید المبینة في المادة الثانیة والثلاثین. ولرئیس الجمهوریة بالاتفاق مع رئیس الحكومة أن یدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائیة بمرسوم یحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. وعلى رئیس الجمهوریة دعوة المجلس إلى عقود استثنائیة إذا طلبت ذلك الأكثریة المطلقة من مجموع أعضائه”.
إذاً، تنصُّ المادة 32 على أن تخصص جلسات العقد الثاني للبحث في الموازنة والتصويت عليها. هنا تم إستخدام مصطلح “تُخصّص” الذي قد يوحي أنه يمنع المجلس من ممارسة كامل صلاحياته خلال دور الانعقاد الثاني. لكن الأمر على خلاف ذلك، حيث يرى أستاذ مادة القانون الدستوري زهير شكر أن مرد القول بحق مجلس النواب في ممارسة صلاحياته كافة في العقد الثاني “أن دراسة الموازنة تكون بين أيدي اللجان البرلمانية وليس الهيئة العامة. وأنه ليس في الأمر أي شائبة دستورية لأن تجتمع الهيئة العامة وتمارس صلاحياتها، لأن روح النص تعني انه عند انكباب المجلس على دراسة مشروع الموازنة بعد انتهاء اللجان النيابية من دراستها عليه ان يستمر في دراستها والتصويت عليها قبل أي عمل آخر” (زهير شكر- الوسيط في القانون الدستوري اللبناني – المجلد الأول- ص 522).
وكان النائب مخايل الضاهر قد أثار هذا الأمر في جلسة 19 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1995 فقرأ المادة 32 وقال: “نص المادة 32 من الدستور صريح جداً ولا مجال للاجتهاد في معرض النص، فهذه المادة تمنع المجلس من أن يقوم بأي عمل آخر قبل بحث الموازنة والتصديق عليها…”. فرد رئيس المجلس نبيه بري قائلاً: “الأعراف وآلية التعامل مع النص، هي التي تحدد كيفية تطبيقه، فالعرف جزء لا يتجزأ من التشريع، وجرى العرف في هذا المجلس وفي غيره، انه أثناء درس قوانين الموازنة، وبمجرد ان يطرح هذا الأمر على اللجان يبدأ التشريع بأمور أخرى لذلك فإن تفسير الرئاسة هو انه عندما تطرح مناقشة الموازنة وقطع الحساب على الهيئة العامة يمتنع عليها التشريع في أي أمر آخر، هذا هو اجتهادي..” (الدور التشريعي الثامن عشر العقد العادي الثاني لسنة 1995- محضر الجلسة الثانية).
إستخدام مصطلح “تُخصّص” الذي قد يوحي أنه يمنع المجلس من ممارسة كامل صلاحياته خلال دور الانعقاد الثاني. لكن الأمر على خلاف ذلك، حيث يرى أستاذ مادة القانون الدستوري زهير شكر أن مرد القول بحق مجلس النواب في ممارسة صلاحياته كافة في العقد الثاني “أن دراسة الموازنة تكون بين أيدي اللجان البرلمانية وليس الهيئة العامة. وأنه ليس في الأمر أي شائبة دستورية لأن تجتمع الهيئة العامة وتمارس صلاحياتها”
وكان النظام الداخلي القديم لمجلس النواب الصادر في العام 1953 قد عمد إلى تبيان صلاحيات مجلس النواب في كلٍّ من العقدين العادي والإستثنائي، وذلك في المادة 53: “يدرس المجلس في دورته العادية الأولى كل ما لديه من المشاريع والمواضيع بصورة عامة، وتخصص الدورة العادية الثانية لدرس الموازنة أولاً ثم بعد إقرارها تدرس المواضيع …”. إلا أن هذه المادة حُذِفت من الأنظمة اللاحقة لعام 1982، و1994 وتعديلاته لا سيما بموجب تعديل 21-10-2003 وأبقي على النص الوارد في المادة 49: “ينعقد مجلس النواب في دورات عادية واستثنائية وفقاً لأحكام الدستور”، ما يعني أن نية مجلس النواب هي الرجوع عن هذا التفسير الضيّق للنص الدستوري.
لذا وحيث أن المجلس الدستوري فسّر العقد العادي والعقد الاستثنائي على حد سواء، بأن العقدين يؤلفان وعاءً زمنياً يصنع التشريع فيه (م.د. قرار رقم 4/2001 تاريخ 29-9-2001 الصادر في الطعن بقانون تعديل بعض مواد قانون أ.م.ج تاريخ 18-8-2001)، وأنه وفق المادة 31 من الدستور فإن البطلان يصيب أعمال المجلس الحاصلة خارج أدوار الانعقاد، هنا يقود التفسير المنسجم مع المواقف المذكورة لاعتبار أن الأعمال التي يتخذها مجلس النوب خلال دورة الانعقاد الاستثنائية لا يشوبها العيب حتى ولو لم تكن مذكورة في مرسوم الدعوة.
علماً أن مقررات مجلس النواب لا تخضع كلها لرقابة رئيس الجمهورية أو القضاء الدستوري أو الإداري، فهناك فئة من الأعمال تسمى بالأعمال البرلمانية الخارجة عن كل أنواع الرقابات، وذلك أسوةً بالأعمال الحكومية التي تتمتع بالحصانة القضائية (م.ش. قرار رقم 732/2012-2013 تاريخ 25-9-2013 المحامي جهاد ذبيان/ الدولة). فبحسب تعبير مجلس شورى الدولة فإن المجلس النيابي بصفته السلطة التشريعية في البلاد يتمتع بموجب الدستور باستقلال في التدابير التي يتخذها مكتبه أو رئيسه أو لجانه أو ما يصدر عن مجموعه من تشريعات وقرارات. وأن الرقابة على الأعمال البرلمانية هي استثناء على مبدأ الفصل بين السلطات وما ينتج عنه من حصانة قضائية لهذه الأعمال (م.ش. قرار رقم 88/2002 – 2003 تاريخ 7-11-2002 رقم المراجعة 5266/93 جوي فؤاد ثابت/مجلس النواب)، وعليه فإن لمجلس النواب ممارسة كافة أعماله الأخرى غير التشريعية بما فيها تشكيل لجان برلمانية وأي أعمال أخرى لها الصفة البرلمانية، أما التشريع فيبقى خاضعاً لرقابات دستورية سواءً تلك العائدة لرئيس الجمهورية لناحية ردّ القانون أو للمجلس الدستوري في معرض النظر في الطعن الوارد به.