ماذا حدث يوم الاثنين؟
استهدف هجومٌ، يُشتبه أنه تم بطائرة مُسيرة وتبنته جماعة أنصار الله اليمنية، منشأة نفطية رئيسية في أبو ظبي يوم الاثنين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص (باكستاني وهنديان).
الحوثيون أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجوم بعد وقت قصير من إعلان أبوظبي عن وقوع الحادث، لكنهم لم يتحدثوا عن نوع الهجوم أو مكان تنفيذه.
وأفادت وكالة أنباء الإمارات (وام)، نقلاً عن شرطة أبوظبي، أن حريقاً اندلع في منطقة “المُصفح” الصناعية بالقرب من مرافق التخزين التابعة لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، ما أدى إلى انفجار ثلاث شاحنات وقود.
في غضون ذلك، أفاد بيان للشرطة أنه تم الإبلاغ عن حريق طفيف في موقع بناء جديد في مطار أبوظبي الدولي. وقالت إنه لم تقع أضرار كبيرة جراء الحادثين.
بدورها، نقلت قناة “المسيرة” الإخبارية عن المتحدث العسكري للحوثيين المتحالفين مع إيران قوله إن الجماعة شنَّت عملية عسكرية في “قلب الإمارات”، وأنها ستعلن التفاصيل خلال الساعات المقبلة.
وفي وقت لاحق يوم الاثنين، أعلن “التحالف” الذي تقوده الرياض ضد الحوثيين في اليمن، عن تدمير ثلاث طائرات مُسيرة، قال إنها أُطلقت باتجاه جنوب المملكة العربية السعودية، بحسب التلفزيون السعودي.
لماذا يستهدف الحوثيون الإمارات؟
كانت الإمارات طرفاً أساسياً من “التحالف” الذي تقوده السعودية منذ بدأت الحرب في اليمن في عام 2015 تحت شعار “إعادة حكومة عبد ربه منصور هادي”؛ المُعترف بها دولياً، والتي أطاح بها الحوثيون في أواخر عام 2014.
وفي حين تُصر الإمارات على أنها قلَّصت مشاركتها العسكرية في اليمن منذ عام 2019، غير أن محللين يؤكدون أنها لا تزال تحتفظ بنفوذ كبير من خلال دعم مقاتلين يمنيين وغير يمنيين هناك.
وكان القتال في اليمن قد اشتد منذ 25 كانون الأول/ ديسمبر، بعدما شنَّ “التحالف” الذي تقوده السعودية هجوماً “واسع النطاق” على محافظة صنعاء، رداً على صواريخ أطلقها الحوثيون وأدت إلى مقتل شخصين في السعودية، وهي أول حالة وفاة من نوعها منذ ثلاث سنوات. في حين أسفر الهجوم السعودي على صنعاء عن مقتل ثلاثة أشخاص، ما دفع الحوثيين إلى تحذير الرياض من رد “مؤلم” إذا لم يوقف التحالف “عدوانه”، كما قال المتحدث باسم الجماعة يحي سريع.
وأعلنت القوات الموالية للحكومة اليمنية، في الأسابيع الأخيرة، عن أحد أهم انتصاراتها في الحرب المستمرة منذ سبع سنوات، بعد أن طردت الحوثيين من محافظة “شبّوة” (جنوب شرق اليمن) الغنية بالنفط؛ وتقدمت إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في مأرب (شمال البلاد).
وهذا التقدم، الذي أحرزته القوات الموالية للحكومة اليمنية، تم فقط بفضل تدخل “كتائب العمالقة“، القوات اليمنية (وغير اليمنية) المدعومة من الإمارات.
وخلال الحرب الدائرة بينهما، كثيراً ما تبنى الحوثيون هجمات شُنت بطائرات بدون طيار وإطلاق صواريخ على السعودية، لكنهم لم يعلنوا سوى عن عدد قليل من الهجمات التي استهدفت الإمارات، وهو ما تنفيه السلطات الإماراتية.
فقبل أسبوعين فقط، أكد الحوثيون أنهم احتجزوا سفينة ترفع علم الإمارات قبالة الساحل اليمني، وقالوا إنها كانت تحمل “أسلحة للمتطرفين”، رافضين الإفراج عنها أو عن أفراد طاقمها (عددهم 11 لا يزالون رهائن)، وذلك رغم مطالبة مجلس الأمن الدولي “الإفراج عن السفينة”. وقد نددت أبوظبي بالحادث، ووصفته بأنه “تصعيد خطير”.
“الإمارات أداة في أيدي الولايات المتحدة وإسرائيل. سنواجهها إما داخل اليمن أو باستهداف أراضيها” – زعيم حوثي
وقال أحد قادة الحوثيين في صنعاء، تحدث إلى لموقع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته، إن “أنصار الله [الحوثيين] يستهدفون الإمارات هذه المرة لأنها عادت إلى خط المواجهة في الصراع اليمني مرة أخرى بهدف قتالنا، بينما كنَّا على وشك تولي زمام الأمور والسيطرة على مأرب”.
وأشار إلى أن التطورات الأخيرة في مأرب والتقدم الذي أحرزته “قوات العمالقة” المدعومة إماراتياً كانت السبب وراء هجوم الحوثيين الأخير على الإمارات. وقال “الحوثيون يريدون إرسال رسالة إلى الإماراتيين مفادها أنهم يستطيعون استهداف أراضيهم. لدينا أسلحة يصل مداها إلى الإمارات، وهم لا يستطيعون تحمل هجماتنا. إذا استمروا في دعم الولايات المتحدة في قتالنا، فإننا نعدهم بشن هجمات مثل تلك التي نشنها ضد السعودية. الإمارات أداة بيد أميركا وإسرائيل. وسنواجهها إما داخل اليمن أو باستهداف أراضيها”.
ويرى بيتر سالزبوري، كبير المحلليي المختصين بالشأن اليمني في “مجموعة الأزمات الدولية”، أن الإمارات تزعم أنها لم تعد تشارك في القتال على الخطوط الأمامية في حرب اليمن، لكن التصور السائد لدى العديد من اليمنيين- والحوثيين على وجه الخصوص- هو أن القوات التي انتزعت السيطرة على بعض الأراضي من الحوثيين “متحالفة مع الإمارات وتُدار وتعمل بأوامر مباشرة من أبوظبي، حتى لو كان السعوديون هم من يتخذ القرارات ويتولون زمام الأمور على الأرض من الناحية الفنية”.
وأضاف سالزبوري، في حديث لموقع “ميدل إيست آي”: “يبدو أن موقف الحوثيين اليوم هو أنهم مستمرون في استهداف الإمارات إلى أن تتوقف الهجمات ضدهم”.
ماذا حدث بعد ذلك؟
بعد الهجوم يوم الإثنين، غرَّد المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام، قائلاً: إن “الإمارات تزعم أنها نأت بنفسها عن اليمن، لكنها كشفت مؤخراً عن عكس ما تزعم”، مشيراً إلى أن أمام أبو ظبي خيارين: إما التوقف عن التدخل في اليمن أو مواجهة العواقب.
بدوره، قال آدم بارون، المحلل السياسي المختص بالشأن اليمني والخليجي، إن “الهجوم يأتي في أعقاب مكاسب كبيرة حققتها ما يُوصف بـ’القوات المدعومة من الإمارات’ في ساحة المعركة. هذا الهجوم هو الأهم الذي يشنه الحوثيون ضد أهداف إماراتية حتى الآن. وهناك بالتأكيد احتمال لمزيد من التصعيد، وقد شهدنا بوادر هذا التصعيد في سلسلة الضربات الجوية التي اسنهدفت صنعاء كرد ظاهر على الهجوم”.
“أبوظبي ستضغط على مجلس الأمن من أجل فرض المزيد من العقوبات ضد الحوثيين.. وستطلب من واشنطن إعادة تصنيف أنصار الله منظمة إرهابية”- محمد باشا، محلل سياسي
السلام والإستقرار في اليمن بعيد المنال
بدوره، قال محمد الباشا، المحلل المختص بشؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة “نافانتي”، إن أبو ظبي ستستخدم على الأرجح مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للفترة من 2022 إلى 2023 للضغط من أجل فرض المزيد من العقوبات ضد قادة الحوثيين. وزعم أن الإمارات تضغط على واشنطن لإعادة تصنيف أنصار الله “منظمة إرهابية”.
يُذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن، وبعد فترة وجيزة من توليه منصبه، أصدر أوامره بإنهاء الدعم للعمليات القتالية والهجمات التي يشنها “التحالف” الذي تقوده السعودية في اليمن. كذلك ألغى بايدن القرار الذي كان أصدره سلفه دونالد ترامب “إدراج تنظيم أنصار الله كمنظمة إرهابية”.
وأضاف الباشا: “أظن أن الإمارات ستستمر في تقديم المزيد من الدعم اللوجستي لقوات حراس الجمهورية والألوية العملاقة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي. فكرة السلام والإستقرار في اليمن ستكون بعيدة المنال في هذه المرحلة”.
ومع ذلك، يشكك بعض اليمنيين في قدرة الحوثيين على إطلاق طائرات مسيرة ضد الإمارات، عبر السعودية.
وقال محمد علي، صحافي ومعلق: “نعلم أن التصعيد في شبوة ومأرب ضد الحوثيين كان بعد الحصول على الضوء الأخضر من الإمارات، ونعلم أن الحوثيين يريدون الانتقام. لكنني لا أصدق أن الحوثيين لديهم أسلحة يمكنهم بواسطتها استهداف الإمارات. إذا فعلوا ذلك، فهذا يعني أنهم أصبحوا قوة لا يُستهان بها، وباتوا يشكلون تهديداً حقيقياً للدول المجاورة.”
وقال إنه يعتقد أن الطائرات المسيرة ربما تكون قد أُرسلت من إيران “لكن الحوثيين كانوا سعداء بغلإدعاء بأن لديهم أسلحة حديثة. الأشهر المقبلة ستُظهر للعالم ما إذا كان الحوثيون هم من يقفون وراء هجوم أبوظبي أم لا. لكن بالنسبة لي، ما زلت أشك في أن الحوثيين فعلوا ذلك”.
(*) النص الأصلي بالإنكليزية على موقع “ميدل إيست آي“