دراسة عبرية عن إيران النووية: إسرائيل في ورطة إستراتيجية!

Avatar18001/02/2022
الباحثون في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي سيما شاين، راز تسميت، وأفرايم أسكوالي، نشروا دراسة في نشرة "تقديرات إستراتيجية" التي يصدرها المعهد تتمحور حول مآلات الملف النووي الإيراني، وهذا أبرز ما تضمنته، كما ترجمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية إلى اللغة العربية:

“في العام الماضي، واجهت إيران صعوبات متزايدة في الساحة الإقليمية. لقد اعتُبر انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان تطوراً استراتيجياً إيجابياً، لكن عودة سيطرة طالبان تشكل تحدياً جدياً لمصالح أمنية واقتصادية حيوية بالنسبة إلى إيران.

في العراق، مُنيت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بهزيمة قاسية في الانتخابات البرلمانية، مع ازدياد الانطباع بحدوث ضعف في رقابة الحرس الثوري على هذه الميليشيات. هذه التطورات، بالإضافة إلى جهود بغداد للتقرب من الدول العربية السُّنية، هي دليل على التحديات التي تواجهها إيران ووكلاؤها في العراق.

في لبنان، يواجه حزب الله تصاعداً في الانتقادات لأدائه وازدياد النفوذ الإيراني في البلد، لكن طهران تواصل تزويد البلد بالسلع والنفط من خلال الحزب.

في سوريا، الهجمات التي تستمر إسرائيل في تنفيذها وضعت إيران أمام تحدٍّ كبير، على الرغم من أنها لم تؤدّ إلى وقف مساعي إيران لتزويد حزب الله بسلاح متقدم. وفي ضوء استمرار عملية التسوية في سوريا، تتواصل أيضاً عملية تقليص القوات الإيرانية والشيعية هناك، بالإضافة إلى زيادة تمركُز مقاتلين سوريين مجندين في ميليشيات مدعومة من إيران. في الوقت عينه، يبرز تقدّم بطيء في مشاريع اقتصادية في سوريا، واستمرار الجهود لتوسيع النفوذ الاجتماعي والثقافي والتعليمي في الدولة.

في اليمن، تستمر المساعدة العسكرية للحوثيين في الحرب الدائرة ضد السعودية والهجمات بالصواريخ والمسيّرات.

في القوقاز، تواجه إيران تحديات جدية، على خلفية انتصار أذربيجان في المواجهة العسكرية ضد أرمينيا في إقليم ناغورنو كاراباخ، وتوثُّق العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل، وتصاعُد النفوذ التركي في المنطقة.

يجري كل ذلك إلى جانب عدم التعاون الإيراني في مسألة الكشف عن كميات يورانيوم لم يُعلن عنها في 4 منشآت. في هذه المنشآت يجرى تطوير آليات تفجير (المكون الأساسي الثاني في تطوير سلاح نووي). وبحسب التقديرات، في إمكان إيران القيام بتجربة نووية خلال 6 أشهر، منذ اللحظة الذي تتخذ فيها قراراً كهذا

في المقابل، تتطور عملية بدأت منذ أيام حسن روحاني، من أجل تحسين العلاقات وتبديد التوترات بين إيران وجيرانها في الخليج. تعكس هذه العملية إدراك دول الخليج استمرار الولايات المتحدة في توجهها نحو الانفصال عن الشرق الأوسط، كما يجري ذلك على خلفية المفاوضات مع إيران والعودة إلى الاتفاق النووي، وإذا نجحت فإنها ستقوّي إيران من الناحيتين السياسية والاقتصادية. من جهة أُخرى، تعبّر هذه العملية عن رغبة إيرانية في تبديد التوترات مع جيرانها – كجزء من سياستها الرامية إلى حوار إقليمي من دون مشاركة واشنطن، وكردّ على الدعوة إلى ربط النقاشات في الموضوع النووي بالسياسة الإقليمية الإيرانية. المهم في هذا السياق أن الإمارات باتت تشكل أفقاً مهماً للتجارة مع إيران. في هذا الإطار، تبرز زيارة مستشار الأمن القومي في الإمارات وشقيق ولي العهد (طحنون بن زايد) إلى طهران. أيضاً السعودية، خصم إيران المركزي، أجرت في العراق، وبوساطة منه، جولة محادثات رباعية، لم تؤدّ حتى الآن إلى حدوث انعطافة في العلاقات بين البلدين.

المواجهة بين إيران وإسرائيل تتواصل، وازدادت حدة في السنة الأخيرة، وتجلت في عمليات تخريب للبرنامج النووي الإيراني نُسبت إلى إسرائيل؛ وفي هجمات إسرائيلية في سوريا ازدادت تصاعداً مع استمرار مسعى إحباط التمركز العسكري الإيراني في سوريا، ومنع انتقال الصواريخ إلى حزب الله؛ وفي الصراع البحري الذي تمت في إطاره مهاجمة 12 باخرة إيرانية، والكشف العلني عن ذلك أدى إلى الهجوم على باخرة تجارية لها علاقة بإسرائيل؛ هجمات سيبرانية متبادلة، ومهاجمة شركات مدنية ونشر معلومات عنها، كجزء من عمليات الصراع على الوعي؛ عمليات تشويش في مرفأ بندر عباس نُسبت إلى إسرائيل، وتشويش جدول رحلات وبطاقات ذكية لشراء الوقود. في المقابل، وفي غياب هجوم مباشر ومهم في إسرائيل، جرى مؤخراً كشف وإحباط عدد من الخطط لتنفيذ عمليات إرهابية ضد جهات إسرائيلية في الساحة الدولية. وبالإضافة إلى التحركات الإقليمية، تبرز توجهات في السياسة الخارجية الدولية الإيرانية، وعلى رأسها القرار الاستراتيجي بالاعتماد على روسيا والصين، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. ضمن هذا الإطار، أبرمت إيران اتفاقاً للتعاون الاستراتيجي مع الصين لمدة 25 عاماً (آذار/مارس 2021)، وجرى تجديد التعاون الاستراتيجي مع روسيا؛ وفي أيلول/سبتمبر 2021، جرى قبول إيران عضواً في منظمة شنغهاي للتعاون، كما أجرت إيران عدداً من التدريبات البحرية المشتركة مع روسيا والصين. هذه التطورات تعزز المعسكر المحافظ بقيادة الحرس الثوري الذي يؤيد دائماً هذا الاتجاه، في مواجهة معسكر روحاني الذي يفضل تعزيز العلاقة مع الغرب؛ كما تساعد في المواجهة الإيرانية للعقوبات وتعزيز مكانتها الدولية، بما في ذلك خطوات مستقبلية إزاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي مجلس الأمن والأمم المتحدة.

مفاوضات فيينا

منذ أيار/مايو 2019، عندما بدأت إيران بخرق الاتفاق النووي رداً على انسحاب الولايات المتحدة منه، فإنها سجّلت في السنة الأخيرة تقدماً مهماً وغير مسبوق في البرنامج، بحسب تقرير الوكالة الدولية، إذ تكفي كميات اليورانيوم المخصّب على درجة 20% وحتى 60% لتخصيب مواد انشطارية في منشأة نووية أولى خلال 3 أسابيع؛ وإذا قررت إيران التخصيب على المستوى العسكري، حتى ولو كانت المادة مخصّبة على درجة 5%، فسيكون المطلوب شهرين للحصول على مواد انشطارية في منشأة نووية ثانية، ونحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر لمواد انشطارية في منشأة نووية ثالثة. في المقابل، يستمر تخصيب اليورانيوم من الحديد على درجة تخصيب 20% (وهذا عنصر مهم في السلاح النووي)؛ وجرى البدء بتخصيب اليورانيوم على درجة 20%، من خلال أجهزة طرد مركزي متقدمة في منشأة فوردو، وتقلصت بصورة كبيرة رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية – سواء بحسب بروتوكول الملحق، أو بحسب الاتفاق النووي. هذه الأرقام دفعت المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى الإعلان أن “عدم التعاون يؤثر بصورة كبيرة في قدرة الوكالة على ضمان الطابع المدني للبرنامج.”

إقرأ على موقع 180  إيتان لفرقة القناصة في مرفأ بيروت: لا إذن بإغتيال عرفات! (46)

يجري كل ذلك إلى جانب عدم التعاون الإيراني في مسألة الكشف عن كميات يورانيوم لم يُعلن عنها في 4 منشآت. في هذه المنشآت يجرى تطوير آليات تفجير (المكون الأساسي الثاني في تطوير سلاح نووي). وبحسب التقديرات، في إمكان إيران القيام بتجربة نووية خلال 6 أشهر، منذ اللحظة الذي تتخذ فيها قراراً كهذا. لكن المرحلة الثالثة من البرنامج، وهي التطابق بين آلية التفجير وبين إطلاقه كسلاح (من خلال طائرة أو صاروخ)، ستستغرق عدة أعوام.

السيناريوهات المتعددة المحتملة كلها سلبية، في نظر إسرائيل، سواء أكان المقصود اتفاقاً جزئياً، أم مماطلة مستمرة، أم تفجير المفاوضات. من هنا، تزداد الحاجة إلى المحافظة على حوار وثيق مع الإدارة الأميركية يسمح ببلورة استراتيجية شاملة تتضمن بناء تهديد عسكري ذي صدقية في الأعوام المقبلة

أربعة سيناريوهات محتملة في العام المقبل:

أولاً؛ الاتفاق على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران العائد إلى العام 2015 خلال فترة زمنية قصيرة – ضئيل المعقولية؛

ثانياً؛ استمرار النقاشات لأشهر طويلة من دون التأكد من فشلها – متوسط المعقولية؛

ثالثاً؛ اتفاق موقت – less for less – ترفضه إيران حالياً، لكن يمكن أن توافق عليه الأطراف – متوسط المعقولية؛

رابعاً؛ عدم التوصل إلى اتفاق، ووقف الاجتماعات وبدء تنفيذ خطوات ضد إيران (حتى ولو واصلت الأطراف، عملياً، الإبقاء على المسار الدبلوماسي مفتوحاً) – متوسط المعقولية.

من بين هذه السيناريوهات الأربعة، الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل العودة إلى الاتفاق النووي، طبعاً بشرط عدم ترك الانتهاكات التكنولوجية التي قامت بها إيران منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق (2018)، الذي على الرغم من المعلومات ومن التجربة التي راكمتها إيران، فإنه سيتيح المجال لعدة أعوام من التخطيط وإعداد بديل. يتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها أن أصدقاءها في الخليج سيقفون مع الإدارة الأميركية، وهم يعبّرون عن تأييدهم للعودة إلى الاتفاق النووي، وفي المقابل، يدفعون قدماً بالحوار مع إيران.

مع الأخذ في الحسبان حقيقة أن العودة أو عدم العودة إلى الاتفاق مرتبطة اليوم في الأساس بإيران، وأن فرص عدم العودة مساوية، وربما تفوق فرص التوصل إلى اتفاقات تسمح بالعودة إلى الاتفاق، فإنه من الأفضل لإسرائيل التوصل إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة بشأن مصالحها الحيوية – حرية العمل في الساحة الإقليمية، استمرار العمليات لإحباط البرنامج النووي، وتفاهمات بشأن التطورات المحتملة في المستقبل وطريقة مواجهتها.

في الخلاصة، التقدم في البرنامج النووي يمنح إيران فترة زمنية قصيرة كي تصبح قادرة على القفز إلى سلاح نووي إذا قررت ذلك. بالنسبة إلى إيران، ما دامت تتقدم في برنامجها النووي، يزداد الإغراء بعدم العودة إلى الاتفاق من دون مقابل كبير، ثمة شك في أن لدى واشنطن الرغبة أو القدرة على منحها إياه.

على هذه الخلفية، إسرائيل في ورطة استراتيجية. السيناريوهات المتعددة المحتملة كلها سلبية، في نظر إسرائيل، سواء أكان المقصود اتفاقاً جزئياً، أم مماطلة مستمرة، أم تفجير المفاوضات. من هنا، تزداد الحاجة إلى المحافظة على حوار وثيق مع الإدارة الأميركية يسمح ببلورة استراتيجية شاملة تتضمن بناء تهديد عسكري ذي صدقية في الأعوام المقبلة والدفع قدماً بضغط متعدد الأبعاد على إيران؛ وإحباط مكونات متقدمة في البرنامج النووي عند الحاجة؛ وتوسيع نطاق المعركة بين الحروب للجم تمركُز إيران، ليس فقط في النطاق السوري؛ وبلورة حلف إقليمي واسع (من خلال استغلال اتفاقات أبراهام) وحلف دولي للتضييق على تحركات إيران، وتعزيز الردع حيالها.

(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  نافذة لـ"فرصة أميركية إسرائيلية" ضد إيران.. عمرها 4 أشهر!