“آسيا تايمز”: ماذا عن حماقات بايدن وجونسون في الأزمة الأوكرانية؟

منى فرحمنى فرح13/02/2022
إن محاولة كل من الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، تعويض تراجع شعبيتهما في الداخل عبر خيار إثارة مناخات الحرب الباردة، والضغط باتجاه تأجيج الأزمة الأوكرانية، هو خيار غير إستراتيجي، يجعلهما كمن يطلق النار على نفسه، بحسب ما يشرح جوزيف ناثان في "آسيا تايمز" (*).

تبدو تحذيرات الولايات المتحدة من أن روسيا عازمة على غزو أوكرانيا وكأنها تكرارٌ للخطاب المثير الداعي للحرب، الذي سبق واستخدمته إدارة جورج دبليو بوش للإطاحة بكل من صدام حسين ومعمر القذافي من السلطة، لإمتلاكهما أسلحة دمار شامل، وهي مزاعم تبين أن لا أساس لها من الصحة.

ومن أجل تجنب الإنجرار إلى حرب أخرى بقيادة الولايات المتحدة، ومن أجل تفادي استخدام الحرب كأداة سياسية بيد الأميركيين، عقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤتمراً صحفياً، في 29 كانون الثاني/ يناير، ليعلن على الملأ أن المشاكل التي تمر بها بلاده في الوقت الحالي “جاءت من الغرب وليس من الشرق”، متهماً وسائل الإعلام بإثارة الذعر والتضليل.

وقال زيلينسكي في مؤتمره الصحفي إن زعزعة الإستقرار داخل أوكرانيا هو التهديد الحقيقي وليس روسيا، وهذا يشير إلى التحديات التي تواجهها الحكومة المركزية في الحفاظ على أوكرانيا كجمهورية موحدة.

بدوره، شكَّك وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، في تقييم الولايات المتحدة لـ”التهديد” الذي تمثله روسيا. وبلهجة تصعيدية، حثَّ الناس على عدم تصديق “التوقعات الأميركية المروعة”، وشدَّد على أن أوكرانيا لديها جيش قوي ودعم دولي غير مسبوق.

البحث عن مزايا

ببساطة، تكافح أوكرانيا من أجل معالجة المخاوف المتزايدة بشأن الإنفصاليين، بينما تبحث واشنطن ولندن عن كيفية جني بعض المزايا من الوضع الراهن والمواقف السائدة.

واشنطن ولندن و”الناتو” يتجاهلون العديد من الضمانات والمذكرات الأمنية التي تؤكد أن “الناتو” لن يتوسع شرقاً نحو روسيا أو أوكرانيا

ومع ذلك، فإن البحث عن مزايا لا يُفسر لماذا تتوق واشنطن وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي إلى الضغط باتجاه حرب أخرى، والدفع بأرتال من القوات العسكرية إلى المنطقة، فيما لم يمض وقت طويل على انسحاب الولايات المتحدة من حرب استمرت 20 عاماً في أفغانستان، كما أنها؛ ومنذ الحرب العالمية الثانية؛ لم تنتصر في أي حرب بشكل حاسم!

في الصراع الدائر حول أوكرانيا، اختارت واشنطن ولندن ومعهما حلف “الناتو”؛ بطريقة ما؛ تجاهل أنه قبل تفكك الاتحاد السوفيتي، كانت القوى العظمى المعنية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد قدمت العديد من الضمانات والمذكرات الأمنية التي تؤكد أن “الناتو” لن يتوسع شرقاً نحو روسيا أو أوكرانيا، وتمنع القيام بأي تصرف أو سلوك قد يهدّد أو يضر بمصالحهما الأمنية كدول ذات سيادة.

ونظراً لأن روسيا تقوم حالياً بتزويد دول أوروبا بأكثر من ثلث حاجتها من الغاز الطبيعي، فإن الدول المتعطشة للطاقة في الاتحاد الأوروبي لديها مصالح راسخة في السعي إلى إقامة علاقات أوثق مع أوكرانيا، وجعلها عضواً في حلف “الناتو” أو الاتحاد الأوروبي، وفي هذا الكثير من المنطق الاقتصادي والأمني بالنسبة لتلك الدول.

مصلحة خاصة لأميركا

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فمصلحتها الخاصة تكمن في استخدام أوكرانيا كأداة سياسية لضمان ألا تصبح روسيا؛ خصمها القديم في الحرب الباردة؛ قوة اقتصادية منافسة تهدد قيادتها العالمية، مثلما تفعل الصين الآن.

إن الولايات المتحدة، المُثقلة بديون تفوق الـ30 تريليون دولار، ليس لديها الكثير من الخيارات المالية لكي تتحدى الصين على أساس “الدولار- مقابل – الدولار”. وإذا ما أرادت سدّ الفجوة الاقتصادية الشاسعة مع الصين، فهي بالتأكيد تحتاج إلى استخدام مواردها المالية المحدودة بشكل إستراتيجي.

ومع ذلك، فإن مشاركتها الأخيرة في الصراع الأوكراني ليس لها أي معنى إستراتيجي، لأن أي تصعيد للأزمة سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ما سيؤدي حتماً إلى زيادة التضخم على مستوى العالم. وهذا بالطبع سيضر بالإستقرار المالي للولايات المتحدة، خاصة عندما تتضاعف التكلفة الإجمالية للإقتراض.

الولايات المتحدة تُخاطر بالوقوع في براثن الروس والصينيين.. والأفضل لها التحلي بضبط النفس والتخلي عن خيار الحرب، وتجنب أي تدخل عسكري في أي أزمة

مع المعاناة الداخلية التي يعيشها الرئيس الأميركي جو بايدن، نتيجة تدني مستوى التأييد له خلال عام واحد فقط من توليه المنصب، من المفهوم أن إدارته تحاول جاهدة إيجاد طرق من أجل تعزيز شعبيته. لكن مع خيار الحشد من أجل حرب أخرى، تكون إدارة بايدن مثل الذي يطلق النار على نفسه.

الحقيقة هي أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة مُحطمة، وأن هوسها بمحاولة إحتواء الصين باستخدام عقلية الحرب الباردة القديمة لن يؤدي إلَّا إلى تسريع سقوطها كقوة عظمى عالمية. بالإضافة إلى أن ذلك سوف يدفع العديد من حلفائها إلى أحضان بكين.

من أجل “إعادة البناء بشكل أفضل”، تحتاج الولايات المتحدة إلى العودة إلى جذورها التي جعلتها متفوقة، وهذا يكمن في قدرتها على متابعة الابتكارات التكنولوجية بدلاً من شن الحروب وإتباع سياسة الخداع.

ولكي تظل مقبولة، يجب على الولايات المتحدة أن تبدأ في إعادة اختراع نفسها. وأولى أولوياتها إصلاح سياستها الخارجية المكسورة. فمن أجل ضمان إعادة تخصيص مواردها المتضائلة بشكل صحيح، عليها الاستثمار في شعبها وبنيتها التحتية، بدلاً من قطاعها الدفاعي المُدَمَّر.

إقرأ على موقع 180  ملف التضليل الإعلامي على مكتب بايدن

بالضغط من أجل الحرب، تُخاطر الولايات المتحدة بالوقوع في براثن الروس والصينيين إذا ما قرروا بدء هجماتهم الخاصة في الوقت نفسه. وبالتالي يجب عليها التحلي بمزيد من ضبط النفس والتخلي عن خيار الحرب، وتجنب أي تدخل عسكري في أي أزمة.

ويلات بوريس

لربما تشعر إدارة بايدن ببعض الإرتياح لأن تصنيف شعبيتها لا يزال أعلى بكثير من تلك التي يحظى بها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي تراجعت شعبيته وانخفض تصنيفه إلى 24٪ في الأيام الأخيرة، وهو أدنى مستوى يصله منذ توليه منصبه.

تدخل جونسون في شؤون الدول بدلاً من مساعدة بلاده في تجاوز تداعيات “البريكست” سيدمر الإقتصاد البريطاني ويجلب المزيد من الصعوبات لمواطنيه

ومع مطالبة المشرعين من حزب المحافظين (خصومه السياسيين) له بالإستقالة، والتهديد بإطاحته بسبب فضيحة “بارتيجيت” (إنتهاك قواعد التعامل مع جائحة كورونا بإقامة حفلة في مقر رئاسة الحكومة)، يمكن القول إن جونسون اليوم رجل يائس، مثير للشفقة ويبحث عن وسيلة لتعويض أي انتقاص.

أضف إلى ذلك أنه من المُفاجئ والمستغرب؛ أن يسمح له قادة الاتحاد الأوروبي بالتدخل بالفعل في شؤون الأوكرانيين، في حين أن المطلوب هو العمل مع “الاتحاد” لحل العديد من القضايا التي لا تزال عالقة بينهم نتيجة خروج بريطانيا من العضوية، مثل الحدود والتجارة والإستثمار.

فبريطانيا، ومنذ صفقة “البريكست”، تسعى إلى تحويل نفسها كقوة عُظمى ثانوية. ولكن مع تدخل جونسون في شؤون البلدان التي تمر بأزمة بدلاً من مساعدة بلاده في تجاوز تداعيات “البريكست”، سيستمر الاقتصاد البريطاني في التدهور، وهذا سيجلب المزيد من الصعوبات إلى شعبه.

على هذا النحو، من غير المُرجح أن يقبل السياسيون في بريطانيا؛ بمن فيهم أعضاء ومؤيدو حزبه؛ بقاء جونسون في منصبه لفترة أطول، وقد يتعرض للطرد خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

التعايش السلمي لا يزال ممكناً

باستثناء بريطانيا، لا توجد دولة في أوروبا تريد تصعيد الصراع في أوكرانيا، وبالتالي لا أحد يريد أي حرب هناك. فالحرب تعني أن روسيا مضطرة إلى وقف إمداداتها من الغاز الطبيعي، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تكبد العديد من العائلات في أوروبا معاناة كبيرة بلا أي داعي.

وفي حين أن روسيا وأوكرانيا ليستا ملائكيتين في هذا الصراع، فإن السبيل من أجل خفض التصعيد هو أن يقوم جميع أصحاب المصلحة بمعالجة المخاوف المشروعة لدى الروس والأوكرانيين، وإيجاد حلٍ ودي للتعايش السلمي والمشترك، بحيث لا يتعرض الأمن في المنطقة للخطر من قبل أي طموح توسعي لحلف شمال الأطلسي أو أي دولة تسعى لاستغلال الموارد خارج جمهورية أوكرانيا.

على المدى القصير، يمكن لجميع الأطراف التعايش سلمياً، والبقاء في حوار مستمر أمر حيوي أيضاً للمنطقة عندما تتقدم أوكرانيا رسمياً بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2024.

إذا كانت الولايات المتحدة فقط قد اتخذت المبادرة للعمل كوسيط قوي في هذا الصراع، ولتأكيد نفوذها بشكل أكثر إستراتيجية، لكان هذا الصراع فرصة عظيمة لها لإظهار أهميتها كقوة عظمى في العالم وفتح العديد من الفرص لأعمالها في المنطقة.

-المصدر موقع “آسيا تايمز

(*) جوزيف ناثان، هو المؤسس والمستشار الرئيسي في شركة “آسيا للاستشارات الإستراتيجية”. عمل مستشاراً رئيسياً لدى العديد من الوكالات الاستشارية في آسيا لأكثر من ثلاثة عقود وهو حالياً.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  روبرت مالي: المنطقة قابلة للإلتهاب.. وبايدن لا يؤمن بالمبادرات