أولاً؛ الملف الأوكراني:
“تزداد التوترات في أوكرانيا حدة بينما تواجه الساحة الدولية أزمة هي الأخطر منذ الحرب الباردة. وتعمل موسكو على زعزعة النظام العالمي المتبلور بقيادة أميركية وصوغ هندسة أمنية تتوافق مع مصالحها الاستراتيجية في أوروبا وتمنع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. هذا التحدي الاستراتيجي للولايات المتحدة يجري بالتنسيق مع الصين، ولهذا له تداعيات بعيدة المدى على إسرائيل.
ولا يزال ميزان القوى غير واضح، فالأوراق في هذه المرحلة هي في يد فلاديمير بوتين الذي يستطيع الاختيار بين حل يستجيب لمطالبه الأمنية في أوكرانيا (عدم انضمامها إلى الناتو) وشرق أوروبا (الرقابة على السلاح)، وبين غزو محدود لشرق أوكرانيا وصولاً إلى احتلال واسع لكل أجزاء الدولة وتغيير النظام. لا تستطيع روسيا التراجع عن مطالبها من دون تحقيق إنجاز كبير يخدم استراتيجيتها ويؤدي إلى انسحاب الغرب من الحدود الاستراتيجية في شرق أوروبا ويحصن مكانتها في الداخل والخارج، فهدف موسكو هو إنهاء النقاش بشأن انضمام أوكرانيا إلى الناتو ومنع تمركز قوات غربية في مناطق تعتبرها تهديداً لأمنها.
صعود النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط سيكون له تأثيرات مباشرة في السباق الإقليمي على التسلح وفي التفوق النوعي العسكري لإسرائيل. وفي ظل هذا الواقع يتعين على إسرائيل تعزيز حلفها مع الولايات المتحدة والمحافظة على تفوقها العسكري والأمني
من ناحيته، سيحاول الغرب تكبيد الاقتصاد الروسي ثمناً باهظاً، والمس بمكانة روسيا في الساحة الدولية. وقد أثبتت الولايات المتحدة قدرتها على بلورة ائتلاف أوروبي بقيادتها، لكن فعالية أدوات العقاب والردع لدى بايدن ما زالت موضع شك. وسيؤثر نشوب معركة في أوكرانيا في الهندسة الأمنية الشاملة في أوروبا ويمكن أن يقوّض وحدة الاتحاد الأوروبي الذي يُظهر ضعفاً في مواجهة الأزمة، وسيزيد من الخصومات وعدم الثقة بين الغرب وروسيا، وسيكون لأصداء الأزمة تأثيرها في الاقتصاد العالمي وأسعار الطاقة، ويمكن أن تنعكس على واشنطن في الأزمة المقبلة إزاء الصين (تايوان) وكوريا الشمالية.
التداعيات إسرائيلياً
إن زعزعة النظام العالمي وصعود روسيا والصين كقوتين عالميتين تتحديان الهيمنة الأميركية سينعكس على موازين القوى في الشرق الأوسط وعلى قدرة إسرائيل على المناورة بين واشنطن وبيجين وموسكو. كذلك فإن صعود النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط سيكون له تأثيرات مباشرة في السباق الإقليمي على التسلح وفي التفوق النوعي العسكري لإسرائيل. وفي ظل هذا الواقع يتعين على إسرائيل تعزيز حلفها مع الولايات المتحدة والمحافظة على تفوقها العسكري والأمني.
.. وشرق أوسطياً
أثبتت الأزمة في أوكرانيا أهمية الشرق الوسط بالنسبة إلى واشنطن في المنافسة الاستراتيجية العالمية في مواجهة الصين وروسيا، إذ يُعتبر سوق الطاقة في الشرق الأوسط مصدراً إضافياً لتحدي الاحتكار الروسي في أوروبا. كما تعزز طرق الملاحة البحرية والموقع الجيو-استراتيجي للشرق الأوسط في رقعة الشطرنج العالمية استمرار التوظيف الأميركي في المنطقة على الرغم من حاجة واشنطن إلى التركيز على الصين وروسيا وإعطائهما الأولوية في الساحة الدولية. يزيد هذا الوضع من فرص إسرائيل لاستخدام التحديات الإقليمية كرافعة من خلال استخدام الدعم الأميركي الشامل (العسكري والسياسي) لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع العالم العربي.
جنون أسعار الطاقة
من شأن معركة عسكرية في أوكرانيا أن تؤدي إلى نشوب أزمة اقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة في العالم بصورة ستنعكس مباشرة على استقرار الأنظمة في الشرق الأوسط. كما أن الدول التي ترزح تحت دين قومي كبير وتعتمد على تصدير الطاقة والقمح، يمكن أن تواجه أزمة حادة في مواجهة ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي وهو ما سينعكس على استقرارها. ويتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها موجة أُخرى من الاضطرابات الإقليمية.
على إسرائيل عدم الانجرار إلى الأزمة الأوكرانية كي لا ينعكس هذا على آلية التنسيق مع روسيا وعلى حرية العمل في المعركة بين الحروب في سوريا، والمحافظة على عدم تصدع الحلف الاستراتيجي مع واشنطن.
ثانياً؛ الملف النووي الإيراني:
وصلت المحادثات النووية في فيينا إلى المرحلة النهائية من المفاوضات. المطالب الإيرانية لم تتبدل: الرفع الكامل للعقوبات، والتزام أميركي بعدم خرق الاتفاق مجدداً. من جهتها، ألغت واشنطن العقوبات المفروضة على شركات أوروبية وصينية وروسية الأمر الذي يسمح لها بالتعاون في الموضوع النووي المدني. وقد شكلت هذه الخطوة بادرة حسن نية جسدت جدية نيات واشنطن في الدفع قدماً بالمفاوضات على الرغم من انتقادات حلفائها في الشرق الأوسط.
وقد وصلت المحادثات النووية إلى مرحلة حاسمة، ومن الواضح أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم تنازلات للتوصل إلى إبرام الاتفاق من جديد. ولا تبدو إيران من جهتها مستعجلة، ويمكن ملاحظة ذلك في تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (11 شباط/فبراير) بأن طهران لا تعلق آمالاً كبيرة على محادثات فيينا وهي تعمل على تطوير سياسة خارجية متوازنة حيال قوى أُخرى في العالم والمنطقة.
يشكل التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة رصيداً مركزياً يجب المحافظة عليه وتطويره حتى لو وقعت واشنطن اتفاقاً نووياً جديداً. ويجب على إسرائيل استخدام الاتفاق لتعزيز تفوقها النوعي بواسطة بناء متسارع للقوة، والحصول على تأييد أميركي (سياسي وعسكري) لترسيخ تحالفات إسرائيل الإقليمية مع المعسكر العربي السني
التداعيات إسرائيلياً
على إسرائيل الاستعداد لسيناريو توقيع الدول الكبرى اتفاقاً نووياً مع إيران لا يخدم مصالحها الأمنية – القومية. ضمن هذا السياق، يمكن أن يؤدي الاتفاق إلى إلغاء العقوبات أو جزء منها من دون أن يضع حداً لمشروع الصواريخ البعيدة المدى وقدرات النار المتقدمة (صواريخ باليستية ومسيرات انتحارية)، ومن دون أن يلحق ضرراً بالمعلومات والقدرات التي راكمتها إيران في المجال النووي، ومن دون تدفيع إيران ثمن نشاطاتها في المنطقة ضد إسرائيل وضد حلفاء الولايات المتحدة، وكل ذلك سيزيد التهديد الأمني الشامل لإيران على إسرائيل.
في المقابل، على إسرائيل، بتأييد أميركي، تعزيز علاقاتها الاستراتيجية والأمنية مع المنظومة العربية السنية بهدف لجم التأثير الإيراني، وتطوير عمق استراتيجي وبلورة هندسة أمنية تتولى دوراً مركزياً فيها.
كما يتعين على إسرائيل مواصلة العمل ضمن المعركة بين الحروب لضرب التمركز الإيراني في سوريا، وكي تثبت للمنظومة الإقليمية إصرارها على لجم الخطوات الإيرانية التي تقوّض الاستقرار الإقليمي.
يشكل التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة رصيداً مركزياً يجب المحافظة عليه وتطويره حتى لو وقعت واشنطن اتفاقاً نووياً جديداً. ويجب على إسرائيل استخدام الاتفاق لتعزيز تفوقها النوعي بواسطة بناء متسارع للقوة، والحصول على تأييد أميركي (سياسي وعسكري) لترسيخ تحالفات إسرائيل الإقليمية مع المعسكر العربي السني”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).