ليس عمر حكاية الترسيم البحري بضع أشهر أو سنوات. تبدأ الحكاية مع من أمسك بهذا الملف الإستراتيجي الحيوي منذ العام 2007، لحظة ترسيم الحدود بين لبنان وقبرص وكان محمد الصفدي وزيراً للأشغال العامة في حكومة فؤاد السنيورة الأولى. حينذاك، قدّم لبنان تنازلات جعلت الإسرائيلي يبني عليها من جهة وتحوّل كل مسؤول لبناني عن ذلك الترسيم ـ الفضيحة شريكاً في “الدفاع المقدس” عن ترسيم تقني عشوائي أفضى بنا إلى ما يسمى الخط (23).
عند التدقيق بالوثائق، منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، يتبين وجود مستندات ووثائق تؤكد ان الخط (23) تم ترسيمه من قبل الجانب الاسرائيلي قبل 1 اذار/ مارس 2009، أي قبل أن يعتمده لبنان بتاريخ 29 نيسان/ أبريل 2009. كما يتبين أنه خلال العام 2008، أنهی الجانب الاسرائيلي مسوحاته الزلزالية الثنائية الأبعاد في المياه الفلسطينية المحتلة وقد شملت المنطقة التي اكتشف فيها لاحقاً حقل كاريش الغازي وفق ما يظهره المستند رقم 1 أدناه.
بعد ذلك، قسّم الجانب الاسرائيلي الجزء الشمالي من بحر فلسطين المحتل المتاخم للبنان الی بلوكات غازية ومنها البلوك الرقم ٣٦ المعروف بـ”ألون د ” (Alon D) والبلوك الرقم 369 المعروف بـ”ألون ف” (Alon F). وكانت حدود هذين البلوكين مطابقة للخط (23) قبل اعتماده من قبل لبنان، وهذا ما يظهره المستند رقم 2 أدناه.
كذلك يُبين المستند الرقم 2 اعلاه ان البلوك Alon D لُزّم الى شركة “نوبل إنرجي” بتاريخ 1 اذار/ مارس 2009.
بعد حوالي الشهرين على تلزيم البلوك Alon D، أي بتاريخ 29 نيسان/ ابريل 2009، اعتمدت اللجنة المشتركة اللبنانية الخط 23 المطابقة احداثياته لبلوكات النفط الشمالية الاسرائيلية، وفق ما يُظهره المستند الرقم 3 أدناه.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل هذه كلها صدف من غير ميعاد؟
قد يعتقد البعض اننا أمام صدفة تطابق الخطين اللبناني والاسرائيلي، وذلك من منطلق ان الجانب الاسرائيلي رسّم الخط 23 وفقاً لطريقة محددة ومعتمدة في ترسيم الحدود البحرية، وبالتالي يمكن أن تكون اللجنة المشتركة في العام 2009 اعتمدت الطريقة ذاتها بالصدفة، لكن المفاجأة أن الخط 23 تم ترسيمه بطريقة عشوائية، ذلك أنه ليس خط الوسط، كما اكدت اللجنة المشتركة في تقريرها وفق ما ورد في البند الرابع من (المستند الرقم 3) ادناه.
اما الدليل بأن الخط 23 هو خط عشوائي كانت نتيجته المباشرة “حماية” حقل كاريش المكتشف في العام 2008، فهو أنه في العام 2012 إدعت لجنة مشتركة شُكلت في العام نفسه وكانت تسوّق لما يُسمى “خط فريدريك هوف” (تمثّل فيها أعضاء من لجنة العام 2009) أن الخط 23 ليس مُرسّماً بطريقة خط الوسط على طول امتداده كما ذكر سابقاً، بل بطريقة الخط العامودي على خط حيفا – بيروت ابتداء من حدود المياه الاقليمية حتى النقطة 23 كما يظهر ذلك المستند الرقم 4 ادناه، وبعد التدقيق بذلك يتبين أنه أيضا ليس مُرسّماً بهذه الطريقة.
هناك سؤال يحتاج الى اجابة واضحة من اللجنة التي عملت على الخطوط البحرية في حينه، اذ يتبين أن اللجنة المشتركة في العام 2009 قد رسّمت حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية من الجهات الثلاث: الخط 23 مع فلسطين المحتلة، الخط 23 – 7 مع قبرص، والخط 7 مع سوريا، فلماذا في العام 2010، أي قبل صدور المرسوم 6433 عام 2011 تم ابلاغ الامم المتحدة فقط بالخط 23 من دون غيره كما يُبيّن (المستند الرقم 5) ادناه، فهل كانت هناك “إرادة ما” هدفها حماية حقل كاريش؟.
يبدو جلياً، ان الهدف منذ العام 2009 لغاية الآن، هو وجود إرادة في “مكان ما” بحماية حقل كاريش، وحذف الرسالة من موقع قسم شؤون المحيطات وقانون البحار في الامم المتحدة منذ أيام يصب في هذا الاتجاه (جرت إعادتها في عطلة نهاية الأسبوع) وبالتالي تعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 بدلا من الخط 23 هو بمثابة وضع الأمور في نصابها الوطني الصحيح، خاصة قبل انطلاق سفينة الانتاج FPSO من سنغافورة بإتجاه حقل كاريش في نهاية شهر آذار/ مارس المقبل. إسرائيل هي المستعجلة ولبنان في موقع تفاوضي أقوى، فلماذا نستعجل بمنحها هدايا مجانية؟