دانييل يرغن: بوتين إختار التوقيت النفطي المناسب

في لقاء مع صحيفة "نيويورك تايمز"، اعتبر الخبير في قضايا الطاقة دانييل يرغن، أن المخرج الوحيد للحؤول دون أزمة طاقة مُزمنة هو "تسوية كُبرى مع روسيا، ودخول إيران سوق النفط، والضغط على السعودية من أجل زيادة الإنتاج"، مُلمحاً إلى أن فلاديمير بوتين اختار التوقيت المناسب لغزو أوكرانيا حيث سوق الطاقة "مشدود على آخره".

تنتج روسيا حوالي 10 ملايين برميل من النفط يومياً. وفي السنوات الأخيرة، زوَّدت أوروبا بما يَقْرُب من 40 في المائة من وارداتها من الغاز الطبيعي وأكثر من ربع النفط الذي تشتريه من الخارج. هذا الإعتماد الكبير على إمدادات الطاقة التي يؤمنها هذا البلد، والمخاوف من تداعيات توقفها؛ وليس أقلها زيادة خيالية في الأسعار؛ جعل من الصعب على واشنطن وحكومات أخرى فرض عقوبات على واحدة من أكبر الصناعات الروسية.

أعادت الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا تسليط الضوء على الثغرات الموجودة في أمن الطاقة في الغرب، ما جعل البعض يثير الشكوك حول الجهود التي إدعت حكومات ومستثمرون أنهم دفعوا بها خلال السنوات الأخيرة من أجل نقل الميزانيات والأموال نحو مصادر الطاقة المتجددة وبعيداً عن الوقود الأحفوري.

للتعمق أكثر في الأسباب التي حالت دون معالجة النقص في الإستثمار الوقائي في مجال الطاقة، أجرى الكاتب والصحافي أندرو روس سوركين من أسرة صحيفة “نيويورك تايمز” هذا الحوار مع دانييل يرغن (*).

* كيف تربط قرار بوتين بغزو أوكرانيا بما يحدث في أسواق الطاقة؟

– كان هذا وقتاً مفيداً للغاية بالنسبة لبوتين ليتحرك. يمر سوق النفط دائماً بدورات. والدورة التي يمر بها في هذه الفترة هي من أشد الدورات التي درستها وأكثرها صعوبة على الإطلاق. فخلال العامين الماضيين شهدنا هبوطاً حاداً في الأسعار، وضيقاً غير مسبوق ولا يُصدق في أسواق النفط. وسواء كان بوتين يحسب ذلك أم لا، فقد اختار التوقيت الذي تكون فيه أسواق النفط ضيقة حقاً، وكذلك أسواق الغاز وأسواق الفحم، وهو يعلم أن بلاده أكبر مُصدِّر للثلاثة (ثاني أكبر مصدّر للطاقة). لذلك، فهو مستفيدٌ من أزمة السوق. فهذا يعطيه الكثير من النفوذ. لذا، ومهما كان هذا الغزو الرهيب سيكلف روسيا، فهو في الوقت نفسه يكسبها الكثير من الأموال جراء ارتفاع أسعار الطاقة، وخصوصاً النفط.

من هنا نلاحظ أن قطاعي النفط والغاز في روسيا لم يخضعا لعقوبات مباشرة من قبل واشنطن أو الدول الأوروبية. وهذا لأنه، كما تعلمون، إذا فعلوا ذلك، فسترتد العواقب على البلدان الأوروبية بشكل حقيقي. أعني، سيؤدي ذلك إلى شلّ حركة أوروبا جزئياً. لهذا السبب يعتبر هذا الوضع صعباً للغاية.

* كيف وصلنا إلى هنا؟

– أعتقد أن الناس أهملوا الاهتمام بمسألة أمن الطاقة. فعندما توقفت الولايات المتحدة عن استيراد 60 في المائة من نفطها وتحولت إلى دولة مصدرة، لم نعد نفكر في الأمر. ما رأيناه مؤخراً هو سياسات قصيرة النظر حول الاستثمار، وخصوصاً الإستثمار الوقائي. والمصطلح الذي كنت ولا أزال أستخدمه هو “نقص الاستثمار الوقائي” في تطوير موارد جديدة. لا يزال الطلب على النفط في تزايد، ومن المرجح أن يرتفع، على الأقل لبقية هذا العقد، وربما لغاية أوائل العقد المقبل.

* ما دور أو أثر التوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة في ما نحن عليه اليوم؟

– الخبير الاقتصادي الفرنسي جان بيساني فيري، نشر بحثاً في آب/ أغسطس الماضي، يقول فيه إنه ومن وجهة نظر الاقتصاد الكلي، “إذا حاولت التحرك بسرعة كبيرة فستكون النتائج مدمرة”. هذا رأي في غاية الأهمية. ثم بدأت أزمة الطاقة في أوروبا، حتى قبل أن يوقف بوتين شحنات الغاز في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وخلال الشهر الماضي فقط، أغلقت ألمانيا آخر محطتين للطاقة النووية. وهذا يعني استيراد المزيد من الغاز.

يرغن: الأشياء التي يمكن أن تتغير: أولاً، صفقة أميركية ـ إيرانية، من شأنها أن تؤمن أكثر من مليون برميل من النفط إلى السوق. ثانياً، من المحتمل أن يزيد إنتاج الولايات المتحدة هذا العام بنحو مليون برميل يومياً. هذان هما الشيئان الكبيران في ما يخص العرض

* هل تعتقد أن هذه المسألة سياسية، أم أن المستثمرين يأخذون زمام المبادرة في الابتعاد عن المزيد من إمدادات النفط؟

– الأمر عبارة عن مزيج من السياسات، ولكنه بالتأكيد أيضاً بسبب السلطة التي يفرضها مستثمرو السوق. بادئ ذي بدء، كانت العائدات لعدة سنوات سيئة للغاية. ولا ننسى أننا منذ عام 2014 شهدنا انهيارين في أسعار النفط.

* ماذا عن دور الحكومة؟

– أعتقد أن الاستثمار في النفط سيكون أكثر صعوبة. لقد سمعت بعض قادة شركات النفط يقولون: “ربما يتعين علينا أن نصبح شركة خاصة. لا يمكننا أن نكون شركة عامة بينما نعمل في مجال الإستثمار بالنفط”. أنا شخصياً لا أعتقد أن أياً منهم يفعل ذلك، لكنهم يشعرون بهذه الضغوط. لذلك، فأسباب الوضع الذي نحن فيه مزيج من سياسات المستثمرين والحكومة.

* ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لتقليل الاعتماد الغربي على النفط الروسي؟

إقرأ على موقع 180  "هآرتس" تربط بين "عبوة مجدو" والغارات الأخيرة على سوريا!

– أشارت الولايات المتحدة بوضوح إلى أنها ستطلب من السعودية زيادة الإنتاج. لا يوجد الكثير من الطاقة الفائضة في العالم لإنتاج النفط الإضافي في الوقت الحالي. فقط السعودية والإمارات لديهما الجزء الأكبر من احتياطي النفط. سيكون هناك بلا شك بعض الدبلوماسية المكثفة للغاية بين واشنطن والرياض خلال الأيام القليلة المقبلة.

* ما هي توقعاتك بخصوص الأسعار خلال الأشهر الستة المقبلة؟

– أول دراسة كبيرة قمت بها كانت بعنوان “مستقبل أسعار النفط: مخاطر النبوءة”. بعد قولي هذا، أعتقد أننا سنشهد ضيقاً في الأسواق لبعض الوقت. كانت الأسعار سترتفع على أي حال، والآن سترتفع أكثر بسبب الاضطرابات الحاصلة بين روسيا وأوكرانيا. السؤال هو ما إذا كانت هذه الأسعار المرتفعة ستثبط بدورها الاستهلاك.

الأشياء التي يمكن أن تتغير: أولاً، صفقة أميركية-إيرانية، من شأنها أن تؤمن أكثر من مليون برميل من النفط إلى السوق. ثانياً، من المحتمل أن يزيد إنتاج الولايات المتحدة هذا العام بنحو مليون برميل يومياً. هذان هما الشيئان الكبيران في ما يخص العرض. أما من ناحية الطلب، فإن معالجة ارتفاع الأسعار هو برفع الأسعار. كيف يمكن التحكم بالطلب؟ هذه خطوة أخرى نحو زيادة التضخم مع تدفق هذه التكاليف إلى المستهلكين والشركات.

* ما الذي يمكن تعلمه من كل ما حدث ويحدث بخصوص كيفية التعامل مع سياسة الطاقة والاستثمار في الطاقة المتجددة؟

– طاقة الريح والطاقة الشمسية لا يمكن أن يكونا بديلاً عن النفط بشكل مباشر، إلَّا إذا كان لديك الكثير من وسائل المواصلات التي تعمل بالطاقة الكهربائية. ممكن أن يساهما في التشجيع على محاولة تسريع الخطوات للإنتقال نحو الطاقة المُتجددة، على الرغم من أنه قد لا يكون لديك الكثير من المال للقيام بذلك. من ناحية أخرى، أعتقد أن هذا يعني أيضاً أنه يجب علينا التفكير في أمن الطاقة على المديين القريب والمتوسط، فضلاً عن الأهداف المرصودة بخصوص أزمة تغير المناخ. إذا لم نهتم بأمن الطاقة، فسنواجه المزيد من الخلل والإرتباك والاضطرابات، ما سيجعل من الصعب تحقيق الأهداف الخاصة بمعالجة أزمة تغير المناخ.

ـالنص الكامل بالإنكليزية على موقع “نيويورك تايمز“.

(*) دانييل يرغن، نائب رئيس مجلس إدارة شركة البيانات المالية IHS Markit. ألّف عدة كتب عن العلاقة بين الجغرافيا السياسية والنفط، أحدثها كتاب “الخريطة الجديدة: الطاقة، والمناخ، وصدام الأمم”، يتحدث فيه عن الروابط المعقدة بين السياسة وتغيير المناخ والأمن القومي والطاقة. 

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  أحياناً يجب تغيير بعض الضُبّاط