إسرائيل تطوي صفحة الموسوي.. جاءها زمن نصرالله (77)

يصوّر الكاتب رونين بيرغمان في كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية" اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله السيد عباس الموسوي بوصفه نقطة تحول في الصراع بين الجانبين. ويروي في فصل بعنوان "انتقام (عماد) مغنية" كيف تمت بسرعة قياسية عملية تنصيب السيد حسن نصرالله خلفاً للموسوي.

يقول رونين بيرغمان:”الوضع الذي كانت عليه الجثة المتفحمة لعباس الموسوي بعد انتشالها من سيارته المرسيدس جعل من المستحيل على حزب الله إقامة الشعائر المعتادة لعملية الدفن بعد تشييعها في تابوت مكشوف، وبدلا من ذلك تم تنظيف بقايا الجثة ولفها بكفن ووضعت في تابوت مهيب تم صنعه خصيصا من الخشب المحفور وطلي باللون الأزرق الرمادي المغطى باللون المعدني الفضي. لم يسارع قادة حزب الله الى اجراء مراسم الدفن في اول 24 ساعة بعد الاغتيال خلافاً للتقاليد (تكريم الميت دفنه) لسبب واحد هو المشكلة الأمنية، فالصدمة الناجمة عن الغارة الجوية على موكب الأمين العام كانت كبيرة لدرجة ان عماد مغنية كان يخشى ان تتحول الجنازة الى مقتلة أخرى، بالإضافة إلى ذلك كان يجب تأخير مراسم الدفن بانتظار وصول وفد إيراني رفيع، فحزب الله هو صنيعة ايران وقادته كانوا تحت تأثير فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني في سلوكهم اليومي كما كانوا يتبعون السلطة الدينية لنظام آيات الله في طهران. من جهتها، كانت ايران تعتبر حزب الله حليفها الأساسي في الشرق الأوسط”.

يتابع بيرغمان، “اعتبر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية اية الله العظمى السيد علي خامنئي الذي خلف الامام الخميني بعد رحيله في يونيو/ حزيران 1989 “ان شهادة السيد عباس هي نقطة تحول في مسار المقاومة” وأرسل وفدا للمساعدة في تهدئة حزب الله والحفاظ على تماسكه وتقديم الدعم له في تلك الساعة العصيبة ولاختيار امين عام جديد بأسرع ما يمكن. وفي “إسرائيل”، لم يكن هناك أي نقاش جدي قبل الغارة على الموسوي بشأن ماذا سيحصل بعد قتله، فمن وجهة نظرهم لم يكن هناك اي فارق ملحوظ بين العناصر المختلفة في قيادة حزب الله ولم يكلّف أحد نفسه عناء التفكير في من سيخلف الموسوي وما إذا كان الخلف أسوأ لـ”إسرائيل” أم أفضل، ويُنقل عن أحد كبار الضباط في جهاز “أمان” قوله “من وجهة نظرنا كانوا كلهم مطليين بالأسود” وكان افضل توقع لجهاز “أمان” ان من سيعيّنه الإيرانيون خلفاً للموسوي بعد قتله هو نائبه المعروف جيداً الشيخ صبحي الطفيلي، وكانوا مخطئين في هذا التقدير. مباشرة بعد دفن الموسوي، شارك الوفد الإيراني في اجتماع لمجلس شورى حزب الله الذي يضم 12 من اعلى رجال الدين مرتبة حيث قام أحد أعضاء الوفد بتلاوة رسالة من الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني تنصح بالخلف، بعد ذلك بقليل أعلن المجلس قراره بتعيين رجل دين ورع يبلغ من العمر 32 عاماً هو السيد حسن نصرالله. وإذا كان “الإسرائيليون” يتوهمون ان قتل الموسوي سيُليّن حزب الله، فقد جاءت ترقية نصرالله لتزيل وهمهم هذا بسرعة لان الأخير مقارنة بالموسوي كان راديكالياً جامحاً، وتبين انه حتى الأسود له ظلال ونصرالله كان أكثر اسوداداً من الأسود”.

لم يكلّف أحد نفسه في إسرائيل عناء التفكير في من سيخلف الموسوي وما إذا كان الخلف أسوأ لـ”إسرائيل” أم أفضل، ويُنقل عن أحد كبار الضباط في جهاز “أمان” قوله “من وجهة نظرنا كانوا كلهم مطليين بالأسود” وكان افضل توقع لجهاز “أمان” ان من سيعيّنه الإيرانيون خلفاً للموسوي بعد قتله هو نائبه المعروف جيداً الشيخ صبحي الطفيلي، وكانوا مخطئين في هذا التقدير

يقول بيرغمان عن نصرالله: “ولد في العام 1960 في منطقة برج حمود في شمال شرق بيروت، وهو الأكبر بين 9 اخوة واخوات، وعلى الرغم من ان عائلته لم تكن متدينة فانه ومنذ طفولته وبينما كان رفاق عمره في ضاحية بيروت (الشرقية) يلعبون في الشوارع ويذهبون الى الشاطئ، كان حسن يُظهر ميلاً واضحاً للإيمان ويمضي معظم اوقاته في الدراسة في المسجد، ومع بداية الحرب الاهلية عام 1975 وانتقال العائلة للعيش في جنوب لبنان لفت نصرالله، في احد المساجد قرب مدينة صور، نظر العديد من رجال الدين الشيعة الذين كانوا على علاقة بالإمام الخميني، فأرسلوه الى مدينة النجف الاشرف في العراق لمتابعة التحصيل العلمي العالي في الدراسات الإسلامية وهناك تعرف على السيد عباس الموسوي واصبح احد تلامذته اللامعين. وعندما عاد الرجلان الى لبنان في العام 1978 إثر طرد صدام حسين كل التلامذة الشيعة اللبنانيين، أسّس الموسوي مركز دراسات وأصبح نصرالله أحد كبار الأساتذة فيه ويجذب عدداً كبيراً من المعجبين. وفي العام 1982 مع تأسيس حزب الله، إنضم نصرالله وتلامذته الى الحزب جماعات جماعات وبدأوا يشاركون في نشاطات حرب العصابات، وأمضى نصرالله بعدها سنوات وهو يتابع بصورة متوازية دراسته الدينية العليا في إيران وقيادته وحدة قتالية في حزب الله”.

وينقل بيرغمان عن نصرالله قوله في احدى المقابلات التلفزيونية “إسرائيل جرثومة سرطانية ملوثة، وهي قاعدة امبريالية في قلب العالم العربي والإسلامي. انها مجتمع حرب بنسائه ورجاله. لا يوجد في هذا الكيان مجتمع مدني”. معنى ذلك كان واضحاً جداً وهو ان كل “الإسرائيليين” مهما كانت أعمارهم واجناسهم هم هدف مشروع. وتدريجياً بدأ ينمو نوع من الصدع بين نصرالله واستاذه السابق، ففيما كان الموسوي يدافع عن فكرة التعاون مع السوريين، القوة العسكرية والسياسية الأهم في لبنان التي ايّدت نشاطات حزب لله ضد “إسرائيل” ووافقت حتى على السماح للإيرانيين ان يرسلوا شحنات ضخمة من السلاح عبر سوريا الى ميليشيا الحزب، كان نصرالله يرفض أي شكل من اشكال التعاون مع نظام عائلة الأسد العلوية (…). كما اختلف الرجلان في الموقف من “إسرائيل”، ففيما كان الموسوي يعتبر “إسرائيل” موضوعاً ثانوياً وان كل الجهود يجب ان تنصب على أولوية فرض سيطرة حزب الله على الإدارة الرسمية اللبنانية، فان نصرالله كان يعتبر انه يجب إعطاء الأولوية لحرب العصابات ضد “إسرائيل”. خسر نصرالله النقاش وأصبح الموسوي اميناً عاماً فيما أُبعِدَ نصرالله ليصبح مبعوثا دائما لحزب الله في ايران ولم يسمح له بالعودة الا بعد قبوله بالتعاون مع سوريا وموافقته على الأولويات التي طرحها الموسوي في ما يتعلق بـ”إسرائيل”.. ولكن كل ذلك تغير في العام 1992″.

إقرأ على موقع 180  "حوارات بوتين".. أميركا وقعت في "الفخ" الامبراطوري

يضيف بيرغمان، “قبل مقتل الموسوي، كان حزب الله ورعاته الإيرانيون يهتمون بتقوية موقعهم السياسي والاجتماعي في لبنان أكثر من اهتمامهم بالهجوم على “إسرائيل”، مع العلم انه كانت هناك هجمات كثيرة ضد “الإسرائيليين” في الثمانينيات كان معظمها من تنظيم الجناح الأكثر تطرفا في الحزب بقيادة نصرالله. لكن بعد عملية القتل المتعمد للموسوي تغيّرت الأولويات، فقد بدأ الحرس الثوري الإيراني يميل لتأييد رؤية نصرالله وبدأ يعتقد ان التعاطي مع العدو في الجنوب يجب ان يكون في رأس سلم الأولويات، وأصبح يشعر ان حزب لله لن ينجح في نقل ثورة الخميني الى لبنان من دون التخلص أولاً من الاحتلال “الإسرائيلي”.

وكان الرجل الذي أمره نصرالله بتنفيذ السياسة الجديدة لحزب الله هو القائد العسكري عماد مغنية (…). يقول بيرغمان إن الأخير “هو الذي إبتكر تنظيم “الجهاد الإسلامي” وأرسل الانتحاريين لتفجير ثكنات ومنازل الأمريكيين والفرنسيين والجنود “الإسرائيليين” والدبلوماسيين. انه الشبح الذي لا يوجد عنه شيء عند “الإسرائيليين” سوى صورة باهتة ولم يتمكنوا في النصف الأول من الثمانينيات من تحديد موقعه او قتله”. وينقل بيرغمان عن مائير داغان (الموساد) قوله عن مغنية “لقد كان هو وليس نصرالله المسؤول عن بناء القدرات العسكرية لحزب الله، مع كل التقدير للظهور التلفزيوني لنصرالله، فبفضل مغنية ومجموعة من الناشطين المقربين منه أصبحت المنظمة تشكل تهديداً استراتيجياً لدولة إسرائيل”.

ويتابع الكاتب، ان مغنية “شكّل ازعاجاً تكتيكياً لسنوات، ولأجل الدفاع عن حدودها الشمالية قامت “إسرائيل” في العام 1985 بإنشاء حزام امني هو عبارة عن شريط من الاراضي داخل جنوب لبنان يسيطر عليه الجيش “الإسرائيلي”، وكان الهدف منه إبقاء القوى المعادية ابعد ما يمكن عن المستعمرات التي يعيش فيها مدنيون “إسرائيليون” وحتى تنحصر المواجهة على الأراضي اللبنانية، ولحماية حياة جنودها أسست “إسرائيل” ميليشيا عميلة لها اسمتها “جيش لبنان الجنوبي” مكونة بصورة رئيسية من المسيحيين والشيعة في القرى الواقعة في منطقة الحزام والذين كانوا يقسمون يمين الولاء لمحاربة الفلسطينيين في لبنان وحزب الله. وباستخدامها ميليشيا جيش لبنان الجنوبي أصبحت “إسرائيل” ترى حزب الله تهديداً موسمياً لحدودها، وكان من وقت لآخر يُقتل عدد قليل من الجنود معظمهم من ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي”. وكان الوضع على ما هو عليه ملائماً جداً من وجهة نظر الجيش “الإسرائيلي” وهو أفضل من مواجهة شاملة مع قوات حزب الله”.

ينقل بيرغمان عن مائير داغان (الموساد) قوله عن مغنية “لقد كان هو وليس نصرالله المسؤول عن بناء القدرات العسكرية لحزب الله، مع كل التقدير للظهور التلفزيوني لنصرالله، فبفضل مغنية ومجموعة من الناشطين المقربين منه أصبحت المنظمة تشكل تهديداً استراتيجياً لدولة إسرائيل”

ويتابع بيرغمان، “الآن مع نصرالله أفلت عماد مغنية من عقاله، وكان الرد على اغتيال الموسوي سريعاً جداً، فما ان انتهى تشييع الموسوي حتى أطلق مقاتلو حزب الله رشقات من الصواريخ على الجليل الغربي، على مدى خمسة أيام امطروا سكان شمال “إسرائيل” بالقذائف ما أدى إلى شل الحركة في تلك المنطقة ونزل معظم سكانها الى الملاجئ. لقد كانت تلك أكبر قوة نارية يستخدمها حزب الله ضد المدنيين “الإسرائيليين” حتى تاريخه، ما أدى الى مقتل طفلة (6 سنوات) اسمها افيا اليزادا في تعاونية زراعية لقرية جورنوت هاجليل، وكانت الرسالة التي يرسلها نصرالله ومغنية لـ”إسرائيل” واضحة وهي انه من الآن فصاعدا أي عمل ضد حزب الله سيجلب ردة فعل هجومية ليس فقط على الجيش “الإسرائيلي” بل أيضا على المدنيين شمال “إسرائيل”. في ردها على ذلك قصفت “إسرائيل” القرى الشيعية وعززت قواتها في جنوب لبنان، وقد امل “الإسرائيليون” ان يكون ما حصل نهاية لجولة محددة من القتال وان حزب الله قد شعر بالرضا على الأقل مؤقتاً كونه اظهر قوته في الرد على مقتل الموسوي”.

لكن مغنية ـ يقول بيرغمان ـ “كان يُخطّط لشيء أبعد بكثير من رشقات صاروخية على مدى أيام، فقد كانت نيته إستهداف آلاف “الإسرائيليين” الذين يخدمون في الخارج كدبلوماسيين او بصفات رسمية أخرى كما يستهدف المجموعات اليهودية في شتى انحاء العالم. بالنسبة لمغنية، كان ميدان المعركة على مستوى الكوكب وقد أراد ان يعيد تحديد قواعد اللعبة وفق مبدأ ان أي هجوم على أي موقع مهم لحزب الله سيواجه برد ليس فقط في “المنطقة”، بحسب وصف نصرالله (إسرائيل ولبنان) بل ابعد من المنطقة. اليهود و”الإسرائيليون” هم الهدف في كل انحاء العالم. وكانت اول ضربة في تركيا، ففي الثالث من مارس/ آذار 1992 انفجرت عبوة ناسفة قرب معبد يهودي، ولكن لمعجزة ما لم يقتل في الانفجار سوى شخص واحد، وبعد أربعة أيام قتل رئيس قسم الامن في السفارة “الإسرائيلية” ايهود سادان بانفجار عبوة ناسفة كبيرة وضعت تحت سيارته، زرعتها مجموعة تطلق على نفسها اسم “حزب الله التركي”. ومن هناك أيضا استهدف مغنية الارجنتين، ففي 17 مارس/ آذار، فجّر “إرهابي” نفسه بسيارة محملة بالمتفجرات خارج السفارة “الإسرائيلية” في بيونس ايرس ما أدى الى مقتل تسعة اشخاص من ضمنهم أربعة “إسرائيليين” وخمسة يهود ارجنتينيين وعشرين طفلا في مدرسة قريبة من السفارة، كما أدى الانفجار الى جرح 242 شخصا، وقد أعلنت منظمة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن الهجوم في بيان تسلمته وكالة انباء غربية في بيروت وأهدت المنظمة الهجوم لذكرى حسين الموسوي ابن القائد عباس الموسوي الذي قتل واحترق معه بالسيارة، وقال البيان ان الهجوم “واحدٌ من ضرباتنا المستمرة ضد العدو الإسرائيلي المجرم في حرب مفتوحة والتي لن تتوقف حتى تُمحى إسرائيل من الوجود”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  سالم الفلاحات لـ180 بوست: اختلفنا كأردنيين على أزمة سوريا.. فليُوحّدنا لبنان اليوم