ما جدوى الكتابة في يوم كهذا، بدأ كصرخة إحتجاج على إحتراق معمل بعاملاته في عقر دار الرأسمالية فتحول يوماً عالمياً بتكريس من الأمم المتحدة منتهياً بعيد ينضم إلى سلسلة من الأعياد التي تدور على الهواتف وتنحبس في رسائل نصية: كل عيد وأنتِ بخير.
ماذا أفعل في الأيام الأخرى؟ لا يهم.
هل يمكن الحديث في عالمنا المشوش عن قضية المرأة أو قضاياها؟
***
ما هو مؤلم بالفعل، أنه لا تزال توجد فئة من النساء اللواتي يحتجن إلى عناية فائقة لتخليص وعيهن مما علق به تاريخياً من نظام العبودية والتمييز وزمن “الحريم” وسائر منظومات الأسر الإجتماعي والإقتصادي والثقافي.
لا أظن أنني كإمرأة بحاجة إلى يوم عالمي لأحتفي بنوعي الجندري الذي لم يكن لي فضلٌ أو دورٌ باختياره، ولكنني كل يوم أعتز بإختياراتي الواقعية بأن أكون إمرأة تضيف يومياً إلى نفسها وإلى المجتمع المحيط بها.
في عيدهن، لا عطلة لهن. خمس وعشرون دولة فقط في العالم تمنحهن إجازة. ولكن ليس هذا هو المطلوب، لأن مجرد وجود هكذا يوم يعني أن هناك مشكلة استدعت كل هذه الجلبة والضجيح.
مئات آلاف وربما ملايين الأطاريح والكتب والمقالات والأبحاث كُتبت عن قضايا المرأة، وعن التفاوت الحاد في أوضاعهن ما بين شمال وجنوب، وفي المجتمع الواحد نفسه أيضاً.
هناك إمرأة تستيقظ في قرية إفريقية وهاجسها تأمين ماء الشرب لأطفالها، في حين أن أخرى تخشى أن تنكسر أظافرها الأكريليك تحت المخدة أثناء النوم.
هل يجب أن تكون مهمة النهوض بالمرأة ملقاة حصراً على كاهل الحركات النسوية؟ الجواب ينبغي أن يكون حتماً لا. تحقيق المساواة الكاملة يكون من خلال سعي المجتمع كله، رجالاً ونساءً لتحقيق مفهوم المواطنة الكاملة عبر إقرار قوانين أحوال شخصية مدنية
قضايانا أكثر من أن تُحصى وتُعد، وأعقد من أن تُوضع في سلة واحدة وتُؤخذ كحجة مضمونة للتخلص من مسؤوليتنا في حفظ إنسانيتنا وعدم تحوّلنا إلى نوع بشري مختلف يستوجب الغفران أو التمييز.
نعم، لا نُريد تمييزاً سلبياً ولا إيجابياً. حريتنا انتزعناها بنضالاتنا الدؤوبة.
لا نريد استغلالاً من أي نوع كان، حتى لو كان مصدره الحب.
آلاف النساء ما تزلن قيد التوقيف والإعتقال السياسي في معظم أقطارنا العربية من المغرب إلى دول الخليج مروراً بفلسطين وسوريا. هناك نساء قيد الأسر في سجون الإحتلال الإسرائيلي.. وأخريات تسقطن ضحايا العنف الأسري.
هن ضحايا كما الرجال في هذه البقعة من العالم لكل أنواع التخلف السياسي والتشريعي والإجتماعي والديني.
***
تلفت إنتباهي الإحصائيات المرتفعة عن تعرض ٣٧ في المائة من النساء للعنف الجسدي أو اللفظي لمرة واحدة في حياتهن، برغم أن هكذا أرقام تحتاج إلى التدقيق أكثر في عالمنا العربي، حيث الرقم وجهة نظر.. وأفضل طريقة للكذب هي الرقم.
يحضرني للمناسبة سؤال يؤرقني دائماً: هل يجب أن تكون مهمة النهوض بالمرأة ملقاة حصراً على كاهل الحركات النسوية؟
الجواب ينبغي أن يكون حتماً لا. تحقيق المساواة الكاملة يكون من خلال سعي المجتمع كله، رجالاً ونساءً لتحقيق مفهوم المواطنة الكاملة عبر إقرار قوانين أحوال شخصية مدنية.
هذه القوانين وظيفتها حماية الإنسان من كل أشكال التمييز، وتحقيق المساواة بين الرجال والرجال أولاً والنساء والنساء تالياً. وإذا كان لا بد من مفاضلة فلتكن على أساس الكفاءة والجدارة.
عندما تُبنى القوانين إستناداً الى شرعة حقوق الإنسان، تصبح الحرية حقاً بديهياً.
***
للمرأة قضايا وهواجس متنوعة، ومنها قضية الكتابة بأجناسها الوفيرة، نثر، شعر، صحافة، قانون، إقتصاد إلخ..
حين تكتب المرأة، لست أدري لماذا هي مطالبة بتبرير نصوصها وصولاً إلى شرحها أمام ذكور العائلة والقبيلة وغيرهم.. والتذكير الدائم بفصل الأنا الكاتبة عن الأنا الحقيقية.
كما أنها يجب أن تُبرر وضع صورة لها مع نصها علماً أن الرجال ينشرون مقالاتهم مرفقة بصورة شمسية في أعلاها وربما أعلى من العنوان، من دون أي حرج.
هل تشعر المرأة الكاتبة بالحرية في تدوين أفكارها من دون مقدار ولو بسيط من الخشية من حكم ـ سيفٍ مصلت على رقبتها؟
***
في هذا اليوم الجميل سوف أتناول موضوع الكتابة والمرأة.
يمكن فهم النسوية على أنها حركة إجتماعية وحركة نظرية. ثمة تأثير متبادل بين الحركتين. كلتاهما تعنى بازدهار النساء وتحررهن. فالنسوية، بمعنى الحركة الاجتماعية، هي ظاهرة اجتماعية تاريخية فحيثما كانت الاوضاع الاجتماعية قامعة للنساء، ولطالما كانت كذلك بالطبع، يبرز ميل عفوي نسوي للمقاومة ومحاولة إعادة بناء العالم على نحو مغاير. ففي بعض الأزمنة والأمكنة تصاعدت هذه الميول لتنضوي تنظيمياً في أطر وحركات، أي في نسق من الأفعال والممارسات الواعية التي تنظر إلى نفسها على أنها قوة موجهة لنقد تلك الأوضاع الإجتماعية وتغييرها. أما النسوية، بمعنى النظرية، فهي منظومة من المفاهيم والافتراضات والتحليلات التي تصف أوضاع النساء وتجاربهن وتقف على أسبابها وتقدم رؤى ووجهات نظر تتعلق بكيفية تحسين هذه الأوضاع أو تغييرها.
ولكن هل يجوز لنا الحديث عن هذا التصنيف في الكتابة؟
إذا كانت الكتابة فعل تعبير عن الذات الإنسانية فهي تصب حتماً في إطار دعم فكرة وجود أدب نسوي خالص.
ولكن لا بد من التدقيق قليلاً في المصطلح بعد تهافت عدد كبير من النساء إلى عالم الكتابة، وهو عالم بلا حدود ويحتمل أن يكبر في كل دقيقة وثانية.
فمن منظور عملي: هل تنتمي جميع النصوص المكتوبة من قبل نساء الى هذه المقولة، لمجرد أن كُتّابها من جنس النساء؟ ثم ومن منظور جمالي: هل هناك ما هو مشترك في كتابة النساء من حيث الثيمات، الأساليب ومختلف الصناعات والتقنيات الأخرى؟ وإذا كان الأمرُ كذلك، هل يمكن الحديث عن جماليات أنثوية، أو حتى جماليات نسوية مميزة؟ ومن منظور سياسي؛ ألا تؤدي معاملة الكاتبات النساء على نحو مستقل ومنفصل عن الثقافة السائدة إلى خطر عزل كتابة النساء في غيتو من جنس واحد، الأمر الذي قد يدفع إلى تجاهلها وإضعاف تأثيرها؟ ومن منظور فلسفي؛ ثمة سؤال خطير: هل هناك صفة جوهرية ثابتة ما ـ بيولوجية أو ثقافية ـ تُحدّد كتابة النساء وتميزها، بصرف النظر عن إختلافاتهن الاجتماعية والسياسية، الأمر الذي يجعل من مقولة النساء أو من مقولة الأنوثة جوهراً متعالياً على التاريخ والإجتماع، وهو مما يعكس القول إن «الأنوثة ليست إنتاجاً بيولوجياً أو طبيعياً وليست مسلمة أو بداهة، بل عبارة عن نتاج ثقافي وتاريخي”؟
***
في الغرب، لطالما عانت النساء بشدة من طغيان النظرة الذكورية. على سبيل المثال لا الحصر، نشرت ماري آن إيفانز (مولودة عام 1819) المحررة في مجلة “ويستمنستر ريفر” مقالاتها ورواياتها تحت إسم رجل يدعى “جورج اليوت”. كان والدها يخشى عليها ألا تتزوج (بسبب الكتابة) وكانت إيفانز تتهيب رد مقالاتها وإهمالها إذا عرف الناشر أنها أنثى، وثمة رأي لنقاد عديدين بأن روايتها “ميدل مارش” من أعظم الروايات باللغة الإنكليزية.
في الشرق، يمكن رصد محاولات لرسم مسار ثقافي وأدبي جديد، لكن يبقى علينا واجب السعي لتعميق فهم النساء لقضاياهن الحقيقية والكتابة عنها بالعمق والجدية اللازمين. نحتاج أيضاً إلى الإبتعاد قليلاً عن كتابة أدب يشبه المذكرات الشخصية ليشمل ذلك ما يحيط بالفرد من أبعاد مترامية الأطراف.. نحتاج إلى الشجاعة في التعبير عن ذواتنا.. وكل ذات هي في صلب المجتمع. في صلب الموضوع.