الحرب في ليبيا وعليها.. نفط وسلطة

حجبت الحرب الروسية على أوكرانيا الإهتمام الدولي بليبيا وغيرها من الأزمات الدولية، وتركت الليبيين يمعنون في خلافاتهم ونزاعاتهم وأنانياتهم ويقلموا أشواكهم بأيديهم وهم سيد من إحترف تجديد ديمومة الصراعات والإستقواء بالدول الخارجية.

لا تسويات للمأساة الليبية تلوح في الأفق. بل مزيد من التعقيدات والإضطرابات برغم الدعوات الأممية والإقليمية للأفرقاء الليبيين للإجتماع ولم الشمل للتوصل إلى تفاهمات تخرجهم من عنق الزجاجة.

عند كل لقاء ومؤتمر ليبي ـ ليبي توضع الأيادي على القلوب وتتصاعد الآمال علّ المنطق يسود والعقلانية تسيطر والوطنية تنتصر والنهاية تقترب لليل ليبيا الطويل. فجأة تخرج أرانب النزاع من أكمام الأفاضل المجتمعين وتعود الأمور إلى نقطة البداية. وهكذا دواليك تستمر الأزمة الليبية مفتوحة منذ أحد عشر عاماً.

برغم مرور أكثر من أربعة أشهر على إنتخاب برلمان طبرق وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا رئيسا للوزراء خلفا لحكومة عبد الحميد دبيبة، لم يتمكن باشاغا من دخول طرابلس ولا تسلم مهماته، لا بقوة القانون كما وعد ولا بقوة السلاح الذي يتفادى إستعماله. دبيبة يرفض التنازل لإبن بلدته مصراته ويصر على البقاء أطول فترة ممكنة متسلحا بقوة الأمر الواقع من مليشيات النواصي وتاجوراء الذين يحرسون المقر الحكومي في طرابلس.

نفُذ صبر باشاغا من الإنتظار فإنتقل إلى سرت ليباشر عمل حكومة الإستقرار من هناك. وهكذا أصبح لليبيين تركيبة حكومية في طرابلس غرباً وأخرى في سرت شرقاً. هذا ليس بجديد. ولكن ما كان مقبولاً سابقاً لم يعد مقبولاً راهناً. بعد أن إنتظر الليبيون إجراء إنتخابات رئاسية ونيابية في نهاية 2021 تؤدي إلى قيام حكومة منتخبة تنتشل البلاد من الفوضى والتخبط وتؤسس لقيام دولة مستقلة حديثة، إلا أن الفرقاء المتخاصمين فوتوا فرصة الإنتخابات ومعها فرصة إستعادة الحياة الطبيعية لليبيا وبات الإتفاق على إجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية جديدة عقدة العقد.

ولدت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة دبيبة من رحم الإنتخابات وشرط تنفيذ الإستحقاق الإنتخابي في موعده السابق في كانون الأول/ديسمبر الماضي. عندما أخفقت وفشلت ما وعدت به وجد منافسوها وأخصامها سببا لتغييرها وإبدالها. دبيبة يرفض تحميله مسؤولية الفشل ويصر على البقاء في السلطة وإجراء إنتخابات نيابية في تموز/يوليو المقبل على أن تجري إنتخابات رئاسية لاحقاً.

وللرجل طموح بالترشح للرئاسة وله من الثروة والنفوذ مع جماعات الإخوان المسلمين والميليشيات المسلحة ما يكفي لكي يجاول تحقيق طموحاته. كما يحظى بتأييد وعطف من بريطانيا وتركيا والجزائر.

جوهر الصراع في ليبيا يدور حول السلطة والثروة ومن يتحكم بالبنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. ليبيا تعتمد كليا على النفط والغاز والذي أصبح ورقة سياسية مهمة محليا وإقليميا ودوليا بعد أن أصبح تأمين النفط والغاز مطلبا أوروبيا وأميركيا ملحا للتعويض عن النفط والغاز الروسي. وليبيا بحقولها وموانئها القريبة من اوروبا مرشحة أن تكون البديل والضحية

بالمقابل، فإن باشاغا يحظى داخلياً بتأييد رئيس البرلمان عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر ومن الخارج تدعمه مصر وروسيا وفرنسا. كان اللافت للإنتباه أن باشاغا قرر تصعيد وتيرة التنافس مع دبيبة بالطلب إلى رئيس المؤسسة الوطنية للنفط وحاكم البنك المركزي، الموجودين في طرابلس، تجميد إستعمال إيرادات النفط وعدم التعامل مع حكومة دبيبة بإعتبار حكومته السلطة التنفيذية صاحبة الشرعية. يأتي ذلك بعد تسريب معلومات عن حصول دبيبة على سبعة مليارات دولار من البنك المركزي وزعت ولاءات سياسية على الجهات والمليشيات المؤيدة له. في الوقت الذي قطع دبيبة رواتب اللجنة العسكرية 5+5 مما أثار غضب القوات المسلحة التابعة لجيش حفتر النظامي.

إزاء التخبط السياسي والفوضى الإقتصادية أقدم زعماء قبائل في الهلال النفطي على إغلاق حقول الإنتاج والتصدير والمرافئ إعتراضا على آليات صرف أموال إيرادات النفط في غياب الشفافية والعدل. إستعمال الورقة النفطية جاء لمصلحة حكومة باشاغا ضد دبيبة.

ونتيجة التطورات الدرامية وتعقيدات المسيرة السياسية تحركت الجهود الأممية عبر مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة السفيرة ستيفاني ويليامز ودعوتها المجلس الأعلى للدولة (طرابلس) والبرلمان (برقة) لإجتماع في تونس لتشكيل لجنة قانونية محايدة لإعادة صياغة الدستور وضمان إستقلال البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط وعدم تعطيل عملهما وحجب الأموال عن الميليشيات ووضع خطة تدريجية لإجراء إنتخابات في موعد يتوافق عليه جميع الأفرقاء. للأسف تغيب أعضاء البرلمان وحضر ممثلو المجلس الأعلى للدولة فقط.

دعت مصر 24 شخصية ليبية موزعة مناصفة بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة لإجتماع في القاهرة لمدة أسبوع للتداول في صياغة الدستور وقانون الإنتخاب. بعد أيام من المشاورات لم يسفر الإجتماع عن نتائج إيجابية ورحل إلى موعد لاحق بعد إنتهاء شهر رمضان.

وتبدو الأمور في غاية الصعوبة والخطورة خصوصا أن الوضع الدولي على صفيح ساخن بسبب الحرب الأوكرانية ومعها حدة الإستقطابات الدولية وعودة مناخات الحرب الباردة، مما ينعكس على الأوضاع الليبية ويزيدها تأزما وإرباكا.

وهذا ظهر جليا أثناء إجتماع مجلس الأمن الأخير بشأن ليبيا عندما فشل المجتمع الدولي في تعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا خلفا لإيان كوبيتش الذي إستقال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

إقرأ على موقع 180  تدمير أوكرانيا.. بداية تسوية دولية جديدة!

ونتيجة عدم التوصل إلى إتفاق بين روسيا وأميركا، جدد مجلس الأمن مهمة البعثة الأممية في ليبيا لمدة ثلاثة شهور فقط بدءاً من أول أيار/مايو المنصرم الحالي.

ويخشى أن تراوح الأزمة الليبية مكانها وتستمر المماحكات والتشنجات والصراعات في غياب رقيب وحسيب دولي خصوصا وأن القيادات الليبية مستمرة في عنادها وتصلبها خدمة لمصالحها الشخصية من دون مراعاة مصلحة البلاد العليا. والخطورة أن يترافق الصراع السياسي مع توترات أمنية وإشتباكات متفرقة في طرابلس ومصراته وغيرها مما إضطر رئيس المجلس الأعلى محمد المنفي من تحذير المؤسسة العسكرية من أي تورط في الصراعات السياسية.

تناقض المواقف بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة يزيد من تشتت الحالة الليبية ويعرقل الحلول ويضيف تعقيدات دستورية وقانونية تبدو ليبيا بغنى عنها. هذا التناقض مزمن وقديم وموجود إنما يبقى خطر الإنزلاق إلى مواجهات عسكرية قائما خصوصا وأن لكل من رئيسي الحكومة أنصار ومؤيدون بين الميليشيات المسلحة. كل هذا يجري وسط غموض دولي لإنشغال الدول الكبرى من أميركا وروسيا وأوروبا بتداعيات الحرب الأوكرانية.

أزمات ليبية مزمنة وتبدو مستعصية للحل خصوصا وأن كل حكومة تدعي الشرعية ولها إرتباطات دولية وإقليمية. جوهر الصراع في ليبيا يدور حول السلطة والثروة ومن يتحكم بالبنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. ليبيا تعتمد كليا على النفط والغاز والذي أصبح ورقة سياسية مهمة محليا وإقليميا ودوليا بعد أن أصبح تأمين النفط والغاز مطلبا أوروبيا وأميركيا ملحا للتعويض عن النفط والغاز الروسي. وليبيا بحقولها وموانئها القريبة من اوروبا مرشحة أن تكون البديل والضحية.

Print Friendly, PDF & Email
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  مذبحة رفح.. "حياة" نتنياهو و"موت" بايدن!