دراما كهرباء لبنان.. العقود “فيّاضة” والمفتاح أميركي!

"اتفاقية استجرار الغاز الطبيعي من مصر الى لبنان عبر سوريا" هو عنوان الفصل الجديد من "docudrama"(دراما وثائقية) الكهرباء في لبنان.

بعد حوالي العشرة أشهر من المفاوضات والمداولات وتبادل الزيارات والرحلات والدعوات بين مصر والأردن وسوريا ولبنان؛ وبعد أشهر من المساعي لتأمين مصادر لتمويل الصفقة، أُنجز عقد استيراد الغاز إلى لبنان عبر خط الغاز العربي الذي يمرّ في سوريا.. المُعاقَبَة.

في الشكل كما في المضمون، لن تقدّم هذه الاتفاقية.. وبالطبع هي لن تؤخّر، برغم أنّ حلّ اللجوء الى الغاز الطبيعي يوفّر أكثر من نصف الكلفة الحالية لتشغيل المعامل بواسطة الفيول أويل.. وما أدراك ما هي مافيات الفيول وماذا أهدر اللبنانيون طوال عقود من الزمن مقابل صفر كهرباء؟

تقنياً، الـ700 متر مكعب من الغاز الطبيعي التي ستُؤمَّن سنوياً لمعمل دير عمار عبر الاتفاقية الرسمية المثلثة الأضلاع، لن تسهم في زيادة الإنتاج الا بمعدّل 4 ساعات يومياً كحدّ أقصى.

وتمتد الاتفاقية المرتبطة بقرض يُفترض أن يُوفره البنك الدولي لعشر سنوات قابلة للتجديد. أما حصّة سوريا السّنوية، فستقتصر على 50 مليون متر مكعب. ذلك يعني ان الحكومة السورية، ستنتفع من كمية الغاز هذه كبدل رسم عبور عبر أراضيها، وهو ما يسري أيضاً على كمية الكهرباء الأردنية المنوي إستجرارها إلى لبنان عن طريق الشبكة السورية.

السعر المتفق عليه لتوريد الغاز المصري إلى لبنان أقلّ بنسبة تتخطى الـ30% من سعر السوق العالمية. برغم ذلك، فإنّ لبنان “المفلس” التوّاق الى الكهرباء، عاجز تماماً عن تأمين التمويل اللازم للفترة المتفق عليها، لذلك كان لا بد من الإستنجاد بالبنك الدولي.. بتسهيلات أميركية!

وهنا لا بد من الإشارة الى ان هذه الاتفاقية مع مصر ليست بجديدة. إنها بمثابة إعادة إحياء لاتفاقية “شراء الغاز” من مصر في الثلاثين من أيار/مايو 2009. حينذاك، اتفق لبنان عبر رئيس لجنة إدارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني سركيس حليس (راعي غالبية عقود وزارة الطاقة السّرّية) مع شركة “EGAS” المصرية لاستجرار 600 مترٍ مكعبٍ من الغاز عبر خط الغاز العربي (مصر وسوريا والأردن ولبنان).

وقتها لم يصمد لبنان أكثر من أسابيع قليلة حتى اعلن استسلامه وبالتالي عدم التزامه ببنود الاتفاقية. امتنع عن الدفع، فقطعت مصر امدادات الغاز عنه.. وكانت النتيجة أن مليارات الدولارات ابتلعتها كارتيلات استيراد الفيول بالتواطؤ مع سركيس حليس على مدى سنوات.

علينا أن لا نغفل ذلك الخيط الرفيع ولكن المتين بين الغاز الآتي إلينا من مصر وبين قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. المبادرة نفسها، أي إستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن، نظرياً، إلى لبنان، لم تأتِ من فراغ. هي مبادرة أميركية رداً على محاولة حزب الله الإستعانة بطهران لتزويد لبنان بالفيول لتشغيل معامل ومولدات الطاقة الكهربائية

واذا سلّمنا جدلاً انّ لبنان نجح بالحصول على دولارات البنك الدولي كقرض لتمويل كلفة استيراد الغاز المصري والكهرباء الاردنية، فإنّ تلك الأموال لن تغطي الا فترة 18 شهراً. وعلى أي حال فإن هذه “الخطة” المؤلفة من استجرار الغاز من مصر، والكهرباء من الأردن والنفط من العراق، لن تؤمن الا 10 ساعات كهرباء يومياً، أي أن اللبنانيين سيبقون “رهينة” مافيا المولدات الخاصة.

وإذا كانت الكمية المذكورة هي 1% من استهلاك مصر، تقريباً، وهي تغطي 4 ساعات، فإن التغطية ليوم بأكمله ستشكل حوالي 6% من استهلاك مصر، ولو استبعدنا 10% نصيب سوريا مقابل تمرير الغاز عبر أراضيها، فإن الغاز يساوي 5% من استهلاك مصر. ولما كان تعداد مصر هو حوالي 100 مليون نسمة. فهذا الغاز تقريبا كافٍ لنحو 5 مليون نسمة، وربما أكثر لعدم وجود استهلاك صناعي كبير مثل البتروكيماويات.

بكل الأحوال، بعد زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين الأخيرة الى بيروت، تبعثر وزير الطاقة والمياه وليد فياض فاستعجل توقيع الاتفاقية لغاية في نفسه. جزم أن العقود ستوقّع في غضون أيام قليلة. تأكّد من جهوزية البنى التحتية ومن أعمال الصيانة والاصلاحات والتجهيزات الفنية الناجمة عن توقف الخط عن العمل لأكثر من عقد. تحقّق من التجارب وتابع تفاصيل الفحص التقني. عجّل عملية التفاوض على التسعير والكميات. سابق الى توقيع”مسودة” العقد وصولا الى إضافة التعديلات الاخيرة وإرسال النسخة المنقّحة الى البنك الدولي والادارة الاميركية.

صحيح أن هوكستين طلب من الدولة اللبنانية البتّ بتوقيع العقود مع الدول المعنية حتى تنظر واشنطن في تفاصيلها وتقرّر بشأنها، لكن فيّاض نفسه، كما كل من “دخل” على خط هذا الملف، يُدرك أن حماسة الأميركيين (ومعهم البنك الدولي) لخيار إستجرار الغاز، سواء عبر مصر أو الأردن، قد تراجعت غداة الحرب الأوكرانية، وهي في جزء أساسي منها حرب على الطاقة.

وفيما كلّ العيون شاخصة نحو ما ستُقرره الإدارة الأميركية، لا مفرّ من إثارة قضية “أمن” خط الغاز. ففي منطقة جاذبة للتجاذبات واللاعبين الكبار، مَن يضمن عدم “تخريب” خطّ الأنابيب؟ وبما انّ المسألة هنا ذات ابعاد واعتبارات اقتصادية تلامس حدود المسّ بالامن الطاقوي، أليس من الأأمن توقيع اتفاقيات مع الكيانات المتواجدة على الأراضي السورية كالروسية والأميركية والإيرانية، لضمان سلامة هذه الأنابيب وهل أغفل المعنيون وجود إسرائيل على طول هذا الخط من المصب إلى الأنبوب إلى..؟

إقرأ على موقع 180  توسيع "بريكس".. نحو نظام عالمي أكثر توازناً 

هنا من المفيد تذكير القارىء أن أنبوب الغاز العربي، وتحديداً في جزئه جنوب الرحاب (الأردن) يسري فيه الغاز الإسرائيلي من منصة حقل لفياثان إلى الطنطورة إلى كوكب الهوا إلى الرحاب، ثم يتجه جنوباً إلى العقبة ثم مصر، أي أنه يستحيل أن تضخ مصر غازاً فيه من العقبة شمالاً إلى الرحاب ثم الدبوسية فطرابلس في شمال لبنان.

في جميع الأحوال، الاتفاقية حتى اللحظة غير نافذة، بانتظار ورقة الضمانات التي ستُعطيها واشنطن للقاهرة أولاً ثم للبنان وللشركات العاملة على هذا الخط للاستثناء من عقوبات “قانون قيصر” السورية.

لكنّ الولايات المتحدة لا تنوي مدّ يد التعاون للحكومة السورية “مجانا”. واسرائيل سبق أن أكدت أنّ جزءاً كبيراً من كميات الغاز المنوي استجرارها الى بيروت بالأساس غاز إسرائيلي، ضمن اتفاق تل أبيب – القاهرة عام 2018 في إطار الخطة المصرية للتحول إلى مركز إقليمي طاقوي.

الأهم من ذلك كله، علينا أن لا نغفل ذلك الخيط الرفيع ولكن المتين بين الغاز الآتي إلينا من مصر وبين قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. المبادرة نفسها، أي إستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن، نظرياً، إلى لبنان، لم تأتِ من فراغ. هي مبادرة أميركية رداً على محاولة حزب الله الإستعانة بطهران لتزويد لبنان بالفيول لتشغيل معامل ومولدات الطاقة الكهربائية.

كل ذلك يؤكد ان مفتاح الغاز.. كل الغاز كان وسيبقى في واشنطن.

Print Friendly, PDF & Email
إيڤون أنور صعيبي

كاتبة وصحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  سماحة السيد.. الغاز ليس الحل