هوكشتاين.. “روحوا بلطوا البحر”!

تم بناء سور الصين العظيم بهدف صد الغزوات التي كانت تتعرض لها هذه البلاد من قبل الأعداء، إلا أن الصين تعرضت للعديد من الغزوات بعد الانتهاء من بناء السور ولم يفلح هذا الجدار الضخم في رد الهجمات المتتالية، أما كيف كان يتم اجتياز السور.. ببساطة كان يتم رشوة أحد الحراس بمبلغ من المال ويقوم بتسهيل الغزو وهكذا كانت الصين تتعرض للهزائم.
في حديث لضابط مخابرات أميركي سابق قال فيه: “إنه كان يكفي لنا كجهاز مخابرات عند تشكيل أي حكومة (موضوع الهدف) كنا نحرض دائماً على أن يكون لدينا وزير أو مدير عام بالحد الأدنى، ليقدّم لنا الخدمات التي نريدها، وبهذا كنا نستغني عن الكثير من ضباط المخابرات والموظفين ليقوموا لنا بهذه المهمة، وعند القرارات المهمة كنا ببساطة نقوم بتهديد الشخص المعني (صاحب القرار) بطريقة ناعمة دون أن نؤذيه، على سبيل المثال كنا نروي له رواية عن رئيس ما أو وزير ما في العالم كيف تمت تصفيته أو أحد أفراد عائلته، بسقوط طائرته أو تفخيخ سيارته أو بحادث ما، ونتركه ثم نعود بعد فترة لنحصل على ما نريد”.
أما قصة “حصان طروادة” فالكل يعرفها، وهي قصة (خدعة) حصان خشبي ضخم ومجوف من داخله صنعه نجار إغريقي يدعى إيبوس وتم إستخدامه لدخول مدينة طروادة وإحتلالها خلال الحرب إذ تبين بعد دخوله أن مجموعة كبيرة من المحاربين كانوا مختبئين بداخله.
وللمناسبة، كان رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق العماد إميل لحود دائماً يأتي على ذكر قصة “حصان طروادة” الموجود في لبنان لخدمة أهداف الولايات المتحدة الأميركية، وكان يُعبّر عن دهشته عند اتخاذ قرارات صادمة في حق اللبنانيين، على سبيل المثال، عندما جاءه اتصال من أحد الوزراء خلال اجتماع للحكومة، “أن خذ كتيبة من الجيش (عندما كان قائداً للجيش) واطلع إلى الجنوب واضرب “هؤلاء الاخوات الكذا والكذا”، وقد رفض حينها ان يمتثل لهذا الأمر، وذهب الى منزله في بعبدات معتكفاً ومعلناً استقالته من قيادة الجيش لإنه لا يريد القيام بذلك، (ومدير عام الأمن العام السابق اللواء جميل السيد شاهد على ذلك).
كم “وكيل وموظف وحصان طروادة” و… و… موجودون في لبنان لأداء هذه المهمة للإدارة الأميركية، وكم “جمعية” تم إنشاؤها “تمويهاً” بهدف القيام بخدمات مباشرة بإدارة السفارة الأميركية في عوكر. يكفي أن نستعيد الفيديو الشهير لديفيد شينكر عندما قال إن الإدراة الأميركية قامت بـ”زرع رجال أعمال شيعة”، مشيراً إلى أنّه سافر إلى لبنان مرتين، أو ثلاث مرات، خلال فترة عمله مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى.
وأضاف شينكر: “لقد دعمنا المجتمع المدني الشيعي. لذلك التقيت أعضاء مبدعين من المجتمع المدني الشيعي المعارضين “لاستبداد حزب الله”. التقيت صحافيين شيعة، ممن يكتبون لموقع “جنوبية”، وهو موقع إلكتروني رائع في الجنوب، يقدّم تقارير بشأن “فساد حزب الله” وقمعه. بإيجاز، أعتقد أننا اتخذنا مقاربة رفضت النظر إلى الطائفة الشيعية اللبنانية على أنها كتلة واحدة، وحاولنا إيجاد فرص من أجل الاستفادة من السخط الشيعي”. وقال أيضاً: “واشنطن فرضت عقوبات على المؤسسات المالية التابعة لحزب الله، مثل جمال تراست بنك، فكنّا حريصين على القيام بذلك، بحيث كنا ننتظر إصدار مؤسسة موديز تصنيفاتها الائتمانية التي خفّضت تصنيف لبنان. وفي اليوم التالي، جمعنا الوثائق، وقمنا بوصم جمال بنك”. وقال ضاحكاً: “لكننا لم نكن مسؤولين عن خفض تصنيف لبنان”!
هذه باختصار شديد بعض النماذج “الفاقعة” بدلالاتها حول طريق عمل الإدارة الأميركية في لبنان والعالم.
لو لم تتحرك المُسيرات، لما كان أصلا هناك “محادثات”، بل قد نصل إلى مرحلة أن يأتي المبعوث الأميركي – الصهيوني الذي قال سابقاً: “أنتم لا تملكون شيئاً فارضوا بالموجود”، قد يأتي مستقبلاً ليقول: “لقد بدأنا عملية الإستخراج والأمر بات واقعاً ولن نستطيع أن نغير شيئاً.. روحوا بلطوا البحر”!
وما يحدث في قضية ترسيم الحدود البحرية بين الكيان الصهيوني ولبنان، لا أعتقد أنه يخرج عن الأهداف المرسومة للادارة الأميركية، بتحويل نتائجها “الإيجابية” لمصلحة الكيان الصهيوني وما تريده في هذا المجال، فتعاطي المسؤولين اللبنانيين (شكلاً ومضموناّ) بهذا الملف منذ أكثر من عشر سنوات أكبر دليل على أن ما يجري الآن، لم يتغير في طريقة الاستخفاف الذي حصل في مضى على يد العديد من المسؤولين اللبنانيين مهما علا شأنهم أو انخفض.
هوكشتاين، وبعد انتظار لأكثر من شهر، لم يكلف عناء اقامته في لبنان أكثر من ثلاث ساعات، ليبلغ المسؤولين اللبنانيين لما توصل إليه، وما توصل إليه “لا أحد يعلمه”، إلا “الراسخون في العلم”.
وسائل الإعلام اللبنانية عبرت عن الزيارة الأخيرة لـ”الجنرال الصهيوني السابق” عاموس هوكشتاين: فقالت “ارتدت نتائج زيارة الساعات الثلاث التي قام بها أمس الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين لبيروت، غلافا كثيفا من الغموض. ولكن ايماءات التفاؤل الذي حرص هوكشتاين على اشاعته، شكلا وتعبيرا، غلب على التحفظات الواسعة التي طبعت مواقف المسؤولين اللبنانيين في الكشف عن جوهر ما نقله هوكشتاين”، (صحيفة النهار).
(يذكرني تفاؤل هوكشتاين بـ”تفاؤل” الفنان زياد الرحباني في مسرحية “فيلم أميركي طويل”).
ولا يغيب عن ذهننا أن الشغل الشاغل للإدارتين الأميركية والصهيونية هو إيجاد صيغة للتعايش ولو بأي شكل من الأشكال مع “الكيان الصهيوني”، بانتظار تبلور فرص جديدة للإنقضاض على ما تبقى من قوى تحرر ومقاومة في المنطقة وفرض وقائع جديدة على الأرض والقيام بما هو مخطط أصلاً للمنطقة. وما عمليات التطبيع الجارية في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج إلا حلقة من حلقات التآمر، للإطاحة بكل مقومات الصمود الشعبي العربي للانخراط في صيغ مؤقتة وملتبسة تحيكها دوائر المخابرات العالمية بهدف تثبيت النظام العالمي الجديد، لما هو واقع اليوم وما ستنتج عنه الحرب العالمية ضد روسيا.
المهل تتآكل من أسبوع إلى أسبوع ومن شهر إلى شهر، والتسويف الأميركي قبل الصهيوني آخذ في “التطاول أكثر فأكثر”، إلى متى “الله أعلم”، وفي تقديري إن الأمور في الكيان الصهيوني “تمشي وفق ما هو مخطط” في عملية الإستخراج، ولا أعتقد أنها ستتوقف، فلبنان في عين الإدارتين الصهيونية والأميركية لا يعدو كونه “بعوضة مزعجة” (للأسف)، ولو لم تتحرك المُسيرات، لما كان أصلا هناك “محادثات”، بل قد نصل إلى مرحلة أن يأتي المبعوث الأميركي – الصهيوني الذي قال سابقاً: “أنتم لا تملكون شيئاً فارضوا بالموجود”، قد يأتي مستقبلاً ليقول: “لقد بدأنا عملية الإستخراج والأمر بات واقعاً ولن نستطيع أن نغير شيئاً.. روحوا بلطوا البحر”!.
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  هل يعترف مشروع الإسلام السياسي بالدرس المغربي؟
أكرم بزي

كاتب وباحث لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  كمال جنبلاط و"لبنان الكبير": قصة الطائفية السياسية