أحمد عبدربه11/09/2022
تحل اليوم الذكرى الحادية والعشرون لأحداث الحادى عشر من أيلول/سبتمبر التى غيّرت من السياسة الدولية المعاصرة كثيرا ووصفها محللون بأنها لا تقل أهمية عن سقوط الاتحاد السوفيتى قبل ذلك بعقد من الزمان من حيث التأثير على السياسات الأمنية والخارجية للدول الكبرى، وكذلك من حيث تأثيرها على قضايا الحريات والديموقراطية!
فى صباح ذلك اليوم، استيقظ القطب الأوحد (الولايات المتحدة) على أخبار مفزعة وفيديوهات هوليوودية لارتطام ٤ طائرات مدنية بعدة مبانٍ حيوية واستراتيجية فى البلاد. ففى خلال ساعة ونصف تقريبا كانت شركتا الطيران الأمريكيتان «أمريكان إيرلاينز» و«يونايتد» تفقدان طائرات متوجهة من الساحل الشرقى إلى الساحل الغربى، حيث ارتطمت اثنتان ببرجى التجارة العالمى، بينما ارتطمت الثالثة بمبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» فيما أخطأت الطائرة الرابعة طريقها إلى واشنطن العاصمة ربما فى طريقها لضرب البيت الأبيض أو مبنى الكونجرس بعد أن فشل الخاطفون فى السيطرة عليها وسقطت بالقرب من مدينة صغيرة فى ولاية بنسلفانيا.
خلف الحادث وفاة قرابة الثلاث آلاف شخص معظمهم من المدنيين وإصابة آلاف آخرين من جنسيات ما يزيد على ٦٠ دولة! رغم كثرة الحديث وقتها عن المدبر والمنفذ لهذه الهجمات، ورغم انتشار نظريات المؤامرة، إلا أن منظمة “القاعدة” تبقى هى المنفذ الأوحد للعملية الإرهابية الضخمة بحسب زعيم التنظيم وقتها أسامة بن لادن! بررت “القاعدة” الضربة باستباحة دماء المسلمين والعرب فى فلسطين والعراق بواسطة الولايات المتحدة، وسعت الأخيرة وحلفاؤها إلى محو الإسلام باحتلال أراضيه ونهب ثرواته!
لكن ما يعنينا فى هذه المساحة هو الحديث عن الكيفية التى تغير بها عالمنا بعد هذه الأحداث الدامية وكيف أثر ذلك على السياسة الدولية مع مطلع القرن الحادى والعشرين؟
***
يمكننا رصد أربعة متغيرات جوهرية فى عالم السياسة الدولية:
المتغير الأول كان نمو ظاهرة «الإسلاموفوبيا» فى الولايات المتحدة والغرب عموما. فبالإضافة إلى جرائم الكراهية التى طالت المسلمين والعرب، بل وبعض الهنود والتى تمثلت فى جرائم القتل على الهوية وحرق المساجد، فضلا عن العبارات العنصرية والمسيئة التى طالت الكثيرين، فإن وصم الإسلام والمسلمين بالإرهاب والتطرف طال الكثير من الدوائر الإعلامية والسياسية والثقافية، بل والأكاديمية أيضا. ورغم أن هذه الظاهرة قد انحصرت بعض الشىء لاحقا، إلا أنه يمكن تتبع آثارها فى الثقافة الشعبية الأمريكية والغربية وفى بعض التعامل مع المسلمين. فعمليات القتل الجماعى للأبرياء إذا ما كان القاتل أبيض البشرة يتم اعتبارها جريمة قتل، أما إذا ما كان القاتل يحمل اسما يشتبه فى كونه إسلاميا أو من أصول إسلامية أو عربية، فيتم التعامل معه فورا على أنه حادث إرهابى وبغض النظر عن الدوافع!
حاولت الولايات المتحدة استغلال أحداث سبتمبر فى تأكيد انفرادها فى قيادة العالم سياسيا وعسكريا، وقد فعلت، لكن حجم التكلفة التى تكبدتها مقارنة بحجم المكاسب كان يعنى فى التحليل الأخير أن سياسة الحرب على الإرهاب فشلت وتحولت لذريعة للتدخل فى شئون الدول أو حتى فى اختراق خصوصية ملايين المواطنين الأمريكيين والأوربيين، فضلا عن الأعباء الاقتصادية والخسائر البشرية التى دفعتها الولايات المتحدة
أما المتغير الثانى فى عالمنا فقد كان انتصار نظرية «صراع الحضارات» والتى روج لها فى التسعينيات عالم السياسة الأمريكى صامويل هانتنجتون ووجدت صدى كبيرا وقتها، ولكن وبعد أحداث الحادى عشر من أيلول/سبتمبر فقد تم إحياء النظرية مرة أخرى ووجدت لها جماهير كبيرة فى الغرب والشرق على السواء، فقد أصبحت النظرية المفسرة لتطور السياسة الدولية، بوصفه صراعا حضاريا تشكل فيه الأديان الوقود الرئيسى للمعارك الحضارية، هذه النظرية أصبحت تيارا كبيرا فى بعض تيارات الإسلام السياسى، والأمر نفسه عند بعض التيارات السياسية المسيحية فى الغرب. صحيح أن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية السياسية والثقافية والدينية قد بذلت مجهودا كبيرا لدعم سردية «حوار الحضارات والأديان» قبل وبعد أحداث ١١ أيلول/سبتمبر، إلا أن فهم السياسة الدولية باعتبارها صراعا حضاريا دينيا كان ولا يزال عنوانا بارزا لعالم ما بعد هذه الأحداث.
بينما يتمثل المتغير الثالث فى الصعود الدينى فى السياسة الدولية، والحقيقة أن صعود دور الدين فى تشكيل توجهات السياسة الخارجية لبعض الدول أو غير الدول يمكن رصده بوضوح بعد انتهاء الحرب الباردة، فانهيار الاتحاد السوفيتى كان يعنى عودة الدين إلى المجال العام فى دول الكتلة الشرقية من ناحية، كما أن الدين عاد إلى الواجهة كمعرف للهوية من ناحية ثانية، ولكن وبعد أحداث أيلول/سبتمبر، فإن دور الدين فى المجال العام قد زاد بشكل كبير، فأصبحنا نرى ما يشبه الصحوة الدينية الخاصة بالتيارات الإسلامية فى سبعينيات القرن الماضى، ولكن هذه المرة الصحوة كانت غير قاصرة على التيارات الإسلامية، حيث حدث تصاعد واضح للتيارات الدينية عموما فى التأثير على السياسات الداخلية والخارجية للدول، وأصبحنا نرى تصاعدا لتيارات متناقضات فى السياسة الدولية، حيث تصاعد التيار العلمانى بشقيه الليبرالى والسلطوى، فى مقابل تصاعد للتيار الدينى المحافظ، وقد طال هذا الصعود الدينى الغرب كما طال الشرق!
أما المتغير الرابع والأخير فيتمثل فى الحرب على الإرهاب كعنوان لمرحلة ما بعد ١١ سبتمبر/أيلول، فقد أصبحت السياسة الدولية بعد هجمات سبتمبر/أيلول ولسنوات طويلة تتشكل وفقا لمصطلح شديد العمومية اسمه الحرب على الإرهاب، فأصبح الجزء الأكبر من ميزانيات الدول يُوجه لهذه الحرب، كما أصبحت العلاقات بين العديد من الدول تشهد تنسيقا كبيرا بين الأجهزة الأمنية والمخابراتية على حساب التعاون السياسى والاقتصادى، فضلا عن أن العديد من المنتديات الثقافية والأعمال الفنية والدوائر الأكاديمية أصبحت تدور حول العنوان نفسه!
احتلت الولايات المتحدة أفغانستان فى ٢٠٠٢ وظلت هناك لسنوات طويلة حتى تتمكن من هزيمة “القاعدة”، صحيح أن الأخيرة انهزمت، لكن لم ينهزم الإرهاب نفسه! فشلت الولايات المتحدة فى بناء دولة أفغانستان، بل وفشلت فى استبعاد “طالبان” التى عادت أخيرا إلى الحكم والأهم أن كل هذا الفشل كان على جثث عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء!
تكرر الأمر نفسه فى العراق، فقد تم احتلالها فى عام ٢٠٠٣ تحت دعاوى كاذبة عن منع العراق من امتلاك أسلحة نووية ونشر الديموقراطية، صحيح تم اقتلاع نظام صدام حسين، لكن لم تبنَ ديموقراطية ولا حتى تم بناء دولة مستقرة، فغرقت العراق أيضا فى مستنقع الطائفية والعنف والعنف المضاد وأصبحت مرتعا للتدخلات الإقليمية والدولية، وكل ذلك أيضا تم على جثث العراقيين المدنيين الأبرياء وحدهم!
***
حاولت الولايات المتحدة استغلال أحداث سبتمبر فى تأكيد انفرادها فى قيادة العالم سياسيا وعسكريا، وقد فعلت، لكن حجم التكلفة التى تكبدتها مقارنة بحجم المكاسب كان يعنى فى التحليل الأخير أن سياسة الحرب على الإرهاب فشلت وتحولت لذريعة للتدخل فى شئون الدول أو حتى فى اختراق خصوصية ملايين المواطنين الأمريكيين والأوربيين، فضلا عن الأعباء الاقتصادية والخسائر البشرية التى دفعتها الولايات المتحدة، هذا ناهينا عن تزايد الكراهية للسياسات الأمريكية المهيمنة حتى بين بعض الدول الغربية!
انتهت الحرب على الإرهاب، ولكن الإرهاب كفكرة أو كسياسة لم ينتهِ، بل ما زالت أرضية العلاقات الدولية التى تشهد فشلا متزايدا لتطبيق القانون الدولى وتعطل منظومة الأمن فى الأمم المتحدة مشجعة للمزيد من التطرف فى الفكر والفعل!
(*) بالتزامن مع “الشروق“