الإمام الصدر “غُيِّبَ” على طريق مار شربل!

9 تشرين الأول/اكتوبر 1977 – 9 تشرين الأول/اكتوبر 2022: 45 عاماً على الاحتفال بإعلان قداسة الراهب والناسك اللبناني الماروني يوسف مخلوف "مار شربل" في الفاتيكان.

الطريق الى عنايا في قضاء جبيل في الجبل اللبناني ومنذ حوالي 60 عاماً (اعلان طوباوبة شربل عام 1965) تعرف حركةً لا تهدأ وتوافد جموع لا تعد. الوجهة واحدة وهي زيارة حج وصلاة الى ضريح أول قديس في بلد الأرز في تاريخ الوطن الحديث: “مار شربل”.

سكان لبنان يأتون كلما سنحت لهم الفرصة وكلما دعت الحاجة الى التوجه الى “طبيب السماء” بعد أن يعجز أطباء الأرض عن شفاء مصاب بمرض وبوجع. أما اللبناني المنتشر والآتي من وراء البحار، فقد جعل من هذه المحطة “فرض واجب” يوازي زيارة البيت العائلي.

قاصدو هذا المزار لا يقتصرون على المسيحيين أو اللبنانيين فقط. يأتون إليه من كل المناطق والطوائف والمذاهب. مار شربل لم يعد قديس الموارنة خصوصاً والمسيحيين عموماً بل أصبح ومنذ زمن بعيد “قديس لبنان”. أكثر من ذلك، بات دير مار مارون ومحبسته القائمة على ذروة عنايا مقصداً للمواطنين العرب والاجانب من مختلف البلدان والقارات.

ويكفي القاء نظرة على سجل توثيق العجائب، الذي يُشرف عليه بكل أمانة القيّم على الدير الأب لويس مطر، للتأكد من حجم مفاعيل النعم التي نالها بشفاعة حبيس عنايا المؤمنون المنتشرون في مختلف بقاع الأرض. فعدد الذين شملتهم العجائب المسجلة بلغ إلى اليوم 29459 شخصاً وقرابة الثلاثة آلاف منهم غير معمدين (سنة وشيعة ودروزاً وعلويين..) ومن دول الجوار 2800 (سوريا، العراق إلخ..).

لماذا الحديث عن هذه الظاهرة في هذا اليوم بالذات؟

تتزامن الذكرى الخامسة والاربعون لاعلان قداسة مار شربل مع “مظاهر استفزازية” تمثلت برفع أعلام حزبية وصور لمرجعيات دينية وسياسية على طول الطريق الذي يعبر بعدد من القرى الشيعية المؤدية الى عنايا. وقد فسرت تلك المظاهر بأنها “محاولة لاثبات الذات (الطائفية) وعرض القوة”، الأمر الذي إستدرج آخرين لوضعها في خانة “اثارة النعرات وتعميق مشاعر الانقسام الطائفي في منطقة لطالما شكّلت بعيشها المشترك نموذجاً يُحتذى به حتى في زمن الحرب الأهلية”.

إن المطلوب اليوم ليس زيادة مخاطر التباعد وزيادة الشرخ في النفوس، بل العمل على تحصين فرص التقارب في زمن تاريخي وظرف مفصلي تُرسم فيه الحدود ويتقرر فيه مصير الكيانات.

ويبدو ان هناك حاجة لتذكير هؤلاء بواقعة من شيمها وأربابها هامة من كبار الزمن الغابر تمثلت بمبادرة غنية بمعانيها وعميقة بأبعادها من خلال ذلك النداء الشهير لسماحة الامام المغيب السيد موسى الصدر الذي توجه به في منتصف السبعينيات الماضية الى بني قومه في البقاع والهرمل، في مواجهة تهديدات أطلقت ضد عدد من القرى المسيحية في المنطقة، قائلاً بالصوت والصورة: “اني اقول إن كل طلقة تُطلق على دير الأحمر أو القاع أو شليفا انما تطلق على بيتي وعلى قلبي وعلى أولادي، وإن كل فرد يساعد على تخفيف التوتر أو إطفاء النيران إنما يساهم في إبعاد النار عني وعن بيتي وعن محرابي ومنبري. إنما اقول لكم ذلك بالحقيقة كل الحقيقة.. ولا أبالغ فيما أقول”.

وربما لو كان الامام المغيب موجوداً اليوم لما تجاسرت تلك “الرؤوس الحامية” على القيام بمثل هذه التجاوزات، ولو اقدموا على ذلك لكان سماحته توجه بنفسه الى تلك القرى الجبيلية وعمل على اعادة التقارب مع جيرانها وبالتالي وقف الاستفزازات ونزع تلك المظاهر من أجل “اطفاء نار الفتنة” في مهدها. فهو كان يدرك أن مخاطرها تصب في خدمة “مشاريع التجزئة والتفرقة لضرب صيغة العيش معاً” التي يعمل لها اعداء الخارج.

ومن هنا تبرز ضرورة التصدي لها بشجاعة وحزم، وبذلك تتم المحافظة على رمزية هذا المزار الوطني كأرض لقاء ومكان وحدة ورسالة انفتاح.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  النجدة يا سماحة السيد!
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  على شاطئ صيدا.. طُغيان إجتماعي