نواب التغيير الإفتراضي.. إستقيلوا!

إنها الذكرى الثالثة لإنتفاضة 17 تشرين. ذكرى عزيزة على قلوب الغالبية العظمى من اللبنانيين. يوم تاريخي وحّد اللبنانيين. رموا هوياتهم الطائفية والمذهبية والمناطقية وقرّروا في تلك اللحظة أن يكونوا لبنانيين وأقوى من محاولات القادة الطائفيين على منع "الدجاج" من مغادرة "القن الطائفي والمذهبي".

قد يعتبر البعض أن كلمات هذه المقالة قاسية للغاية. قد يقول آخر إن مائة وخمسين يوماً غير كافية للحكم على النواب التغييريين. وحتماً سيبادر رأي ثالث إلى إتهامي بالإنقلاب على مواقفي، غير أن من يرصد مقالاتي وآرائي يُدرك جيداً أنني كنتُ بين قلة قليلة من المطالبين (قولاً وكتابة) بمقاطعة الانتخابات النيابية في العامين 2018 و2022، وخوض معركة تغيير القانون الانتخابي حتى الوصول إلى قانون جديد أكثر تمثيلاً وعدالة، يكون مُفصّلاً على قياس الوطن لا الأشخاص. فالفرق بين خوض معركة تغيير قانون الانتخابات وخوض الانتخابات هو أن الأول يُعتبر مدخلاً للاصلاح الدستوري والقانوني وحتى السياسي، أما الثاني (خوض الإنتخابات) فلا يفضي سوى إلى ملء بعض الكراسي الفارغة في المجلس النيابي الكريم، كما يحصل اليوم.

إن القارئ للواقع السياسي يستطيع أن يستنتج أن التغييريين كانوا ولا يزالون أشبه بـ”المارد الورقي”. في العلن وقبل الإنتخابات كان سقف المطالب الشعبية والسياسية والمالية والعدلية عالياً وقد يصل إلى حد اليوتوبيا. ولكن في المضمون وبعد الوصول إلى البرلمان، تبين لنا أن هدف التغييريين وبلا منازع هو فقط الوصول إلى البرلمان وليس تغيير الأداء السياسي والرقابة والمحاسبة أو حتى تقديم طرح جدي لتغيير النظام.

الكل يعلم أن المشاركة في الإنتخابات بقانونها الحالي المفصل على مقاسات البعض ووفق صيغة طائفية بغيضة (القانون الأرثوذكسي ضمناً) يعني القبول بشروط اللعبة التي لا يمكن تغييرها من الداخل.

لذا، كان الأحرى بهؤلاء النواب التغييريين مواجهة النظام بالسعي إلى تغييره وليس بالإكتفاء بالوصول إلى البرلمان. كان الأحرى بهؤلاء الساعين إلى الكراسي عدم استغلال ثورة 17 تشرين الحقيقية وأولئك الأبرياء الذين آمنوا بهم وبمشاريعهم الدونكيشوتية الفارغة المتكئة على منظومة علاقات ومنصات تواصل اجتماعي وبعض “الهوبرات” من هنا وهناك!

لقد دمّر هؤلاء – ولا أستثني أحداً منهم ـ أي أمل جدي بالتغيير. لقد سرقوا الثورة تحت عنوان الواقعية في مقاربة السياسة اللبنانية وأن العمل السياسي داخل البرلمان حتّم عليهم العمل والتعامل مع من سرق البلد ونهبه ودمّره وحتى فجّره.

لماذا لم يُقدّم هؤلاء قانوناً حقيقياً حتى الآن؟ جُلّ ما فعلوه هو مبادرة صبيانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.. وهم ونحن والعالم أجمع يعلم أن انتخاب رئيس للجمهورية في ظل المنظومة المتسلطة والمستقوية بالنظام الطائفي والأمر الواقع، هو في نهاية الأمر عبارة عن مقايضة إقليمية دولية بأدوات لبنانية سيكونون جزءاً لا يتجزأ منها.

على هؤلاء الذين صادروا التغيير بالصفة التي أعطوها لأنفسهم ـ وان ادعوا الاختلاف عن غيرهم ـ أن يبادروا إلى الاستقالة والعودة الى الثورة الحقيقية الدائمة الشاملة الراديكالية على النظام والمنظومة او ليسمحوا لنا بتسميتهم “عملاء المنظومة ودولتها العميقة”

إن اطلالة هؤلاء “التغييريين” الديماغوجية الفاشلة لم تُصب هدفها، لا بل أحرقتهم وأعطت فائض قوة للطبقة السياسية التقليدية. لم يطرحوا إسماً للرئيس المقبل ولا مشروعاً ولا رؤية ولا حتى مجرد وجهة نظر.. إلا إذا كانوا يعتقدون أن ديماغوجية منصات التواصل الإجتماعي التي أوصلتهم يُمكن أن تأتي برئيس لبناني سيد حر مستقل يستطيع أن يعالج أزمات البلد.. وما أكثرها.

عندما قرّر التغييريون دخول المعترك النيابي، لم أقف خلفهم. لم أدعمهم. كنت على قناعة أن هناك من يريد تجميل النظام بإدخال دزينة من “التغيريين” إلى البرلمان.. تمهيداً لإحراقهم وقطع الفرصة على أي محاولة تغييرية مستقبلاً، فالتغيير لا يأتي بـ”قم لأجلس مكانك”، إنما من خلال قانون انتخابي وطني نسبي عادل ومتوازن.. وإلا ينتهي بنا الأمر بعد ثلاثة أعوام على الثورة إلى المربع الاول.. مربع السلطة المافيوية.

لنعترف أنه تم خداعنا. أننا هُزمنا مرتين: مرة مِن السلطة ومرة مِن “الوصوليين”. ماذا فعل “متسلقو الثورة” وسارقوها منذ وصولهم الى البرلمان؟ لم يقدموا أي إقتراح قانون جدي مثل الكابيتال كونترول أو تغيير القانون الإنتخابي أو قانون السرية المصرفية. هل طالب هؤلاء المتملقون وسارقو أحلام الناس وآمالهم زملاءهم النواب بالتصريح عن أموالهم في الداخل والخارج؟ هل استدعوا أحداً من أهل السلطة بدءاً من حاكم مصرف لبنان إلى أصغر موظف في وزارة المالية للإستماع إلى إفادتهم حول أسباب الانهيار مثلاً؟ هل طلبوا إجتماعاً مع جمعية المصارف لإستيضاح موقفها من قضية الودائع؟ هل أعلنوا أن أولوية أولوياتهم هو ملف الطاقة لتقصي أسباب هدر ما يزيد عن أربعين مليار دولار حتى نصل إلى صفر كهرباء؟ هل استدعوا محافظ ورئيس بلدية بيروت وفهموا منهم أسباب الخراب الحاصل في العاصمة؟.

ماذا عن انفجار مرفأ بيروت؟ لم لا تستمعوا الى المحقق العدلي القاضي طارق بيطار حتى تخبروا الناس بحقيقة ما حصل؟ لما لا تجتمعوا بقادة الأجهزة الأمنية والقضاة، إلا إذا كانت العدالة عندكم مجرد ديماغوجية تنتهي عند حدود بوابة البرلمان وبعض “الهوبرات” اليومية في وسائل التواصل الإجتماعي؟

إقرأ على موقع 180  "المنازلة الكبرى".. ممر إلزامي للشرق الأوسط الجديد؟

لقد طالب معظمكم بنزع سلاح حزب الله قبل دخول الندوة البرلمانية، ولكن هل تجرأ أحدٌ منكم على طرح قضية الإستراتيجية الدفاعية داخل البرلمان أو خارجه بعد الانتخابات؟ هل طرحتم خطة واقعية لنزع السلاح في كل مناطق لبنان؟ هل قدّمتم أي طرح في هذا الصدد؟

للأسف، أنتم بعتم الناس البسطاء أوهاماً في سوق التغيير الإفتراضي.. فقط لأجل بعض الكراسي الزهيدة.

لا يبرر تقصيركم ضيقُ وقت ولا إدارة ولا أزمة ولا فراغ إلى ما هنالك من حجج.

الوقت حقاً ضيق عند اللبنانيين الذين يعانون يومياً أسوأ أنواع الذل وأكثرها وجعاً. الوقت حقاً ضيق قبل الانهيار التام والإرتطام الكبير.

على هؤلاء الذين صادروا التغيير بالصفة التي أعطوها لأنفسهم ـ وان ادعوا الاختلاف عن غيرهم ـ أن يبادروا إلى الاستقالة والعودة الى الثورة الحقيقية الدائمة الشاملة الراديكالية على النظام والمنظومة او ليسمحوا لنا بتسميتهم “عملاء المنظومة ودولتها العميقة”.

لو كانوا جادين بالتغيير شاركوا بالانتخابات. لو كانوا شفافين، كما يدعون، لما ارتضوا ترويضهم داخل البرلمان ولجانه وإعلامه. لو كانوا جادين لما شاركت إحدى النائبات في مسرحية اقتحام المصرف بل استبدلتها باستدعاء من كان السبب في هذا الإنهيار الحاصل أو عملت هي وباقي زملائها من دون انقطاع على مسودة قانون الكابيتال كونترول وقانون إلغاء السرية المصرفية خصوصا ما قبل 2019.

لقد خدعتم الناس وأي خداع. أجهضتم التغيير ولم تكونوا يوماً جزءاً من مشروع التغيير. لقد أصبحتم جزءاً من المنظومة. عليكم الرحيل.. وبأسرع وقت ممكن.

Print Friendly, PDF & Email
هاني عانوتي

باحث، أستاذ جامعي لبناني

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  موسى الصّدر.. ماضي "شيعة لبنان".. أمْ مُستقبلهم الحتميّ؟