في ذروة التوتر في العلاقات الصينية-الأميركية حول تايوان، وفي ظل الحرب الروسية-الأوكرانية، وإستفحال أزمة الطاقة في العالم، وعلى وقع التجارب الصاروخية الباليستية الكورية الشمالية وإستعداد بيونغ يانغ لتجربة نوووية جديدة، ومناورات أميركية-كورية جنوبية، أتى إنعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الذي يتوقع أن ينتهي اليوم بالتجديد لشي جين بينغ ولاية ثالثة على رأس الحزب، في سابقة تجعل منه الزعيم الصيني الأكثر مكوثاً في السلطة منذ ماو تسي تونغ.
ليس الوضعان الإقليمي والدولي، هما فقط اللذان شكلا عاملاً ضاغطاً على ظروف إنعقاد المؤتمر. إذ أن متاعب الصين في وضع سياسة صفر كوفيد-19 موضع التنفيذ والحفاظ على الوتيرة ذاتها للزخم الإقتصادي، لا تجري بسلاسة بسبب الإغلاقات، التي فرضت على مدن كبرى تفشى فيها الوباء بأعداد كبيرة.
يُستشف من المسار المتوتر للعلاقات الأميركية-الصينية، أن لقاء بايدن وشي في بالي لن يشكل فاتحة لخفض التصعيد، نظراً إلى التضارب الكبير في رؤية كل منهما إلى الوضع في المحيطين الهادىء والهندي وحتى إلى الوضع الدولي عموماً
ومع ذلك، تبقى عناوين السياسة الخارجية وفي مقدمها العلاقة مع الولايات المتحدة، هي الأساس الذي تستند إليه الصين في مواصلة الصعودين الإقتصادي والسياسي في مواجهة دولية شرسة، إقتصادية وسياسية وعسكرية. وليس أدل على ذلك، من تعمد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نشر إستراتيجية جديدة للأمن القومي قبل بضعة أيام من المؤتمر، تركز فيها على الصين بصفتها “المنافس الوحيد الذي لديه النية لإعادة تشكيل النظام الدولي، والذي يملك إمكانات متزايدة، إقتصادياً وديبلوماسياً وعسكرياً وتكنولوجياً، لفعل ذلك”.
وهذا ما يثبت أنه على رغم ما شكّله الهجوم الروسي على أوكرانيا من إهتزاز للنظام الدولي القائم، فإن التفكير الأميركي العميق يتجه صوب الصين، إنطلاقاً من واقع أن المسعى الروسي يمكن إحتواؤه والتعامل معه كما تدل الوقائع حتى الآن بعد سبعة أشهر من الحرب، في حين أن الأمور يمكن أن تتخذ إتجاهاً معاكساً إذا ما قررت بكين مساندة روسيا عسكرياً وإقتصادياً، أو إذا ما قررت فتح جبهة ثانية في تايوان. ولن يكون من السهولة بمكان على أميركا والغرب التعامل مع حربين في وقت واحد. وقد يشكل ذلك تهديداً جدياً لنظام القطب الواحد.
إنتهجت الصين منذ بدء النزاع الأوكراني سياسة حذرة، لا هي باركت الحرب الروسية، ولا إنضمت إلى العقوبات الغربية ضد موسكو، ولا تزال تدعو إلى سلوك طريق الديبلوماسية لحل الأزمة. وتدرك واشنطن أن مصير الحرب يتوقف على أي إتجاه يمكن أن تمضي فيه الصين. وهذا أمر يمكن أن يتبلور أكثر بعد أن يمتلك شي جين بينغ التفويض الثالث من مؤتمر الحزب.
الأميركيون هم خير من يدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك. ولذا يواصلون إرسال إشارات متناقضة إلى الصين. هذا جو بايدن يتخلى عن الغموض الإستراتيجي بالنسبة للدفاع الأميركي عن تايوان إذا ما هاجمتها الصين ويقول في الوقت نفسه إنه راغب في لقاء الرئيس الصيني في منتجع بالي الأندونيسي الشهر المقبل على هامش قمة مجموعة العشرين.
ويُستشف من المسار المتوتر للعلاقات الأميركية-الصينية، أن لقاء بايدن وشي في بالي لن يشكل فاتحة لخفض التصعيد، نظراً إلى التضارب الكبير في رؤية كل منهما إلى الوضع في المحيطين الهادىء والهندي وحتى إلى الوضع الدولي عموماً. ولا يخفي الرئيس الصيني رؤيته لمستقبل تايوان، بينما هناك تخلٍ من قبل بايدن عن سياسة “صين واحدة” في ضوء الدعم السياسي والعسكري المتزايد الذي تقدمه الولايات المتحدة لتايبه. وأكثر من مرة حذر الزعماء الصنيون من أن هذا الدعم قد يبعث بإشارة خاطئة إلى قادة تايوان لإعلان الإستقلال. قطعاً للطريق على هذه الإشارات، أدخل مؤتمر الحزب “معارضة إستقلال تايوان” بنداً في الدستور الصيني.
ولا تعوز شي الدلائل على ذلك، من صياغة الولايات المتحدة للأحلاف الأمنية والشراكات الإقتصادية في منطقة المحيطين الهادىء والهندي، وعبر نشر خمس حاملات للطائرات في المنطقة، فضلاً عن تكثيف التعاون العسكري مع اليابان وأوستراليا. وهذا حلف شمال الأطلسي يقرر في عقيدته العسكرية التي تلت قمة مدريد في حزيران/يونيو مراقبة “التحدي المتصاعد” للصين. وكادت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان في آب/أغسطس الماضي، تُفجّر نزاعاً عسكرياً في المنطقة. كما أن أميركا تواصل التنديد وفرض العقوبات على الصين بسبب ما تراه إنتهاكاً صينياً لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ حيث الأقلية الإيغورية، وكذلك بالنسبة إلى قانون “الوطنية” الذي أقرته بكين في هونغ كونغ.
مع التركيز الأميركي على آسيا بصفتها القوة الإقتصادية التي تفوق بأضعاف مضاعفة القوة الإقتصادية لأوروبا، من المحتمل أن تزداد المواجهة بين أكبر قوتين إقتصاديتين في العالم
وينقل موقع “بولتيكيو” الأميركي عن المدير السابق لشؤون الصين في مكتب وزير الدفاع الأميركي بوني لين في قراءة لخطاب شي جين بينغ أمام المؤتمر: “اللافت للإنتباه كم هي متشائمة الصين في ما يتعلق بتقويم بيئتها الأمنية الشاملة، خصوصاً بيئتها الخارجية. إن الكثير من الإجراءات التي تقول الصين إنها في حاجة إليها، ترمي إلى إعداد سكانها لأزمات محلية وخارجية”. ويضيف أن شي جين بينغ لمّح إلى هذا التشاؤم بإشارته إلى “محاولات خارجية لإبتزاز وإحتواء ومحاصرة وممارسة الضغط الأقصى على الصين”.
من المؤكد أن الولاية الثالثة لشي جين بينغ، ستزيد من عوامل القلق الأميركي حيال الصين، وتدفع بإدارة بايدن إلى تصعيد الضغوط، وهي دائمة الشكوى من تزايد النزعة العسكرية الصينية منذ صعود الرجل إلى رأس هرم السلطة قبل عقدٍ من الآن، وتراقب عن كثب الموازنات العسكرية للصين وبناء قوة بحرية حديثة تشمل حاملات طائرات وإدخال إصلاحات على الجيش، وتعزيز قوة الردع النووي، فضلاً عن الإتهامات المتكررة لبكين بممارسة سياسة “تنمر” على الدول المجاورة ومحاولة بسط الهيمنة على بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.
ومع التركيز الأميركي على آسيا بصفتها القوة الإقتصادية التي تفوق بأضعاف مضاعفة القوة الإقتصادية لأوروبا، من المحتمل أن تزداد المواجهة بين أكبر قوتين إقتصاديتين في العالم، مع خشية لا تخفيها وسائل الإعلام الغربية مع تتويج المؤتمر العام للحزب الشيوعي لشي جين بينغ “إمبراطوراً” وليس رئيساً لولاية ثالثة فقط على رأس الدولة والحزب.