“فقه الرجال” في الإسلام.. إفتئات على المرأة والقرآن (2)

الحجاب مزمن وعميق الجذور. هو قبل الاسلام وبعده. لم تنجُ عقيدة دينية، من اعتبارها المرأة انثى لا انسان. (انها كائن بيولوجي) هذا تصنيف وضع المرأة، في صدارة الاقامة في البيولوجيا!

المرأة، لم يشوّهها النص، بل كانت ضحية مستدامة. والمتهم بهذا التمييز المذل إلى حضرة “فخامة” الرجل؛ هو نزوع الرجل الى تسييد الذكورة على من هي “أصل الحياة” و”ينبوع العطاء” ومسؤولية انتاج الإنسان، عبر أرحام لم يعرف الذكر فيها إلا ذكوريته.

أبادر في مطلع هذا النص، الى ما يلي: المسلمون ليسوا الإسلام النصي. والمسيحيون، ليسوا الايمان اليسوعي. أي ان الإسلام واحد، والمسلمون آحاد متعددة. المسيحيون فرقٌ متعددةٌ وتسلطٌ. يسوع لا يشبه المسيحيين، الذين في كل واد يهيمون، ومحمد لا يشبه المسلمين، الذين برهنوا انهم فتنة متنقلة. الدين خطر جداً. السير بمقتضياته، خاضع دائماً، الى اغراءات الواقع ومغريات السلطة..

ان مراجعة سريعة لتاريخ الديانتين، تؤكد ان “صناعتهما”، لم تكن بوحي او بآية، بل عبر فقه، أنجبه الانسان. ان تاريخ الرجل في الديانات، انجب حروباً، ولا يزال. الاديان التوحيدية، تفتتت. النص بريء. الشريعة الدينية، قابلة لتفسيرات متناقضة. المفسرون والفقهاء والكهنة ورجال الدين، جيَروا الشرعية النصية على قاعدة المصالح ورذلوا المرأة، بحجة انها شر لا بد من ترويضه والتحكم بها. الإسلام ليس مسؤولاً ولا الانجيل ايضاً.

كان لا بد من هذه المقدمة، كي لا أُرمى بالكفر وأُتهم بالانتقائية. الحجاب، قضية بأبعاد عديدة. انها تشمل المرأة والمجتمع ومنظومة الرجال. المرأة في دين الفقهاء، من البدايات، حتى الزمن الحديث، هي مأمورة وملزمة ومحجبة ومحقرة. محرومة مزمنة. لقد أمر الفقهاء المرأة بالحجاب، وألزموها على الاقامة في قعر بيتها. أي ان تكون موجودة بشرط ان تكون غائبة، فالعالم ملك الذكور.

الدين لم يضعف المرأة. الاحاديث والاحكام تناولت المسائل الصغيرة والتافهة، الى جانب قضايا ذات اهمية. ولنعترف ان الاحاديث مشكوك في معظمها. “الإخوان المسلمون” في مصر اضافوا شعاراً حاسماً: “الله غايتنا والرسول زعيمنا، والحجاب رمز عفتنا”. هذا تقليد جاهلي. يريد غسل الباطل بالدم والعنف

الحجاب، هو وسيلة لتغييب المرأة عن المجتمع. عن المساهمة في الانتاج والمعرفة والابداع. ولعل الأغرب والأحط انسانياً، هو في فرض الحجاب والنقاب الذي يغطي الرأس والوجه والجسد ولا يسمح الا بفتح عين واحدة، كما ارتأى ذلك إبن عباس. الهدف، هو طرد المرأة من المجتمع.

بلغ الاستبداد الذكوري أوجه في منع المرأة من الخروج من بيتها إلا بإذن وليها الذكر، (أب، زوج، او أخ) او مع محرم، وان تكون مرتدية الحجاب الذي يلغيها تماماً. ولا يجب ان يشمت المسيحيون من زملائهم المسلمين، لأن المرأة في نظرهم، هي شر لا بد منه، (معقول؟؟؟) واغراء طبيعي (كأن الرجل كائن جنسي) “وكارثة مرغوب فيها، وخطر مقيم وسحر قاتل ومرض جذاب”.

الطاعة هي البداية والنهاية.على المرأة ان تخضع لزوجها. وللزوج ان يؤدب زوجته، عن طريق الضرب بالعصا وحرمانها من ابسط حقوقها. كان يفترض ان تلتزم المرأة بالحجاب، لأنه الحد الفاصل بين المرأة الشريفة من جهة وامكان ان تكون عاهرة من جهة ثانية.

هل الإسلام النصي والتأسيسي، او الإسلام القرآني، هو دين هداية أم دين قمع ومنع؟ إن تسعة اعشار القرآن، “تحث على التقوى وسلامة القلوب وفتح العقول”. أي ان النص لم ينشغل بالتفاصيل. إنه لا يذكر اسماء ولا تواريخ ولا عناوين ولا تفاصيل. الهداية مقصده. لا تفاصيل للشعائر المقدسة، والصلاة والزكاة والحج. لم يحدّد الركعات في الصلاة.. لماذا لم يقم القرآن بذلك؟ لأنه يؤكد على الكليات وحدها. التفاصيل هي مهمة الرسول. وقد رفض محمد ان تدون كلماته، كي لا تنحو الى التأييد القرآني. السنة ليست مرجعاً جامعاً. ولم تدون، الا بعد مئة سنة. وهكذا يمكن ان نخلص الى ما يلي: إن اسلام الله والرسول، ليس اسلام الفقهاء والمذاهب. وما ادراك ما المعارك القاتلة والمجرمة بين الملل والنحل.

ان الغريب عن تاريخ الاديان، استناداً الى النصوص، سوف يُذهل عندما يدرك حجم المسافة بين النص والنفس، او بين النصوص والنفوس. اسلام الشعوب اليوم، ليس هو اسلام الله والرسول. انه اسلام الفقهاء والأئمة. لذا لا بد من العودة الى النص القرآني، الذي يعيش في غربة متنامية، فالغلبة هي للاحاديث (وما ادراك ما الحديث ونتائجه الجارحة).

نعود الى سياق البداية: ما علاقة هذا كله بالحجاب والطلاق والاختلاط؟ انها ليست من اصول النص الاصلي ولا تمس العقيدة في شيء. الدين لم يضعف المرأة. الاحاديث والاحكام تناولت المسائل الصغيرة والتافهة، الى جانب قضايا ذات اهمية. ولنعترف ان الاحاديث مشكوك في معظمها. “الإخوان المسلمون” في مصر اضافوا شعاراً حاسماً: “الله غايتنا والرسول زعيمنا، والحجاب رمز عفتنا”. هذا تقليد جاهلي. يريد غسل الباطل بالدم والعنف.

الحجاب في القرآن، لا يُغطي عُرياً أو عورة ما. هذا تفسير مفترٍ. خلاصة القول، وتأكيداً على ما جاء في سورة الاحزاب وما تم تثبيته نصاً، ان القرآن، لم يشر الى الحجاب كعقاب، وكعزل للمرأة، فالحجاب ليس زياً يلزم النساء به. انه ستار يحول دون الدخول على الرسول وزوجاته، من دون استئذان. وليس في النص تحديد وتصنيف للزي، واذا كان هناك من واجب، فعلى المرأة ان تغطي فتحة الصدر. لذا ان تعميم الخصوصيات التي تتمتع بها نساء الرسول، هو افتئات صريح على القرآن. باستثناء زوجات الرسول، كانت المرأة تشارك الرجال، حتى في المعارك، وفي جولات القتال. بعد نزول آية الحجاب، فان النساء حاربن في هوازن وفي خيبر.. كان الوضوء جماعيا، بين الرجال والنساء، في حوض واحد ولم تُمنع المرأة حتى عن المساجد.

نصل الى قضية تعدد الزوجات، ولا بد من الاكتفاء تحديداً بما جاء في القرآن، لا في ما اوردته قرائح المفسرين والرواة، وذوي الذكورية المنتفخة. الآيات في سورة النساء تتضمن مقولة التعدد. “يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء..” و”آتوا اليتامى اموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب”.. “وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.. ولن تعدلوا”.

إقرأ على موقع 180  الصورة الرقمية للمرأة.. صانعة حياة أم إغواء؟

هذا يعني ان التعدد مشروط بمبدأ لاغ: هو قسط اليتامى. ان يعدلوا في ذلك. وهناك شبه يقين انهم لن يعدلوا. ثم ان النص ليس أمراً ولا اباحة.

المسلمون، مارسوا مثنى وثلاث ورباع. هل هذا سماح مطلق او سماح بشرط. وهناك تأكيد على استحالة العدل. ففي آية (النساء129) من القرآن، بأن الاستطاعة مشروطة، وضرورة الاقتصار على واحدة. “ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”، شرط الزواج من اكثر من امرأة، ان يعدل الرجل، بين النساء واليتامى. فلليتامى حقوق، ويمكن الرجوع الى رأي الرسول، ازاء تعدد الزوجات، عندما منع علي بن ابي طالب، من ان يتزوج زوجة أخرى، الى جانب فاطمة. لأن هذا الزواج، سيؤدي الى شقاق ونكد.

غصنا قليلاً في بدايات المشكلة في الإسلام، منذ عهد النبي، الى غضب عمر بن الخطاب، الذي اجاز ضرب المرأة و.. الى الفقهاء والملل والنحل، بقليل من الشواهد، ونقلع الى محطة راهنة، هي اوضاع المرأة راهنا.

تعيش المرأة راهنا، في مناخ مضاد للتقدم والحرية. فالذكر ليس في مرتبة الانثى. هو على صواب وهي على خطأ. والذكر على صواب ولو اخطأ. الذكر له كامل الحرية، وللمرأة قيود مانعة. الحرام هو جسدها وجسدها هدف الرجل. وعليه، فالمرأة عورة. المساواة مع الرجل، من سابع المستحيلات. التحرش الجنسي سائد، والنتيجة، “تسقط البنت ويُحمى الرجل”. العنف المنهجي ضد المرأة سائد ومؤيد ذكوريا. ورجال الدين ذكور فقط. ليس للمرأة سلطة في السردية وثمة سيطرة ذكورية على الدين. مطالب النزعة الذكورية العمياء بلغت راهنا، زيادة القيود على المرأة وفتح طريق الجنس للرجل. كأن يصار الى نص دستوري، في بعض الدول، يجيز قانون تعدد الزوجات، او اعتماد نظام الجواري والتمتع بما ملكت يمينه. والسفور حرام يتوجب العقاب. مرجعية الرجل المسلم راهنا، العودة الى القرون الوسطى والبحث في التراث عله يجد شيئاً مما ارتكبه الفقه الذكوري من ظلم واحتقار واستعباد للمرأة. هكذا يكون التقدم الى الخلف. المرأة لا يمكن ان تكون مرجعية دينية. انها ملزمة بمقام الدونية. المرأة ليست مصدرا او مرجعا لفهم الآيات.

ما هذا السلوك المشين بحق المرأة “الأم والزوجة والأخت”. ايعتبر تحجيب المرأة صيانة لشرفها وجسدها، ام انه توظيف لمفهوم القوامة والطاعة. أليس هذا هو ذورة الاستعباد؟ القرآن، استرجع مفاهيم تحرير الانسان، ذكر وانثى. العدل والحرية والمساواة. هي من داخل المنظومة القرآنية. ومشاركة المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية هي جزء من منظومة التفكير العقلاني.

ابان اندلاع “الربيع العربي”، عبر الإسلاميون القدامى والجدد، عن رفضهم لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. المساواة كاريكاتور سمج. ولهذا، لا تتساوى شهادة الرجل وشهادة المرأة، بل أفدح من ذلك، “الإسلاميون الجدد”، يدعون الى ختان البنات وزواج القاصرات وتعدد الزوجات ويقومون بتشويه صورة الناشطات في المجتمع، اضافة الى تبخيس عقول المثقفات وتحريم الفنانات.

باستثناء زوجات الرسول، كانت المرأة تشارك الرجال، حتى في المعارك، وفي جولات القتال. بعد نزول آية الحجاب، فان النساء حاربن في هوازن وفي خيبر.. كان الوضوء جماعيا، بين الرجال والنساء، في حوض واحد ولم تُمنع المرأة حتى عن المساجد

وللبحث صلة. اختم المقالة بما يلي: الحجاب ليس لتغطية الرأس. الحجاب هو الستر الذي يؤمن الحماية. عمر بن الخطاب، مقاوم ذكوري ضد مشروع المساواة البنيوي بين الجنسين. النبي منتصر للمرأة.

المرأة ليست محكومة بالنص القرآني. هي مصابة بالفقه الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي.. إن هذه الفرق أباحت المرأة كجسد، للرجل. إن عقد النكاح لدى الفقهاء على اختلافهم، هو عقد ذكوري واستبدادي أوجبته الشروط الفقهية وليس النص القرآني. وهكذا يصير عقد الزواج شبيها بعقود البيع. والمرأة هي البضاعة، والبيع هو فرج المرأة، والرجل يشتريه الخ.

اخيراً، الحجاب لم يكن له انتشار في بداية العهد الاموي. الحجاب خاص بأمهات المؤمنين. النساء كن سافرات. في ما بعد، تحكم الرجل ولم يحكِم الآيات. وما زال فقه الازمنة الساحقة والسحيقة، حياً يرزق، أعاد المرأة الى “أمة الحريم”.

من يقرأ سيرة عائشة. يعرف ان المرأة كانت تتولى بنفسها قيادة المعارك. ولم تكن عائشة وحيدة ابداً. لا بد من إعادة قراءة الحقبة الاولى من الإسلام. كما لا بد من قراءة الإرث الشيعي، والذي اباح الجنس وزواج المتعة، حيث الرجل يمتع ذكوريته، على حساب بؤس الأرامل والفقيرات والشاذات.

ومع ذلك، فهذا النص يظل ناقصا كثيراً. المكتبات تعج بالمحاولات الجادة، للتحديث، في مقابل سيلان المؤلفات التي تجعل المرأة بضاعة رخيصة، وعيباً وعاراً.

وتسألون عن الحرية؟ قل أين هي في هذا العالم العربي المداس بأحذية السلطة وفقهائها وسادتها وتجارها وتسلطها.

كأننا ما زلنا، في أول الزمن.

(*) راجع الجزء الأول: محنة الحجاب.. تأثيم النساء في المسيحية

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  الصورة الرقمية للمرأة.. صانعة حياة أم إغواء؟