يشير الكاتبان فى بداية المقال إلى قرب موعد اجتماع قادة بلدان منتدى التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادى (APEC) المزمع عقده فى تايلاند فى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذى يتألف من 21 عضوًا ويعد موطنا لأكثر من 2.9 مليار شخص ويمثل أكثر من نصف الناتج المحلى الإجمالى العالمى نتيجة احتوائه لكبرى الدول الاقتصادية، مثل الولايات المتحدة والصين. ستدور مناقشات المنتدى هذا العام حول موضوعات محددة تتمثل فى «الانفتاح، التواصل، التوازن»، أى فتح نافذة المنتدى أمام الفرص الجديدة، والتواصل من خلال جميع أشكال التجارة، وتحقيق التوازن فى جميع جوانب شراكات منتدى التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادى.
مع ذلك، يعتقد الكاتبان أنه يتعين على منتدى الـ”أبيك” أن يتطلع مجددا نحو التوسع، لأن آخر مرة ضمت فيها الكتلة أعضاء جددًا كانت عام 1998 عندما انضمت روسيا وبيرو وفيتنام. لكن توقفت العضوية بعد أن استمرت حتى عام 2010، ومنذ ذلك الحين لم يتم قبول أى أعضاء جدد. لكن حاول البعض مثل الهند الانضمام، إذ بذلت الهند جهودا منذ التسعينيات من أجل العضوية بدعم من إدارة باراك أوباما ورئيس الوزراء الأسترالى لكن دون جدوى. يتساءل الكاتبان مع اقتراب موعد اجتماع المنتدى، إن كان من المناسب إعادة النظر فى فكرة عضوية الهند؟ وإذا لم يكن الآن، فمتى؟
بينما تتطابق كل الشروط المطلوبة لعضوية الهند إلا أن هذا لا يمنع من وجود العديد من الحواجز التى تحول دون حصولها على هذه العضوية. من هذه الحواجز أنها تنتهج سياسة اقتصادية حمائية، أى أنها تبذل قصارى جهودها للحد من الاستيراد من الخارج وتشجيع المنتج الوطنى. إن مبادرة «صنع فى الهند» لرئيس الوزراء الهندى ناريندرا مودى، والذى قطع أشواطا كبيرة فى تشجيع الشركات على تصنيع وتجميع المنتجات فى الهند وجذب الاستثمار الأجنبى، لها بعض الجاذبية لأعضاء APEC. لكن أشار تقرير صدر عام 2019 عن مكتب الممثل التجارى للولايات المتحدة (USTR) إلى أن معدل التعرفة الجمركية المطبق فى الهند بلغ 13.8 فى المائة، وهو أعلى معدل فى أى اقتصاد رئيسى.
سلط هذا التقرير أيضا الضوء على الاختلافات الرئيسية بين الولايات المتحدة والهند فى مجال التجارة، بما فى ذلك التعرفة الجمركية الانتقامية المقدرة بنحو 10 إلى 50 فى المائة على بعض المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، والتى وصفها مكتب الممثل التجارى للولايات المتحدة بأنها جاءت ردًا على قرار دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم.
من ناحية ثانية، ترى البلدان المتقدمة الأخرى أن برنامج الأمن الغذائى فى الهند الذى يدعم المزارعين المحليين من أجل توفير الغذاء لفقراء الريف غير عادل وينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية بشأن الدعم. أردف الكاتبان القول بأن الحمائية الهندية هى التى تجعل أعضاء (أبيك) يميلون للتفكير مليا قبل منح العضوية، حيث يعتقد الكثيرون أن الهند ستؤثر بشكل سلبى على منتدى إقليمى يعمل بالإجماع.
***
كانت القيود المحلية التى تواجهها الهند فيما يتعلق بالشروع فى إصلاحات سياسية رئيسية علامة كبيرة على سبب وجود تصور سلبى لأعضاء منتدى التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادى لترشيح الهند للعضوية. ومع ذلك، هناك أسباب لإعادة النظر فى هذا الأمر. لأن الهند التى تعد الآن خامس أكبر اقتصاد فى العالم من المقرر، بالنظر إلى معدل نموها الحالى، أن تتفوق على ألمانيا فى عام 2027 واليابان فى عام 2029 لتصبح ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم. ومن ثم، يتعين على منتدى التعاون الاقتصادى لآسيا والمحيط الهادئ ــ الذى أنشئ فى عام 1989 كمحفل إقليمى ــ برغم قلقه بشأن الحمائية المعوقة أن يتبنى أيضًا خطوة التغيير وأن يعترف بالحقائق الجيوسياسية التى غيّرت خارطة ومفهوم منطقة آسيا والمحيط الهادئ. إن تقدم الهند كقوة اقتصادية وبحرية فى المنطقة سيضيف قيمة للكتلة.
بالنسبة لمبدأ التواصل، فإن مشاريع البنية التحتية الهندية، مثل شبكة الطرق السريعة الرباعية الذهبية، والطريق السريع الثلاثى بين الهند وتايلاند وميانمار، وشبكة النقل بين بنجلاديش وبوتان والهند ونيبال توفر جميعها اتصالًا إضافيًا باقتصادات جنوب آسيا الأخرى. علاوة على ذلك، فإن تحرير التجارة، بدلا من الحمائية ذات الدوافع السياسية، هو الخيار الوحيد للحفاظ على معدل نمو سنوى يبلغ حاليًا 7 فى المائة.
***
لفت الكاتبان الانتباه إلى محاولات الهند اليائسة للإصلاح نظرا لما جلبه وباء كوفيدــ19 من أزمة اقتصادية وأوجه ضعف فى سلاسل التوريد الإقليمية. لذلك صرفت الهند النظر لصالح التنمية البشرية داخليًا، وأطلقت مبادرات استخدام الكربون المنخفض من أجل جذب المستثمرين الأجانب. ومع ذلك، فإن تلك التنمية الداخلية لن تذيب الفجوة بين أعضاء منتدى «أبيك» والهند. قد يؤدى التحرك فى الاتجاه الصحيح، لا سيما بشأن الشراكات التجارية الإقليمية مثل «RCEP» إلى دفع المناقشات إلى الأمام. فى واقع الأمر، لم تكن الهند تحارب من أجل العضوية بلا دعم، لأن الإدارة السابقة لأستراليا وضعت بين أولوياتها إدراج الهند فى المنتدى، لكن منذ أن قررت نيودلهى فى النهاية عدم الانضمام توقفت المفاوضات.
اختتم الكاتبان المقال مشيرين إلى أن عدد أصدقاء نيودلهى داخل «أبيك» ليس كافيا لجعل الإدماج واقعًا على المدى القريب. مع الأخذ فى الاعتبار أن وعود إدارة أوباما تبخرت فى السحاب مع نهاية ولايته، وفى ظل الأوضاع الراهنة أصبحت مبادرات موسكو وبكين سرابا. كذلك تخيم التوترات بين الصين والهند على إعادة النظر فى العضوية. من ناحية أخرى لم تعط إدارة بايدن الأولوية لاجتماع هذا العام حيث تخطى الرئيس هذا الحدث الرفيع المستوى لأسباب شخصية، وسيرسل نائبته كامالا هاريس لتمثيله فى المنتدى. من المرجح أن تضطر الهند إلى الانتظار أكثر فى الصف لا سيما عندما تستضيف الولايات المتحدة الاجتماع فى عام 2023 نظرا لما يشهده العالم من توترات بين القوى الكبرى.
(*) بالتزامن مع “الشروق” نقلا عن “جيوبوليتيكيل مونيتور“.