ما هي أبرز سمات الاتفاق الإيراني–السعودي؟
يمثل الاتفاق بين إيران والسعودية على استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما إنجازاً مهماً. في المحادثات التي رعتها الصين، وبمساعدة سابقة مهمة من العراق وعُمان، توصل البلدان إلى صفقة تَعِد بخفض حدة التوترات التي كانت متصاعدة بين البلدين.
ثمة خصومة طويلة قائمة بين الرياض وطهران. من وجهة نظر السعودية، تُعد إيران قوة عازمة على إعادة ترتيب الوضع القائم وبث القلاقل في الشرق الأوسط من خلال دعمها للجهات الفاعلة من غير الدول في العراق، ولبنان، وسورية واليمن. وتعتقد الرياض أن إيران تشكل تهديداً لأمن المملكة وأمن المنطقة أيضاً. ومن منظور إيران، فإن السعودية تمثل خصماً ينافسها على الهيمنة الإقليمية وتستدرج القوى الأجنبية إلى الخليج. ويرغب كلا البلدان بأن يُنظر إليه على أنه البلد القائد لجميع المسلمين. وقد كانا على طرفي نقيض في الكثير من حروب المنطقة في العقود الأخيرة، ولا سيما اليوم في اليمن، حيث تدعم السعودية الحكومة المعترف بها دولياً وتدعم إيران المتمردين الحوثيين. قطعت الرياض وطهران علاقاتهما في عام 2016، بعد أن أعدمت السلطات السعودية شنقاً نمر النمر، وهو رجل دين شيعي معارض، الأمر الذي دفع متظاهرين في العاصمة الإيرانية إلى نهب السفارة السعودية.
كان توقيت الاتفاق على استعادة العلاقات مفاجئاً، وكذلك حقيقة أن الصين توسطت في التوصل إليه. كانت إيران والسعودية تتحدثان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية لبعض الوقت، لكن بدا كما لو أن تلك النقاشات كانت قد وصلت إلى طريق مسدود. كانت إيران تدفع من أجل المصالحة وإعادة فتح السفارات، لكن السعودية كانت تقاوم، وتطالب بتنازلات من طهران بشأن قضايا أخرى، بما في ذلك الحرب في اليمن، قبل أن تتخذ تلك الخطوة. كما شرح مسؤول سعودي رفيع لمجموعة الأزمات في أواخر عام 2022، فإن “إيران ترغب باستعادة العلاقات، لكن ينبغي أن نتحدث عن سبب انقطاع تلك العلاقات في المقام الأول. ينبغي أن تعترف إيران بأن هذه القضايا [علاقتها مع الجهات الفاعلة من غير الدولة، ولا سيما الحوثيين] موجودة من أجل التحرك قدماً في الحوار“. ثمة عدد من الأسباب الكامنة وراء التوصل إلى اتفاق بسرعة أكبر مما كان متوقعاً، ولا شك أن انخراط الصين أحدها. فكقوة رئيسية، من المرجح أن بكين تمكنت من تقديم ضمانات لكلا الطرفين ساعدتهما في التغلب على ترددهما على مدى الفترة الطويلة الماضية.
كان توقيت الاتفاق على استعادة العلاقات مفاجئاً، وكذلك حقيقة أن الصين توسطت في التوصل إليه
ما الذي ينطوي عليه الاتفاق؟
يضع البيان الثلاثي المشترك، كما بات الاتفاق يُعرف، جدولاً زمنياً لاستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، بما في ذلك تبادل السفراء. ويُلزم البيان، الموقع من قبل مستشار الأمن الوطني السعودي، مساعد بن محمد العيبان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على شمخاني، ومدير هيئة الشؤون الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وانغ يي، كلا الطرفين باحترام مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. ويعطي الطرفين شهرين لمتابعة الاجتماعات فيما بينهما ومع الصين، لتسوية تفاصيل استئناف العلاقات وفتح السفارات. كما تلزمهما بالاتفاقين السابقين الموقعين في عام 1998 و2001. ويشمل الأول وعوداً بدرجة أكبر من التجارة والاستثمار، إضافة إلى التعاون في مجالات التقانة، والعلوم، والثقافة، والرياضة والشباب. وينص الاتفاق الثاني على عمل أجهزة الأمن والمخابرات الإيرانية والسعودية معاً في محاربة عدد من التهديدات، بما في ذلك المجموعات الإرهابية التي يواجهها كلا البلدين.
غير أن الاتفاق ما يزال مجرد خريطة طريق. فثمة عدد من القضايا التي تجعل الحكم المؤكد على أهميته سابقاً لأوانه. إذ لا ينص البيان المشترك على أية تفاصيل على ما قد يترتب على الطرفين تقديمه لبعضهما بعضاً من أجل إصلاح العلاقات.
لماذا الآن؟
يأتي الاتفاق بعد عدة سنوات من الحوار الحذر المدفوع بمخاوف من حدوث مواجهة مفتوحة. ففي عام 2019، حدثت عدة هجمات على البنية التحتية النفطية في السعودية، إضافة إلى هجمات على بواخر تعبر الخليج تحت أعلام مختلفة. حينذاك، كان معظم دول الخليج يدعم حملة “أقصى الضغوط” التي تبناها الرئيس دونالد ترامب. وترتب على ذلك انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه عام 2015، وزيادة العقوبات الاقتصادية على البلاد اسمياً ومعاقبتها إلى أن تقبل اتفاقاً ينص على قيود أكثر صرامة على برنامجها النووي واحتمال توسيعه لتغطية أوجه أخرى من فرض إيران لهيمنتها، مثل برنامجها للصواريخ النووية أو الانخراط في صراعات في المنطقة. عزت الأنظمة الملكية في الخليج والحكومات الغربية الهجمات لإيران، وتطلعت الرياض وأبو ظبي إلى الولايات المتحدة، الضامن التقليدي لأمنهما، من أجل الحماية. وذُعرتا عندما لم تتخذ إدارة ترامب أي إجراء؛ عندها شعرتا أن سياسة “أقصى الضغوط” كانت قد وضعتهما في خط المواجهة بينما لم تقدم لهما الكثير بالمقابل. في البداية بدأت الإمارات العربية المتحدة ومن ثم المملكة العربية السعودية بالتواصل بهدوء مع إيران لوقف تصعيد التوترات.
دفعت الوساطة التي قام بها العراق وعُمان السعودية وإيران إلى طاولة المفاوضات، إذ بدأت المباحثات الثنائية الرسمية في نيسان/أبريل 2021. واستضافت بغداد ومسقط عدة جولات من النقاشات بين قادة الأجهزة الأمنية، مصحوبين بأفراد من وزارتي خارجية البلدين ومن الأجهزة الأمنية، على مدى العامين اللذين تليا ذلك. كان الحوار متقطعاً، جزئياً لأنه ترتب على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي كان أحد الذين يسّروا الاتفاق، أن يبتعد لإفساح المجال لسلفه المنتخب في تشرين الأول/أكتوبر 2022. ثم وجهت الاضطرابات السياسية التي تلت ضربة أخرى إلى جهود الوساطة العراقية. لكن الأمر الأكثر أهمية ربما كان أن إيران والسعودية لم تحققا اختراقاً مقبولاً في الحوار، الأمر الذي عزز الشعور بالإحباط عند جميع الأطراف. مسؤول سعودي رفيع أخبر مجموعة الأزمات أنه، بعد الجولة الخامسة من النقاشات في نيسان/أبريل 2022، لم يقم الطرفان بأي اتصالات جدية على مدى أشهر. لكن المسؤول أكد على أن المحادثات التي يسّرها العراق مهدت الأرضية للاتفاق النهائي لأنها “ساعدت على إقناع إيران بأن [الرياض] بحاجة إلى التزامات واضحة [كي تتقدم إلى الأمام].
انخرطت الصين في المحادثات لجسر الفجوة. ففي مطلع كانون الأول/ديسمبر 2022، زار الرئيس الصيني شي جين بينغ الرياض لعقد أول قمة صينية–عربية على الإطلاق. وفي هذا الاجتماع، كما أكد مسؤول سعودي رفيع لمجموعة الأزمات، عرضت بكين استضافة محادثات سعودية–إيرانية. أما التفاصيل الأخرى للمحادثات فتبقى موضع جدل. إذ تقول بعض التقارير إن السعودية طلبت من شي نقل رسالة إلى إيران بشأن إعادة إطلاق المحادثات؛ بينما يقول آخرون إن بكين عرضت وساطتها، بهدف إجراء حوار خليجي–إيراني في الصين في عام 2023. مهما كان الوضع، يذكر أن الصين نقلت الرسالة إلى المسؤولين الإيرانيين كما طُلب منها، وسرعان ما استؤنفت الاتصالات السعودية–الإيرانية. حيّا وزيرا الخارجية بعضهما بعضاً على هامش مؤتمر بغداد – الذي يعد مبادرة ناشئة أخرى للحوار الإقليمي – في عمان، الأردن في وقت لاحق من ذلك الشهر. واجتمع المسؤولون السعوديون والإيرانيون لإجراء محادثات أكثر جوهرية خلال مراسم تنصيب الرئيس البرازيلي في مطلع كانون الثاني/يناير. كما ناقشت الصين خططاً لاستئناف المحادثات الثنائية مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارة الدولة التي قام بها إلى بكين في 14 – 16 شباط/فبراير. وهكذا فإن المحادثات التي استضافتها الصين في آذار/مارس 2023، والتي دامت خمسة أيام، أتت بعد الكثير من الأعمال التحضيرية. وقال نفس المسؤول السعودي الرفيع: “نقدر تقديراً عالياً الدور الصيني. … لقد ساعدت الصين في بعض اللحظات الحرجة“.
ليس من الواضح كيف تمكنت الصين من إقناع الطرفين بالاتفاق، إذ تبقى تفاصيل الاتفاق غير معروفة، رغم أن تقارير وسائل الإعلام وأحاديث مجموعة الأزمات مع مسؤولين وخبراء مشاركين وفرت بعض التبصرات. كانت الرياض قد جعلت من تحقيق التقدم على المسار اليمني شرطاً مسبقاً لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وفي هذا السياق، يذكر أنها ضمنت موافقة طهران على وقف تحريض الحوثيين على شن هجمات عبر الحدود على السعودية. ويذكر أن إيران وافقت أيضاً على وقف نقل الأسلحة إلى الحوثيين. بالمقابل، يذكر أن إيران طلبت من السعودية الحد من تغطية الاحتجاجات المعادية للنظام على ’إيران إنترناشيونال‘، وهي قناة تلفزيونية تمولها (رغم أن المسؤولين السعوديين ينكرون علناً فعل ذلك)، وتقليص دعمهم للمعارضة الإيرانية والمجموعات الانفصالية. ويقال إن السعودية وافقت على ذلك. كان دعمها ’لإيران إنترناشيونال’ مع استمرار الاحتجاجات قد منحها ورقة كانت تفتقر إليها في الماضي، وسمح لها بالضغط من أجل الحصول على تنازلات إيرانية بشأن اليمن. يمكن لهذا العامل، إضافة إلى الانخراط الصيني المفاجئ، أن يفسر سبب تحقيق التقدم في المحادثات.
كما يمكن لتوقيت الاتفاق أن يكون مرتبطاً بالأحداث في اليمن، إذ إن هدنة بحكم الأمر الواقع تمكنت من الصمود بعد انتهاء أمد الهدنة الرسمية في تشرين الأول/أكتوبر 2022. لقد تحدث السعوديون إلى الحوثيين بشأن توسيع وتمديد الهدنة. وتقول مصادر إن نوعاً من الاتفاق السعودي–الحوثي قد يكون في المتناول، رغم أنه سيكون هناك صعوبة أكبر في إطلاق حوار يمني–يمني. وربما يكون احتمال خفض التصعيد في اليمن قد مهد الطريق لتبادلات أكثر جوهرية بين السعودية وإيران. ويمكن لتجديد الهدنة في اليمن أو حتى توسيعها، أن يساعد كثيراً، في المقابل، في صمود اتفاق سعودي–إيراني.
للسعودية وإيران أسبابهما المقنعة لوضع الصين في صدر المشهد
ما الذي يعنيه أن الصين رعت هذا الاتفاق؟
بصرف النظر عن التوقيت، فإن ما فاجأ كثيرين بشأن الاتفاق على الشروع في استعادة العلاقات السعودية–الإيرانية كان دور الصين كوسيط وضامن للاتفاق. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت بكين قد حصلت على أي شيء ملموس للاضطلاع بهذه المهمة، باستثناء تموضعها ببساطة بصفتها قوة تزداد نفوذاً في السياسات الإقليمية وتعزيز علاقاتها الاقتصادية.
الصين مشترٍ مهم للنفط الإيراني، وفي آذار/مارس 2021، وقّعت اتفاق تعاون اقتصادي لمدة 25 عاماً مع طهران. كما أن الصين هي الشريك التجاري الرئيسي للسعودية. وبعد توقيع الاتفاق، أخبر مسؤول سعودي رفيع مجموعة الأزمات بأن الصين هي الدولة الوحيدة التي تُعد في موقع يمكنها من الضغط على إيران وأيضاً تقديم ضمانات للسعودية. خبير سعودي مقرب من المحادثات شرح أيضاً لمجموعة الأزمات أن “الصين موجودة في المنطقة لتبقى. وهي تتمتع بالنفوذ لدى إيران في أعقاب توقيع اتفاق مدته 25 عاماً. … وينبغي أن تستعمله“. علاقات بكين المتوترة مع الولايات المتحدة واحتمال حدوث أزمة بشأن تايوان يعني أنها تسعى لتحقيق درجة أكبر من الاستقرار في تدفقات السلع إليها. إذ يمكن لمزيد من الانخراط السياسي في الشرق الأوسط أن يساعد على توفير ضمانات أكثر على هذه الجبهة.
كما يرسل الاتفاق أوضح رسالة حتى الآن مفادها أن الصين تسعى إلى فرض قوتها في الشرق الأوسط خارج المجال الاقتصادي، وهو جزء من تطلعاتها العامة للحصول على نفوذ عالمي أوسع وأن تصبح بديلاً للغرب كوسيط في الصراعات. من وجهة نظر بكين، فإن الاتفاق بين السعودية وإيران يمنح مصداقية لادعائها بأنها صانعة سلام، وقوة فاعلة تساعد في تسوية الصراعات من خلال التشاور والحوار، على العكس من الطريقة التي تصور بها واشنطن وتكتيكاتها في ليّ الأذرع. كانت بكين بحاجة إلى النجاح في هذا المجال، بالنظر إلى أن مشاركتها الحذرة السابقة في الوساطة لم تلقَ نجاحاً ملحوظاً. بين عامي 2003 و2009، استضافت محادثات سداسية الأطراف حول نزع الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، والتي انسحبت منها بيونغ يانغ في النهاية؛ ولعبت دوراً تيسيرياً في عملية السلام في ميانمار، التي توقفت عندما حدث الانقلاب العسكري في عام 2021؛ وقد توسطت بين السودان وجنوب السودان في عام 2015، بشكل رئيسي لحماية استثماراتها في صناعة النفط في البلدين. لم تُحدث أي من هذه الجهود حصيلة ملموسة غيرت مسار النزاع القائم.
لكن إذا ثبت نجاح الاتفاق الإيراني–السعودي وازداد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، فإن ذلك سيرتب على الصين المزيد من المسؤوليات. فبصفتها ضامن الاتفاق، ستتحمل بكين مسؤولية نجاحه. وما يزال من غير الواضح كيف ستشجع الطرفين على المتابعة حتى إنجاح الاتفاق، وما إذا كانت تمتلك الدافع والقدرة اللازمين.
السعودية وإيران من جهتهما لديهما أسباب مقنعة لوضع الصين في صدر المشهد. إذ إن جعل بكين تتوسط في التوصل إلى اتفاق يسمح لطهران بإظهار أنها ليست معزولة أو معتمدة على موسكو إلى الدرجة التي يرغب صناع السياسات الغربيين الذين يفرضون عقوبات عليها أن تكون. كما تقدر إيران عالياً علاقاتها الاقتصادية بالصين. وربما تشعر بانزعاج متزايد من هذه العلاقة، لأنها وجدت أن التوقيع الصيني على الاتفاقات التجارية لا يمكن الركون إليه وأن السلع الصينية التي تستوردها ذات جودة متدنية، لكنها تحتاج رغم ذلك إلى الاحتفاظ بعلاقات جيدة معها. وعلى نحو مماثل، فإنها بحاجة لدعم الصين السياسي، مهما كان هذا الدعم غير منتظم. ومع تعاظم الضغوط الدولية على إيران، مع توقف المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 واستمرار الاحتجاجات المعادية للنظام (ولو بمستوى أقل كثيراً)، وكل ذلك مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، فإن طهران حريصة على استعراض شراكاتها المتبقية، لا سيما مع بكين، القوة العظمى التي تشكل الخصم الرئيسي لواشنطن.
أما بالنسبة للسعودية، فإن الاتفاق يسمح للرياض بإظهار أنها لا تعتمد حصرياً على واشنطن. إذ إن التوترات الأخيرة التي سادت علاقاتها مع الولايات المتحدة تجعل من تنويع علاقاتها أمراً جوهرياً. تعتقد الرياض أن الولايات المتحدة تتراجع ببطء من الشرق الأوسط، ولذلك فإنها باتت ضامناً أمنياً أقل موثوقية مما كانت في الماضي. وتشعر بالغضب من محاولات الولايات المتحدة إملاء أفعالها عليها، كما حدث في أواخر عام 2022، عندما حاولت إدارة بايدن إقناعها بضخ المزيد من النفط الخام من أجل خفض أسعار النفط. ويأتي الاتفاق السعودي–الإيراني بعد ثلاث قمم صينية–عربية، وجميعها عقد في الرياض، وجمعت الصين مع السعودية، والأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، على التوالي. أفضت هذه الاجتماعات إلى عشرات الاتفاقات الاقتصادية، إضافة إلى شراكة إستراتيجية شاملة بين السعودية والصين.
كما فرض كل هذا الانخراط الصيني أيضاً التذكير بأن درجة أكبر من الانخراط السياسي في الشرق الأوسط سيترافق مع درجة أكبر من التدقيق ونطاقاً أوسع لارتكاب الأخطاء. أفضى اجتماع مجلس التعاون الخليجي مع الصين إلى بيان مشترك تبنى لغة تبدو داعمة للدعاءات بحق الإمارات العربية المتحدة بجزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، وهي الجزر المتنازع عليها في الخليج الآن والتي تسيطر عليها إيران. استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير الصيني فوراً للتعبير عن إحباطها حيال ذلك البيان.
ما الأثر الذي يمكن للاتفاق أن يحدثه في الشرق الأوسط؟
ويبقى من غير الواضح كيف سيؤثر الاتفاق في المنطقة. كما لاحظنا أعلاه، فإن السعودية وإيران تتنافسان على الهيمنة على مجموعة من الجبهات. كما أن لديهما رؤى متباينة بشأن الأمن الإقليمي، حيث تؤمن الأولى بقيمة مشاركة الكثير من القوى الأجنبية في الأمن الإقليمي بينما تعتقد الثانية بأن الأمن الإقليمي ينبغي أن يكون من اختصاص أولئك الذين يعيشون في المنطقة. إن الاتفاق – وإذا التزم الطرفان بمقتضياته، أي استعادة العلاقات الدبلوماسية – يشكل خطوة أولى وحسب بالنسبة لطهران والرياض في معالجة خلافاتهما الكبيرة.
تتمثل إحدى النقاط التي يمكن للاتفاق أن يحقق فيها تقدماً في حرب اليمن، التي ترى الرياض في نتيجتها أهمية جوهرية لأمن السعودية. وما تزال محادثات سعودية–حوثية بشأن تمديد هدنة رسمية قائمة حالياً. يمكن لإيران أن تساعد من خلال إقناع المجموعة المتمردة بتخفيف شروطها المسبقة على ما يسمى المسار الإنساني، حيث تطالب بأن تدفع الحكومة المعترف بها دولياً رواتب العاملين في الجيش والخدمة المدنية في أجزاء اليمن التي تسيطر قواتها عليها وأن يرفع خصومها جميع القيود المفروضة على مطار صنعاء وموانئ الحديدة. تذكر مصادر مجموعة الأزمات في اليمن وجود حركة على هذا المسار، إضافة إلى وجود اتفاق محتمل يقضي بأن تتوقف طهران عن تشجيع الحوثيين على شن هجمات عابرة للحدود داخل السعودية – الأمر الذي يشكل أولوية قصوى بالنسبة للرياض. إن اتفاقاً سعودياً–حوثياً لن يكون كافياً بحد ذاته؛ إذ يترتب على جميع الأطراف ذات الصلة أن تطلق حواراً سياسياً يمنياً–يمنياً لرسم مسار نحو وقف إطلاق للنار في جميع أنحاء البلاد وإجراء مفاوضات سياسية شاملة لإنهاء الحرب. لكن بشكل عام، من الصعب تصور تحقيق سلام دائم في اليمن في الوقت الذي تبقى فيه إيران والسعودية (وشركائها في التحالف) على طرفي نقيض بشأن مستقبله.
– النص بالإنكليزية على موقع “إنترناشيونال كرايسس غروب“.