ترامب من قوس المحكمة.. إلى حكم أمريكا!

قبل مائتين وأربعين عاما، لم يتوقع الآباء المؤسسون للدولة الأمريكية عندما اجتمعوا للاتفاق على شكل الدولة الجديدة وطبيعة الدستور وعلاقة الحاكم بالمحكومين أن يصل شخص مثل دونالد ترامب لسدة الحكم، وهو ما كان بين عامى 2016 ــ 2020.

قبل مائتين وأربعين عاما أيضا، لم يتوقع الآباء المؤسسون للدولة الأمريكية، أن يقف رئيس أمريكى سابق فى قفص الاتهام مُوجها إليه قائمة بـ34 تهمة قد ينتج عنها وضعه خلف القضبان. إذ قبل أيام وقف ترامب يستمع لقائمة الاتهامات فى محكمة بجنوب منهاتن بولاية نيويورك، تتمحور حول تزوير سجلات تجارية بقصد ارتكاب جرائم أخرى وإخفاء ارتكابها، وهو ما يعتبر جناية طبقا لقوانين ولاية نيويورك.

تعد حالة ترامب استثناء لما يحصل فى أروقة السياسة الأمريكية، إذ عادة ما ينسحب المرشحون لمناصب سياسية فى حال وُجهت إليهم مخالفات أو اتهامات، ولذلك فإن الناخبة والناخب الأمريكيين أمام فرصة تكاد تكون تاريخية لمتابعة رئيس سابق ومرشح للانتخابات المقبلة، وفى الوقت نفسه يُحاكم جنائيا.

يعتقد بعض مخططى الحزب الديموقراطى أن ترامب أسهل مرشح يمكن التغلب عليه فى انتخابات 2024؛ لأنه يحفز الأعضاء الديموقراطيين من جانب، ويُقَسّم نظرائهم الجمهوريين والمستقلين من جانب آخر. ومثلت نتائج آخر ثلاث انتخابات دليلا على ذلك، فقد خُيبت آمال الحزب الجمهورى فى الانتخابات النصفية للكونجرس 2018 والانتخابات الرئاسية 2020، والانتخابات النصفية للكونجرس 2022، والتى عكست نتائج مخيبة لترامب شخصيا، ولتياره الأوسع المعروف باسم «ماجا».

يعتقد الكاتب جيف جرينفيلد أنه وبالنظر إلى تاريخ ترامب الذى له «تسعة أرواح»، لن يكون مفاجئا إذا رأى نفسه ينتقل من القسم على قول الحقيقة فى قاعة محكمة مانهاتن أمام القاضى وهيئة المحلفين، إلى القسم على تنفيذ الدستور عند تنصيبه أمام مبنى الكابيتول

من هنا يرحب الحزب الديموقراطى بخوض السباق الرئاسى أمام ترامب مقارنة بمرشح جذاب صغير السن على غرار حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس البالغ من العمر 45 عاما، والذى سيُظهر تنافسه مع بايدن البالغ 80 عاما، فارق السن الكبير بينهما.

***

ما يتعرض له ترامب من اتهامات جنائية كفيل بإسقاط أى مرشح تقليدى، وكفيل بأن يبعد عنه دعم الملايين من الناخبين والناخبات خاصة مع بدء إرهاصات الحملة الانتخابية لعام 2024.

لكن يحدث العكس مع ترامب، فقد زادت التبرعات المالية لحملته الانتخابية، فى وقت وسّع فيه ترامب الفارق مع أقرب منافسيه المهتمين بالترشح على بطاقة الحزب الجمهورى لانتخابات 2024. ونجحت حملة ترامب فى جمع أكثر من 4 ملايين دولار فى أول 24 ساعة بعد توجيه الاتهامات له.

كذلك، لم تُقدم القيادة الجمهورية فى مجلسى الشيوخ والنواب على انتقاد ترامب، أو أن تطلب منه التنازل عن ترشحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة، بل على العكس، دعم القادة الجمهوريون ترامب، واتهموا الحزب الديموقراطى بتسييس القضاء لاستهداف ترامب.

كما لم يتجرأ أى من المرشحين المنافسين أو المحتملين لترامب، على استغلال فرصة توجيه اتهامات جنائية له، ومهاجمته أو مطالبته بالخروج من السباق.

وقال نائب الرئيس الأمريكى السابق، مايك بنس، فى حديث لشبكة CNN، إن توجيه اتهامات رسمية إلى ترامب تمثل ضربة للديموقراطية الأمريكية. وعبر بنس عن اعتقاده أن توجيه الاتهامات إلى ترامب يحمل طابعا لا سابق له ويعد أمرا شائنا، مضيفا أن الملايين من الشعب الأمريكى لن يروا فى هذه القضية إلا «الاضطهاد السياسى». فى حين انتقد رون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا والمنافس الأبرز حاليا لدونالد ترامب، الاتهام للرئيس السابق واصفا الأمر بأنه «مناف للقيم الأمريكية».

***

يُكرّر ترامب أنه ضحية «تدخل فى الانتخابات»، منتقدا المدعى العام فى نيويورك، ألفين براج، لتوجيهه اتهامات جنائية له. واعتبر أنه يتعرض لـ«تحقيقات مزيفة» من قبل الحزب الديموقراطى.
وأمام أنصاره المجتمعين فى منتجع مار إيه لاجو فى بالم بيتش بولاية فلوريدا، قال ترامب بعد ساعات من توجيه الاتهامات له «لم أتخيل أبدا أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث فى الولايات المتحدة». وأضاف «الجريمة الوحيدة التى ارتكبتها هى الدفاع بجسارة عن أمتنا فى مواجهة الساعين لتدميرها».

***

جاء ترامب قبل خوضه انتخابات 2016 مغردا من خارج سرب السياسة التقليدية الأمريكية بتقاليدها وأعرافها الراسخة، ونجح فى تحقيق انتصار ساحق على أكبر عائلتين سياسيتين قوة ونفوذا فى العقود الأخيرة، وهما عائلة بوش التى مثلها فى الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى آنذاك المرشح جيب بوش، وعائلة كلينتون التى مثلتها المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون فى الانتخابات الرئاسية.

يرى مراقبون أن ترامب لم يتفوه حتى اللحظة بكلمة «آسف» أو «لم أكن أقصد ذلك»، وبرغم ذلك فقد قبل الكثير من الأمة الأمريكية التغاضى عن سقطاته وسلوكه الأخلاقى والقيمى.

تضيف الاتهامات من المدعى العام بولاية نيويورك إلى قائمة التحقيقات، التى يراها ترامب مفتعلة، مزاعم التواطؤ الروسى فى انتخابات 2016، ومحاولتى عزله الفاشلتين فى الكونجرس، واقتحام «إف بى أى» (FBI) منزله لتفتيشه والتحقيق فى احتفاظه بوثائق سرية فى منتجع مار إيه لاجو، ومحاولته التأثير على مسئولى ولاية جورجيا لتغيير نتائج انتخابات 2020.

إقرأ على موقع 180  ترامب مرشحاً لولاية ثانية.. بشعبيته الطاغية جمهورياً؟

ومع كل ذلك، لا يزال ترامب شخصية قوية جدا داخل المعسكر الجمهورى، ويخشاه كل القادة الجمهوريين التقليديين، على الرغم من كونه أضعف إلى حد ما على المستوى الوطنى خاصة بين الأشخاص المستقلين التى ترجح أصواتهم فى النهاية هوية الفائز بسباق البيت الأبيض.

يعتقد الكاتب جيف جرينفيلد أنه وبالنظر إلى تاريخ ترامب الذى له «تسعة أرواح»، لن يكون مفاجئا إذا رأى نفسه ينتقل من القسم على قول الحقيقة فى قاعة محكمة مانهاتن أمام القاضى وهيئة المحلفين، إلى القسم على تنفيذ الدستور عند تنصيبه أمام مبنى الكابيتول كرئيس جديد للولايات المتحدة.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  كيف تتصرف إيران.. و"محورها" إذا استمرت الحرب؟