بالرغم من انهماك الحكم الفرنسي على الصعيد الداخلي في معالجة التداعيات السياسية والاجتماعية لاقرار القانون الجديد المتعلق برفع سن التقاعد، وبالرغم من انشغال الديبلوماسية الفرنسية على الصعيد الخارجي باستمرار الصراع بين أوكرانيا وروسيا وتأزم الوضع في الاراضي الفلسطينية اضافة الى تدهور الوضع المستجد في السودان، بالرغم من كل ذلك، تجد باريس متسعاً من الوقت والجهد لمتابعة إهتمامها بالأزمة الرئاسية اللبنانية. وكُشِف النقاب، في هذا الاطار، أن باريس دعت بكين، خلال زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون الأخيرة إلى الصين، إلى الدفع لكي تشمل “الانعكاسات الإيجابية” للتقارب السعودي – الإيراني الوضع اللبناني.
وهل من “بركة ” منتظرة من هذه “الحركة الفرنسية”؟
يبادر مصدر فرنسي متابع للملف اللبناني الى وصف النظرة الى المشهد اللبناني الحالي بأنها “مقلقة للغاية ومثيرة للحيرة”. ويبدو ان المقاربة الفرنسية تسير في أكثر من اتجاه.
فمن يُمثل الاتجاه الأول اللصيق بالرئاسة الفرنسية، لم يتخلَ بعد بشكل نهائي عن خيار سليمان فرنجية الرئاسي، بالرغم من كل “المطبات” و”اللاءات” التي تواجه هذا الخيار. والعاملون على هذا الخط في باريس (المستشار الرئاسي باتريك دوريل) أو في بيروت (السفيرة آن غريو) جهدوا لإحداث “خرق ما” أو أقله “ثغرة ما” أكان لرفع “التحفظ السعودي غير المعلن” أو لاختراق “جدار الرفض المسيحي المعلن”، لكن حتى الآن لم تثمر هذه الاتصالات والمساعي الفرنسية. فلا حلحلة ظهرت في موقف الرياض، وفي الوقت نفسه، بقي التشدد على حاله من قبل حزب الكتائب (زيارة سامي الجميل إلى الإليزيه) وحزبي “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” (زيارة غريو إلى معراب وميرنا الشالوحي).
وحجة الجانب الفرنسي أنه لم يجد حتى الآن مخرجاً مناسباً للمأزق الرئاسي الحالي سوى طرح المعادلة المزدوجة (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء). ولم يقابل هذا التوجه الفرنسي بأي تفهم من الجانب اللبناني المعارض (الثلاثي الماروني)، بل بالمزيد من التشدد والتحذير من تداعياته على مستقبل التركيبة السياسية من خلال دفعها نحو “ارتهان فاضح ووصاية جديدة لفريق سياسي (حزب الله) سيُمسك بكل مقدرات البلاد ويتكرس دوره كمفتاح للحل والربط على مختلف المستويات النيابية والوزارية والإدارية”، كما يقول المعارضون لفرنجية في حديثهم مع الفرنسيين.
وفي هذا الاطار، يبدي الجانب المعارض تخوفاً فعلياً من أنه في حال حدث “خرق ما”، فهو سيتم على حساب “المسيحيين ككل”، وبالتالي، أي تسوية “ستكون تداعياتها خطيرة لا على هذا الفريق فحسب بل سيطال الضرر كل اللبنانيين”.
الاتجاه الأول اللصيق بالرئاسة الفرنسية، لم يتخلَ بعد بشكل نهائي عن خيار سليمان فرنجية الرئاسي، والعاملون على هذا الخط في باريس (باتريك دوريل) أو في بيروت (آن غريو) جهدوا لإحداث “خرق ما” أو أقله “ثغرة ما” أكان لرفع “التحفظ السعودي غير المعلن” أو لاختراق “جدار الرفض المسيحي المعلن”، لكن حتى الآن لم تثمر هذه المساعي الفرنسية
ومقابل هذا الاتجاه الفرنسي، يبدو أن هناك اتجاهاً فرنسياً ثانياً لا يُستهان بموقعه وقدرته داخل “الإدارة الفرنسية العميقة” (تتقاطع معه التقارير الديبلوماسية والمعلومات الأمنية) يعتبر أن الأمور دخلت مرحلة “النضوج”، ويرى أن خيار فرنجية “أصبح خارج اللعبة” وأنه ينبغي البحث عن خيار آخر “لا يكسر” أي فريق ويكون قادراً على مخاطبة الجميع، بحيث “يشكل للبعض عنصر اطمئنان ولا يشكل للبعض الآخر عنصر استفزاز”. ويضيف أن الحديث عن أن هذه الشخصية المرشحة أو تلك بامكانها تقديم ما يسمى “ضمانات” هو “حديث غير جدي”.
واللافت للإنتباه أن العاملين على هذا الخط يشيرون إلى أن “الثنائي الشيعي” (خصوصاً حزب الله) يعي ضرورة الأخذ في الاعتبار “الحالة المسيحية” غير المرحبة بخيار فرنجية ومن هنا دعوته وانفتاحه للتحاور حول شخصيات بديلة.
أمام هذا الواقع، يبدو أن الفريق اللبناني المعارض للإتجاه الفرنسي الأول (الذي يحاول تسويق خيار فرنجية) مصرٌ على موقفه المناوىء لوصول فرنجية وهو سيتحرك لتفعيل “جبهة مواجهة” لهذا الخيار، ولم يخفِ الفريق المسيحي (كما فعل سامي الجميل في الإليزيه) عتبه الشديد على الموقف الفرنسي وجاءت معارضته “بعبارات واضحة وحازمة”، لكنه حافظ على الرغبة في إبقاء الباب مفتوحاً مع الجانب الفرنسي والتأكيد على الإنفتاح للحوار والتشاور حول شخصيات غير منتمية لأي محور خارجي وتحظى بقبول داخلي.
والجدير ذكره أن الديبلوماسي الفرنسي باتريك دوريل، زار الأسبوع الماضي، العاصمة السعودية، وإجتمع بعدد من المسؤولين السعوديين المعنيين بالملف اللبناني من دون أن تسفر هذه الزيارة عن تحقيق خرق في جدار المواصفات التي يضعها السعوديون ويعتبرون أنها لا تنطبق على فرنجية المتوقع أن يطل قريباً، عبر شاشة تلفزيونية لبنانية للحديث عن الملف الرئاسي.